روان سالم ذكى تكتب: حلو وحامض

الأحد، 21 أغسطس 2016 08:00 م
روان سالم ذكى تكتب: حلو وحامض رواية هارى بوتر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مقالتى اليوم تكاد أن تكون مختلفة بكل الأشكال عن ما سبقها من كتابات، فاليوم سأميل قليلا للتحدث عن سيرة شخص معين لنتعلم منها أهمية التمسك بالأحلام، والتشبث بحبال الأمل للنهاية، وأهمية التغاضى عن كل ما يكبح عزيمتنا للوصول إلى الهدف المرجو.

 

من منا لا يعرف من هو هارى بوتر؟ تلك الشخصية التى أّذهلت الجميع خلال السنوات الماضية، وأضحت تمثل طفرة فى تاريخ الأدب وتاريخ السينما العالمية بتصدرها أعلى الإيرادات فى شباك التذاكر فى كل أقطار العالم. فى الحقيقة كثير منا لا يعلم القصة التى أفرزت أسطورة "هارى بوتر"، ولا يعلم مدى المعاناة التى لولاها لما كشف النقاب عن واحدة من أهم الروائع الادبية فى العالم، حيث فاقت شهرة سلسة الروايات السبع التى كتبتها الروائية جوانا عن هذه الشخصية كل الحسابات وبيع منها ما يقارب الـ400 مليون نسخة.

 

قصة النجاح الخارقة هذه كانت فى يوم من الأيام أقرب للفشل والتعثر فى حبال الإحباط فبعدما انتهت المؤلفة من مخطوط روايتها الأولى "هارى بوتر وحجر الفلاسفة" عام 1995 رفضت العديد من دور النشر نشرها، حتى قامت احدى دور النشر فى لندن بالموافقة على نشرها بعد منح جوانا مقابل مادى كان هو الاكبر آنذاك لقاء شيئ تكتبه، والطريف فى القصة ان مالك دور النشر طلب من جوانا ان لاتضع آمالا كبيرة على هذه الرواية، لأن كتب الاطفال عادة لم تكن تباع كثيرا آنذاك، وبعدها بعامين جرى مزاد علنى حول حقوق نشر الرواية فى الولايات المتحدة، ففازت بها دار " سكولاستيك إنك "، حينها فقط شعرت جوانا بأن كل عقباتها قد اضمحلت، وان الحلم اصبح قريب من مدى النظر. لم يتجاوز عدد نسخ أول طبعة لرواية هارى بوتر اكثر من ألف نسخة عام 1997، ولكن لم يمض اكثر من خمسة أشهر على صدورها حتى تبسمت الأقدار لجوانا وحصدت العديد من الجوائز تقديرا لمجهودها، واعترافا بنجاح الرواية على كل الاصعدة. وتوالت أجزاء هارى بوتر فى الصدور، وبدأت العجلة فى الدوران صعودا إلى الأعلى، وحصدت جوانا مئات الجوائز لما حققته السلسلة من نجاح لا مثيل له، إلى ان صدرت رواية "هارى بوتر وكأس النار" عام 2000 لتكسر مبيعاتها كل الحدود، ولتخرج روايات هارى بوتر للنور وما أدراكم أى نور هذا ؟ فقد كان نورا مخلوطا بطعم النجاح واالمثابرة معا، جعلت جوانا اهم كاتبة روايات فى العالم، بل وأغناهم أيضا، بعد ان كانت لا تملك بضع قروش لتشترى قوتها من الخبز والحليب.

 

هناك عبارة تنموية شهيرة جدا تقول: " اصنع من الليمون شرابا حلوا " وهى عبارة غاية فى الأهمية، وقد تكون مستفزة لهؤلاء الذين يروون الظلام دامسا فى كل الطرق، والمتشائمين أيضا، فهذه العبارة تعبر عن قصة " جوانا " التى استخدمت المشاكل والمصاعب التى تعرضت لها فى حياتها فى صناعتها للعوالم الخيالية الساحرة فى رواية " هارى بوتر "، فكانت بحق كمن صنع من ليمون حياته الحامض شرابا حلو المذاق، بل وأكثر من ذلك بكثير، فقد صنعت منه نجاحا باهرا فاق كل التوقعات، فعلى سبيل المثال، بطلة الرواية " هيرميون " تمثل شخصية الكاتبة نفسها أثناء فترة المراهقة، وحكاية هارى بوتر ومشاعره بعد فقدان والديه ترجمت من مشاعرها عندما توفيت والدتها بعد صراع طويل مع المرض، وتلك الكائنات الشريرة التى تمتص أرواح ضحاياها والتى أسمتها "ديمنتور" جاءت نتيجة ما تعرضت له من مشكلات بعد انفصال زوجها عنها.

 

إن قصة جوانا تحمل فى طياتها مئات المعانى التى يجب أن نعيها، لنعلم ان كل هؤلاء الناجحين لم يصلوا لذروة النجاح بمحض الصدفة، ولم يصلوا أيضا من أول مرة، بل قرروا ان يعيشوا حياتهم كما أرادوا، وان يحولوها بما فيها من آلام وصعوبات إلى احلام ونجاحات متتالية. وعلى الانسان ان يتذكر دائما ان الناجين والعظماء والأكثر تفوقا لم يكونوا بالضرورة الاكثر ذكاء ولا الاكثر علما وقوة، بل كانوا دائما الأكثر همة، والأكثر تركيزا على أهدافهم. يا له من شعور مشرق، ويا لها من فكرة جميلة مليئة بالأمل، بأنه عندما ينقشع غبار اللحظات العاصفة، وبعدما يتلاشى ضجيج الأبواق والطبول الفارغة، ويتساقط الذين لم يخلفوا أثرا حقيقيا، وتنقضى الأزمنة تباعا. لن يسفر نور الصباح الا عن هؤلاء الذين تركوا بصمة حقيقية فى حياتهم وحياة الغير، وأما الزبد فيذهب جفاء.

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة