فى ربيع العام الجارى، وبخطى هادئة واثقة، ظهر يوسف بطرس غالى، صاحب الـ 62 عاما، وآخر وزير مالية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن.
لم يكن تواجد بطرس غالى فى واشنطن هربا من الملاحقات القانونية بعد مطالبة السلطات المصرية الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) بسرعة ضبطه، تنفيذا لحكم سجنه 10 سنوات غيابيا بتهمة إهدار المال العام فى القضية المعروفة إعلاميا بـ "اللوحات المعدنية"، بل كان تواجد "غالى" المفاجئ فى واشنطن لحضور اجتماعات صندوق النقد الدولى، أكبر مؤسسة مالية عالمية، تتحكم فى السياسات المالية لجميع دول العالم.
وقتها، فى 15 أبريل من العام الحالى، انفرد الزميل أحمد يعقوب، رئيس قسم الاقتصاد باليوم السابع، بخبر مشاركة يوسف بطرس غالى فى اجتماعات صندوق النقد الدولى بواشنطن، كمساهم فى صياغة ووضع برنامج للإصلاح الاقتصادى لأكبر دولتين مصدرتين للنفط فى أفريقيا، وهما نيجيريا وأنجولا.
يوسف بطرس غالى، الذى يوصف لدى النخب السياسية والثورية المصرية بأنه من أجنحة حكم مبارك، وأنه أحد أسباب ثورة 25 يناير، بسبب سياساته المالية، تستعين به قوتان أفريقيتان صاعدتان "نيجيريا وأنجولا" لإصلاح البرامج الاقتصادية لهما، فى حين انتشرت أنباء، لم يتم نفيها، أن صندوق النقد الدولى طرح اسم "بطرس غالى" على الساحة الاقتصادية العالمية، بتكليفه بالمشاركة فى حل أزمة ديون اليونان، كما أشارت مصادر إعلامية أن صندوق النقد الدولى طرح أيضا اسمه على الحكومة المصرية للاستفادة من خبراته فى معالجة الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر.
يوسف بطرس غالى الحاصل على الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العليـا بالولايـات المتحدة الأمريكية، استعان به صندوق النقد الدولى فى أكتوبر عام 2008، فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، ليشغل منصب رئيس اللجنة النقدية والمالية فى الصندوق ليكون أول وزير مالية من دولة نامية يتولى هذا المنصب الرفيع فى صندوق النقد، ولكنه استقال من منصبه فور هروبه خارج مصر، بعد ثورة يناير.
ورغم أن يوسف بطرس غالى كثيرا ما يوصف بأنه أفسد الحياة الاقتصادية المصرية، وتسببت إدارته فى ضياع أموال التأمينات التى ناهزت الـ500 مليار جنيه، وأثقل الموازنة العامة للدولة عبء سدادها على مدار عشرات السنوات المقبلة، إلا أن الأرقام تشير إلى أن نسبة النمو فى عهد بطرس غالى تخطت نسبة النمو الـ 7%، فى حين أن الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، قال مؤخرا إن الحكومة تستهدف زيادة معدل النمو الاقتصادى خلال العام المالى المقبل 2016-2017 إلى 5.2%، وخلال العام المالى 2017-2018 إلى 6%.
الأرقام تشير أيضا إلى أنه فى عهد يوسف بطرس غالى، بلغت ديون مصر الخارجية أكثر من 32 مليار دولار، وديونها الداخلية 686.5 مليار جنيه، فى حين أعلن البنك المركزى المصرى فى شهر يونيو الماضى أن الدين الخارجى المستحق على مصر، بلغ 53.4 مليار دولار، فى نهاية شهر مارس 2016 مقارنة بـ48.1 مليار دولار فى نهاية يونيو 2015، بارتفاع قدره 5.4 مليار دولار.
تقرير للمرصد الاقتصادى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابع للبنك الدولى، فى ربيع 2016 توقع أن يتراجع النمو فى مصر إلى 3.3% خلال العام المالى 2016 ليرتفع مجددا فيما بعد، وأوضح التقرير إلى أنه خلال السنة المالية 2015، تضاعف معدل النمو الاقتصادى إلى 4.2% بعد أربع سنوات من النمو الضعيف، غير أنه لا تزال هناك تحديات زادت بسبب أزمة النقد الأجنبى فى الآونة الأخيرة.
وأوضح التقرير أن الربع الأول من السنة المالية 2016 شهد تراجعا فى النمو ليصل إلى 3% مقابل 5.6% قبل ذلك بعام، ويرجع السبب الرئيسى فى ذلك إلى نقص النقد الأجنبى الذى قيد الإنتاج.
وتنبأ التقرير بأن نمو إجمالى الناتج المحلى سيتراجع إلى 3.3 فى المائة فى السنة المالية 2016، قبل أن ينتعش فيما بعد، ومن المتوقع أيضا أن يهبط عجز المالية العامة إلى 11.3 فى المائة من إجمالى الناتج المحلى فى السنة المالية 2016، وأن يسجِّل مزيدا من التراجع فى الأمد المتوسط، مع استمرار إجراءات ضبط وتصحيح المالية العامة، ومن المتوقع أن يتدهور ميزان المعاملات الخارجية لمصر فى السنة المالية 2016 قبل أن ينتعش فيما بعد.
بالعودة إلى اسم يوسف بطرس غالى الذى يتولى برامج الإصلاح الكلى فى كل من اليونان وأنجولا ونيجيريا، يطرح السؤال نفسه: هل يقبل الشارع وصاحب القرار فى مصر بالاستعانة بخبرات الرجل للمساهمة فى إنقاذ اقتصاد مصر؟!