فى بدايات التسعينيات لم يكن "ضياء" طالب الهندسة آنذاك يتخيل أن مشروعه الصغير الذى جمع رأس ماله من شهور العمل فى الأجازة الصيفية سيكون نواة لأشهر أحياء مصر بأعمال الترجمة والأبحاث وخدمات طلاب الجامعة والدراسات العليا فى مصر.
فى الجهة المقابلة للشارع الذى يضم المبنى العريق لجامعة القاهرة الذى يضج بالحيوية والحركة طوال شهور السنة، بحث عن مكان يصلح لمشروعه الصغير، مكتبة متواضعة لمساعدة الطلاب فى أوراقهم البحثية وكتابتها على الكمبيوتر الذى كان وقتها اختراعًا حديثًا ومجهولاً بالنسبة للكثير من المصريين، وسط ازدهار كبير فى أعمال الآلة الكاتبة.
وجد "ضياء فكري" الطالب فى السنة الثانية بكلية الهندسة ضالته فى المنطقة المقابلة لجامعة القاهرة، منطقة "الدوار" التى تعد جزءًا من حى بين السرايات فى الدقى، ويحكى لـ"اليوم السابع": "هذه المكتبة كانت فى الأساس محل فرارجى، كان الإيجار لا يذكر منذ 20 عامًا، وقتها كلفنى المشروع 10 آلاف جنيه هى تكلفة شراء جهاز كمبيوتر، وكان وقتها مبلغًا ضخمًا".
يتذكر المهندس ضياء الذى حافظ حتى الآن على عمله بالهندسة المدنية مع مكتب الترجمة زبائنه الأوائل ويقول "فى البداية لم يكن الكمبيوتر معروفًا للمصريين، وكانوا يفضلون الآلة الكاتبة بالتالى كان غالبية زبائنى من الأجانب، من فرنسا وأمريكا والصين وكان نشاط المكتب فى البداية يهدف إلى مساعدة الطلاب فى الأبحاث والكتابة على الكمبيوتر".
المشروع الصغير الذى كان فى البداية عبارة عن مكتبة صغيرة حملت لافتة "مكتبة الضياء" غير ملامح المنطقة تدريجيًا، فيحكى "ضياء": "بعد شهور من عمل المكتبة مجموعة من العاملين لدى خرجوا وفتحوا مشروعهم الخاص فى مكان مجاور لى، وشيئًا فشيء امتلأ الحى بالمكتبات التى تمارس النشاط نفسه".
هذه المنافسة لم تقلق "ضياء" ويقول "الزرق بيد الله أولاً، وثانيًا هذه الشهرة التى اكتسبها الحى بأعمال الترجمة والأعمال البحثية جعلته أشهر حى فى مصر يأتونه الزبائن من جميع أنحاء مصر وحتى من دول الخليج لأن الأسعار هنا أرخص من الخليج".
فائدة أخرى يراها "ضياء" لهذا التغير فى ملامح الحى ويقول "حين فتحت المكتبة للمرة الأولى كان الحى عشوائيًا جدًا، وكان به الكثير من الشباب العاطلين الذين يتعاطون المخدرات ولكن الحركة الكثيرة به جعلته أفضل كثيرًا وارتقى".
بعد المكتبات الكثيرة التى انشئت فى المنطقة قرر المهندس ضياء أن يغير نشاط مكتبه ويقول "تخصصنا الآن فى الترجمة بعد أن كنا نساعد فى الأوراق البحثية وبعد انتشار مكاتب الكتابة على الكمبيوتر"، وعن نشاط الترجمة ومدى تأثره بالإنترنت الذى دخل كل منزل يقول "الترجمة علم لا يتأثر بأية متغيرات وهو علم مرتبط بنقل العلوم والمعارف لا يمكن أن يتأثر أبدًا بوجود الإنترنت".