مدت السلطات السعودية يد العون لآلاف العمال الأجانب العالقين بإحدى شركات المقاولات بعد تسريحهم، نتيجة التراجع الاقتصادى، وعرضت إعادتهم إلى أوطانهم على نفقة الدولة، لكن الكثير من هؤلاء يصرون على البقاء فى المملكة لحين الحصول على مستحقاتهم المالية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، برزت معاناة عشرات الآلاف من العمال المسرحين من وظائفهم لدى شركات المقاولات السعودية، لاسيما سعودى أوجيه التى تملكها عائلة رئيس الوزراء اللبنانى السابق سعد الحريرى، والتى باتت غير قادرة منذ أشهر على دفع رواتب موظفيها.
وعانى هؤلاء خلال الأسابيع الماضية بعدما توقفت الشركة عن تزويدهم بالطعام والمياه والرعاية الصحية وغيرها فى يوليو تموز الماضى، قبل أن تتدخل وزارة العمل السعودية بتوفير الخدمات الأساسية للعاملين.
وعلى مدى سنوات الازدهار الاقتصادى حتى 2015 جذبت السعودية نحو عشرة ملايين وافد بقطاعات النفط والإنشاءات والمقاولات والخدمات، إلا أن هبوط أسعار النفط دفع الحكومة لخفض الإنفاق على المشروعات ودفع عدد من شركات الإنشاءات إلى خفض نفقاتها والاستغناء عن عشرات الآلاف من العمال من جنوب آسيا وغيرهم من العمال الأجانب.
وفى وقت سابق من هذا الشهر أمر العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز باتخاذ كافة الإجراءات لحل مشاكل العاملين العالقين على نفقة الحكومة، بما فى ذلك تجديد إقامتهم وإعادتهم إلى أوطانهم، وتكليف محامين بمتابعة مطالب العمال، والتأكد من احترام حقوقهم وضمان مستحقاتهم المالية، لكن كثيراً من العمال يفضلون الانتظار لحين الحصول على مستحقاتهم بأنفسهم، حتى وإن طال الانتظار.
يقول ساردار نصير (35 عاما) وهو لحام باكستانى لدى سعودى أوجيه، "سننتظر هنا لعام أو عامين، سننتظر لحين الحصول على أموالنا".
ويقول نصير، الذى تحدث نيابة عن عشرات العمال الواقفين خلفه لأنه يتقن الحديث بالإنجليزية، إنه لم يتلق راتبه منذ ثمانية أشهر، وإن الشركة مدينة له بنحو 22 ألف ريال (5865 دولارا).
التقت رويترز بـ"نصير" وعمال آخرين خلال زيارة نادرة قام بها فريق العمل فى الرياض لأحد المجمعات السكنية التابعة لسعودى أوجيه، حيث يعيش نحو ألفى عامل فى غرف مكتظة ولا يملكون إلا القليل من المال، وقال معظم العمال فى هذا المجمع إنهم توقفوا عن العمل منذ أربعة أشهر، ولم يتلق أى منهم راتبه من الشركة منذ يناير الماضى.
وكانت سعودى أوجيه، التى لم تستجب لطلبات رويترز للتعقيب على الأمر، من أكبر شركات المقاولات فى المملكة، وأصبحت من أكبر المتضررين جراء هبوط النفط وتقلص النشاط بقطاع الإنشاءات فى البلاد.
وفى الأسابيع الماضية، قالت وسائل إعلام لبنانية وسعودية، إن الحكومة السعودية تجرى محادثات مع الحريرى لشراء سعودى أوجيه مع ديونها والتزاماتها المالية، وقالت تقارير أخرى إن الشركة بصدد إشهار إفلاسها.
وتضغط حكومات أجنبية أخرى، من بينها فرنسا والفلبين وبنجلادش، على السلطات السعودية والمسؤولين التنفيذيين فى الشركات لضمان دفع شركات الإنشاء رواتب العاملين.
وأرسلت كل من الهند وباكستان والفلبين مسؤولين كبار إلى الرياض لمناقشة أوضاع عمالتها. وفى وقت سابق هذا الشهر قال وزير هندى، إن المملكة تعهدت بمساعدة أكثر من 6200 من العمال المسرحين من وظائفهم فى المملكة والعالقين دون مال أو طعام وجميعهم كانوا موظفين لدى سعودى أوجيه.
جهود حكومية
أمر الملك سلمان، فى وقت سابق هذا الشهر، بتخصيص 100 مليون ريال لحل مشاكل العمال العالقين من دول، من بينها باكستان والهند والفلبين وبنجلادش.
وخلال مقابلة لرويترز مع وزير العمل السعودى مفرج الحقبانى أمس الأربعاء، قال الوزير، إن مشاكل سعودى أوجيه يجب ألا تشكل الصورة العامة لسوق العمل الذى يضم نحو عشرة ملايين وافد.
وأكد الوزير أن الكثير من الشركات المتعثرة بدأت فى سداد الرواتب المتأخرة وأن مسؤولى مجموعة بن لادن العملاقة للمقاولات - التى تعانى هى الأخرى من مشاكل مالية - تعهدوا بسداد رواتب العمالة خلال سبتمبر.
ورداً على سؤال عن الإطار الزمنى المتوقع للانتهاء من مشاكل عمالة سعودى أوجيه، قال الوزير إنه لا يوجد إطار زمنى محدد فى الوقت الراهن لأن المحامين الذين عينتهم الوزارة سيقومون بمتابعة حقوق العاملين لدى الشركة، وإن الأمر سيجرى إحالته للقضاء، لكنه شدد على أن رواتب العاملين مضمونة، وأنهم سيحصلون على كامل حقوقهم فى نهاية المطاف.
وقال الحقبانى، "سنحيل الأمر للمحكمة، أصبحنا مسؤولين عن الأمر الآن، قمنا بتعيين محامين لملاحقة سعودى أوجيه من خلال محاكم النزاعات العمالية وتحصيل مستحقات العاملين".
وأضاف "إذا كان لديك عشرة ملايين عامل أجنبى لا يشتكون، وهناك نحو 30 ألف عامل فى شركة واحدة يعانون من مشاكل فلا ينبغى تعميم الأمر".
والتقى الحقبانى الأربعاء بنظيره الفلبينى سيلفستر بيلو الذى قال إن الحكومة السعودية تعهدت باستخراج تأشيرات الخروج النهائى للعاملين الفلبينيين الراغبين فى مغادرة المملكة وترحيلهم على نفقتها وإنه سيجرى إعادة نحو ألف عامل قبل بدء موسم الحج.
وعرضت الوزارة على العاملين العالقين عدداً من الخيارات، جميعها على نفقة الحكومة، أبرزها استخراج تأشيرات الخروج النهائى ومغادرة البلاد لمن يرغب فى ذلك عبر الخطوط السعودية أو تجديد إقامات من يرغب منهم ونقل كفالتهم لشركات أخرى.
ولكن كثيراً من العمال يفضلون البقاء للضغط من أجل الحصول على مطالبهم ومستحقاتهم بأنفسهم، رغم صعوبة الظروف المعيشية وصعوبة الحصول على عمل بديل.
وفى المجمع السكنى يعيش كل ستة إلى ثمانية عمال فى غرف ضيقة، حيث ينامون على أسرة تكسوها الحشايا المهلهلة وتشاركهم غرفهم القطط الضالة والحشرات.
ويحصل هؤلاء العمال على حصص غذائية من وزارة العمل ومن سفارات بلادهم ويقومون بتسخين طعامهم على مواقد صغيرة يحتفظون بها تحت أسرتهم ويجدون صعوبة فى توفير المياه النقية لأن مرشح التنقية الذى يجب تغييره يوميا لم تلمسه يد منذ عام ولذا يشترون زجاجات المياه من أموالهم القليلة على أمل أن ألا تطول معاناتهم.
يقول محمد نياز 42 عاما، إن ابنتيه فى باكستان توقفتا عن الذهاب إلى المدرسة، لأنه لم يعد لديه المال ليرسله لأسرته وإن الشركة مدينة له بنحو 13 ألف ريال لن يغادر إلا بعد استلامها.
وأضاف "أريد العودة إلى باكستان لكن كيف أعود ولا تملك أسرتى أى مال وابنتى لا تذهبان إلى المدرسة؟ كيف أعود إلى باكستان؟".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة