محمد على طه يكتب: العبر والعظات من السنوات العجاف

السبت، 27 أغسطس 2016 12:00 ص
محمد على طه يكتب: العبر والعظات من السنوات العجاف نهر النيل - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من يتدبر آيات الله لا يدخل الشك إلى قلبه بأن الله حافظ لمصر رغم كيد الحاقدين والكارهين والمتربصين، والقارئ للوضع الحالى بما فيه من صعوبات إلا أنه لابد أن يحمد الله فنحن لم نصل للسنوات العجاف التى حدثنا عنها القرآن والكتب السماوية فقد مرت مصر بسنوات قحط شديد فماذا يحدث لو كان سلوك المصريين وقتها مثل سلوك البعض الآن الذى يحرض ويفرح لخراب وطنه ولا يريد أن يعمل وينشر الدعاية الرمادية لتضليل الناس وبث روح اليأس فيهم وأن مصر فى طريقها للدمار والجوع ونراهم يتذمرون من خطط الرئيس والدولة فى المشروعات طويلة وقصير الأجل التى تحل مشكلات مصر فى المستقبل القريب بإذن الله.
 
دعونا نتأمل قصة المصريين فى السنوات العجاف فقد قدم سيدنا يوسف عليه السلام تفسيرا مبهرا ومنطقيا ومقنعا بان مصر ستتعرض لسبع سنوات من الرخاء ووفرة الرزق وتليها سبع سنوات من القحط والفقر والحاجة لتنتهى هذه محنه السبع العجاف بعام من الرخاء وسعة الرزق بل لم يكتفى بذالك بل قدم حلا مبهرا لكيفية التصرف وطرح بنودا مهمة يمكن الاستناد عليها فى بناء سياسة اقتصادية لإنقاذ البلاد تعتمد على خطه بعيدة يستغرق تنفيذها اربعة عشر سنه وبنيت الخطة كما ذكر القرآن على بنود منها :
 
أولا: الدراسة المتأنية للواقع الحالى للدولة والمصارحة بتخوفات وإخطار المستقبل وبناء خطة استراتيجية تعتمد على التكافل الاجتماعى لها توقيت محدد وأهداف واضحة بآلية عملية يمكن تطبيقها وتوافق شعبى مهم لضمان عدم التذمر لان الخطة ستستغرق اربعة عشر سنة حيث ان طول المدة تستلزم مصارحة الناس ومحاولة الاعتماد على الحشد الشعبى فى تنفيذ الخطة وليقبل ما يلزم من قوانين استثنائية قد تكون قاسية ويلتزم بها جميع الناس.
ثانيا: إذكاء قيمة العمل قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا وروح الجماعة _حيث خاطب الجميع ولم يوجه كلامه للملك_ لتجنب الخطر الذى لا ينجوا منه أحد والتركيز على اهمية زيادة الانتاج بزيادة ساعات العمل وإتقانه وتوسيع رقعة المشاركة فيه عددا وتنظيما وزيادة رقعة الارض المنزرعة فى وقت الرخاء واستخدام الطاقة القصوى للأيدى العاملة وتنظيمها لزراعة اكبر قدر من الأرض والوصول بالإنتاج الزراعى لطاقته القصوى بالاستغلال الأمثل للمياه وترشيد الاستهلاك وبناء خطة تقشف صارمة لتوفير ما يمكن من فائض الانتاج لاستغلاله فى وقت الفقر والمجاعة.
إن الخطة اعتمدت على تقسيم الفترة المستهدفه ورسم خارطة طريق لسبع سنوات الرخاء بتصور وسياسة زراعيه معينة وتتبعها سياسة أخرى فى السبع سنوات التالية التى يكون فيها الجفاف وتعتمد على فائض الانتاج والمخزون الاستراتيجى من السنوات السابقة.
ثانيا: رفع الحالة المعنوية للشعب ببعث روح الأمل فى تخطى المحنة وان المحنة سوف تنتهى بعام يعيد إلى مصر شبابها وخضرتها ورغد العيش ليزيل من عقولهم ما قد يتسرب اليها ان مصر قد تهلك بسبع القحط وتكون غير قادرة على التجاوز بل لمح ان السنوات العجاف لن تنتهى فقط بل سيزول تأثيرها ايضا فى سنه واحدة لدرجة ان الناس لن تسد حاجتها فقط بل ستعصر رفاهية أو تخزينا للفائض
وما أشبه كهنة عصر سيدنا يوسف بمتواجدين بيننا الآن فالكهنة لم يستمعوا لنصائح سيدنا يوسف وقاموا بتخزين القمح وشراؤه من بعض المصريين ذوى النفوس التى يملؤها الطمع بسعر أعلى لكن لم تمر سنتان الا وقد فسد قمحهم ولجأوا لسيدنا يوسف لشراء القمح حين أصابهم القحط فأعطى لهم القمح بسعر مضاعف لأنهم لم يقفوا بجانب مصر وقت الأزمة.
 والعبرة الأخرى والجميلة هى ان سيدنا يوسف لم يطلب حتى مقابلة الملك ولا طلب من الساقى طرح مظلمته على راس النظام ولا طلب منه التدخل لإعادة التحقيق ورفع الظلم عنه فهو لم يسع لتحقيق مكسب سياسى أو استفادة شخصية لنفسه بل قدم خبرته وتفسيره ورؤيته للمستقبل طواعية بلا اى انتهازيه ولا منفعة رغم سجنه ظلما وتشويه صورته وحبسه بتهمة مخلة لم يرتكبها فقد تربى على العطاء وعدم انتظار المقابل حتى لو كان فى حاجة اليه.
والعبرة الثالثة أن سيدنا يوسف لم يتعهد مثلا بدعوة إلى الخالق التى ستستجاب حتما وقد تتغير المعادلة ويتم خرق قوانين الطبيعة على ما عهدنا من خوارق الانبياء ومعجزاتهم حيث ان دعوة من نبى كيوسف كفيلة بحل المشكلة ومنع السنوات العجاف وجعل السنوات كلها خضراء وردية مثمرة ولكنه لم يفعل بل بنى خطته على العمل الدءوب الاقتصاد العلمى والأخذ بالأسباب رغم ان هذا الطريق هو الاصعب.
ولم يلمح أبدا فى كلامه على ان القحط القادم ناتج من غضب الله على كفر المصريين وعبادتهم لالهة من دون الله ولا انتشار المفاسد والظلم فى مصر بل خاطبهم بما يفهمون واحترم عقلهم وثقافتهم وتراثهم واستغل همتهم وفجر طاقاتهم للتغلب على تقلب الطبيعة
فما أحوجنا اليوم لحكمة سيدنا يوسف وصبر وعمل المصريين حين ذلك ليحفظ الله مصر دوما وتحيا مصر عزيزة أبية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة