يبدو أن أزمة قانون بناء الكنائس لن تنتهى، القانون الذى خرجت مسودته التوافقية بين الدولة والكنائس نهاية يوليو الماضى بعد 14 مسودة جرى التفاوض فيها عبر عشرات الاجتماعات بين المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون النيابية وبين ممثلو الكنائس، عاد كل شئ للوراء وكأن الكنائس لم توقع على مسودة توافقية مثلما أصدرت مكاتبها الإعلامية.
قلبت الكنيسة الأرثوذكسية الطاولة من جديد، وأعلنت على لسان متحدثها الرسمى فى بيان شديد اللهجة وبنبرة غاضبة وحادة أن الكنيسة فوجئت بتعديلات غير مقبولة وإضافات غير عملية ستسبب خطراً على الوحدة الوطنية المصرية بسبب التعقيدات والمعوقات التى تحويها وعدم مراعاة حقوق المواطنة والشعور الوطنى لدى المصريين اﻷقباط"، وذلك بعدما حضر ممثلى الكنائس المصرية حضروا اجتماعا الأربعاء الماضى ضم ممثلى جهات عديدة بالدولة لمناقشة مشروع قانون بناء الكنائس المزمع إصداره.
بيان الكنيسة أكد أيضًا أن المشاورات مازالت جارية ولكنه جاء بعيدًا عما قاله جميل حليم مستشار الكنيسة الكاثوليكية وممثلها القانونى فى لجنة إعداد القانون الذى فوجئ بتصعيد الكنيسة الأرثوذكسية وموقفها الغامض معقبًا "لا يوجد تعديلات جوهرية بمشروع القانون، وكل ما هناك أننا نحاول إعادة ترتيب الصياغة النهائية للقانون فهناك بعض الأجزاء تحتاج إلى إعادة نظر وتنقيح بينها عبارات سقطت سهوًا من المسودة الأولى للقانون رأينا ضرورة وضعها، وحتى الآن نحن فى مشاورات مفتوحة مع الحكومة حتى يتم الاستقرار على صياغة نهائية تذهب إلى مجلس النواب".
أما الكنيسة الانجيلية التى كانت هى الأخرى طرفًا فى تلك المفاوضات، ففضلت الحلول الوسطى الدبلوماسية وأصدر رئيس الطائفة الدكتور القس أندريه زكى بيانًا أكد فيه إنه يتابع عن كثب النقاش الدائر حاليا بين الحكومة والكنائس حول قانون بناء الكنائس، وكذا التصريحات التى تصدر عن نواب البرلمان، مطالبا الأجهزة المعنية بالاستجابة إلى الملاحظات التى تتعلق بعدد من الأمور الدقيقة فى بناء الكنائس، لا سيما أن القانون مازال فى مرحلة النقاش.
كل تلك البيانات المتعاقبة لم تحدد المواد المختلف عليها بين الدولة والكنيسة، أو بالأحرى المواد التى رأت الكنائس إنها خطرًا على مستقبل بناء الكنائس فى مصر بعدما وقعت على المسودة التوافقية فى يوليو الماضى، ثم جاء الأنبا بولا وصرح للصحفيين أن ما تم التوقيع عليه ليس المسودة النهائية وأن الدولة والكنائس ذاهبون للمفاوضات التكميلية.
تحركات الكنيسة وانزعاجها من القانون حدث بعد المؤتمر الذى نظمه نشطاء المجتمع المدنى والأحزاب تحت عنوان "تنسيقية المواطنة" بمشاركة شخصيات عامة مثل تهانى الجبالى وكمال زاخر وجورج إسحق وغيرهم، المؤتمر أصدر ورقة بالملاحظات والمخاوف التى أغضبت الشارع القبطى من مشروع القانون أعدها كمال زاخر مؤسس التيار المسيحى العلمانى وعدد من القانونين.
ويشير زاخر، إلى أن القانون فى مادته الأولى التى تحظر بناء كنائس بلا أسوار قد تعطل بناء الكنائس الصغيرة فى القرى والريف، والتى قد يقتطع السور من مساحتها ويعصف بإمكانية إقامتها بالكامل، كذلك فإن المادة الثانية تربط بين مساحة الكنيسة وعدد وحاجة المواطنين، معتبرًا حاجة المواطنين كلمة مطاطة يصعب تحديدها أو تقديرها بشكل دقيق وترجع إلى نظرة المحافظ التى قد تختلف مع وجهات نظر المواطنين، وتتسبب فى النزاع بينهما.
وبالنسبة للمادة الثالثة، قال زاخر، فى تصريحات له، إن تلك المادة تمنح وزير الإسكان حق إصدار قرارات لترميم وإعادة تشطيب الكنيسة من الخارج، مما يعتبر عرقلة لأبسط حقوق المواطن القبطى، وتمنح وزير الإسكان الحق فى إصدار قرارات ضد حالات معينة، سواء بالقبول أو المنع وهى سلطة لم تكن موجودة فى الماضى.
المادة الخامسة حظيت بالنصيب الأكبر من الجدل، حيث ربطت موافقة المحافظ على إصدار الترخيص باستطلاع آراء الجهات المعنية، وهو ما يراه زاخر بابًا لتدخل الأمن فى بناء الكنائس حيث تعطل بناء عشرات الكنائس بسبب عبارة "نرفض لدواعٍ أمنية"، وهو الأمر الذى يغل يد أى مسئول عن البناء خوفًا من العواقب، لافتًا إلى أن تلك المادة أعطت للمحافظ مهلة أربعة أشهر لقبول أو رفض الطلب، ولكنها لم تحدد فى الوقت نفسه ما الذى يترتب على مضى المهلة.
وقال زاخر، إن مشروع القانون لم ينص على أية مواد تعاقب من يتلاعب فى قبول الطلب، متسائلًا هل سيتناقش البرلمان مشروع القانون الذى تقدم به حزب المصريين أم سيكتفى بمشروع الحكومة؟، مطالبًا: بضرورة الإشارة إلى أن أى تعارض بين هذا القانون وأى قانون آخر يطبق النص الأصلح.
المستشار مجدى العجاتى وزير العدالة الانتقالية رفض تصعيد الكنيسة القبطية التى وصفت مشروع القانون بالخطر على الوحدة الوطنية وقال لليوم السابع، "لا يحركنا إلا الوحدة الوطنية، "نحن حريصون على الوحدة الوطنية المصرية ولا نبغى سواها فهى المحرك الرئيسى لنا فى كل ما نتخذه من خطوات فى هذا الأمر".
وتابع وزير الشئون القانونية ومجلس النواب: "الاختلاف فى الرؤى لا يجب أن يفسد للود قضية، وأتمنى أن يخرج مشروع القانون بالشكل الذى يرضى جميع الأطراف"، وحول المخاوف التى أثارها بيان الكنيسة حول عودة مشروع القانون إلى نقطة الصفر أكد العجاتى أن المناقشات مستمرة وأنه سيتم الانتهاء من مشروع القانون الأسبوع المقبل تمهيدا لإرساله لمجلس النواب ومجلس الدولة.
كذلك فإن البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية كان قد هدد أعضاء اللجنة الدينية بمجلس النواب الذين زاروا الكاتدرائية منذ أسابيع برفض قانون بناء الكنائس إذا لم يعبر عن طموحات الأقباط مشددًا: لن نقبل سيطرة جهة معينة على بناء الكنائس فى مصر، والقانون المعمول به حاليًا منذ عصر الدولة العثمانية، وذلك قبل أن تحدث الانفراجة فى الأزمة ويوقع الأنبا بولا على مشروع القانون الذى تراجعت عنه الكنيسة بعدها.
التحركات الكنسية ضد القانون، دفعت الحكومة لتأجيل مناقشة مشروع القانون بمجلس الوزراء إلى الأسبوع المقبل واضطرت مجلس النواب إلى مد فصله التشريعى الأول حتى يتم إقرار قانون بناء الكنائس الذى ينص الدستور المصرى الجديد على إقراره فى الفصل التشريعى الأول، رغم كل العقبات التى تحيق بمشروع القانون من النواحى القانونية والأمنية والدستورية.