خريف مصيرى لصانعى القرار فى القاهرة

السبت، 03 سبتمبر 2016 12:13 م
خريف مصيرى لصانعى القرار فى القاهرة
بقلم: ريتشارد بانكس مستشار التحرير لمؤتمرات يورومنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تناولت العديد من المجلات والصحف العالمية المتخصصة فى الاقتصاد، الأوضاع فى مصر بشكل مزعج خلال الفترة الأخيرة.
 
ووجهت بعض المقالات العديد من الانتقادات لصانعى القرار الاقتصادى فى البلاد، مع تطرقها أيضا للقرارات التى كان من الواجب اتخاذها، ولم تحظ هذه الانتقادات بأى تعاطف، وبالتالى لن أقوم بترديدها.
 
من ناحية أخرى أعتقد أن الآراء التى نشرتها تلك المقالات تضمنت العديد من الكلمات السلبية، مثلها مثل معظم وسائل الإعلام، حيث كانت تلك الآراء تعتمد على العاطفة أكثر من ميلها للنقد الموضوعى. 
 
وبالرغم من اللغة التى تميل وسائل الإعلام الحديثة لاستخدامها، إلا أن تحديات مصر لن تُحل بهذه السهولة- حتى مع تعليقات المتخصصين، لقد تحملت الطبقة العريضة من محدودى الدخل صعوبات ومشكلات اقتصادية خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولعل أهم ما يُقلق الحكومة المصرية الآن هو حجم المعاناة التى يمكن لتلك الطبقات تحملها خلال المستقبل، وبالطبع لن تتسبب الإصلاحات الاقتصادية الداعمة للنمو الاقتصادى فى المستقبل المزيد من الضغوط، حيث يتكبد المواطنون ضريبة مؤلمة، فى التضخم فى الارتفاع، وسيتم الاستغناء عن العديد من الوظائف فى القطاعات غير التنافسية، ولن توفر الحلول السحرية مثل السياحة والبترول وتحويلات العاملين فى الخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة أية حلول حقيقية خلال الإطار الزمنى المطلوب. 
 
وبناءً على ما سبق، فإنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولى كان من الأمور الضرورية -بالرغم من أنه غير كافى- للبدء فى تحريك عجلة الاقتصاد المصرى. 
 
إن هذه الاتفاقية ستعمل على زيادة حركة الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية القادمة للبلاد، وهى الاستثمارات التى ستساعد فى تمويل العديد من القطاعات، مثل الكهرباء والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث يعمل ذلك على تحفيز النمو الاقتصادى فى المستقبل. 
 
وبالرغم من ذلك فإنّ المواطن المصرى العادى لن يشعر بأثر هذه الاستثمارات بنفس الطريقة التى يشعر بها عند زيادة الدعم أو طرح المزيد من الوظائف الحكومية (فى الحقيقة لا يجب القيام بهذا أبداً فى الوقت الراهن!!)
 
إنّ التحديات الاقتصادية تنبع من عاملين رئيسيين هما: توقف تدفق رؤوس الأموال الأجنبية القادمة للبلاد (والمتمثلة فى السياحة والبترول والاستثمارات الأجنبية المباشرة.... الخ).
 
إن هذه التدفقات كانت تدعم الاقتصاد المصرى وبالتبعية تدعم موقف الجنيه المصرى، إلا أن صانعى القرار فى مصر لا يمكنهم التحكم فى هذه التدفقات الخارجية بشكل كبير، ومع ذلك فإن هناك العديد من الأمور التى يمكن للحكومة القيام بها فى مجالات الاكتشافات البترولية والغازية، والترويج للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين المستوى الأمنى من أجل دعم السياحة، ولكن تراجع أسعار البترول العالمية وضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة يؤثر على الجميع. 
 
أما التحدى الثانى الذى يواجه الاقتصاد المصرى هو مقاومة صانعى القرار الحالى -اقتضاءً بصانعى القرار السابقين، لاتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة والضرورية لوضع الاقتصاد المصرى فى مساره الصحيح، لقد بدأت المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى الآن منذ 30 عاماً مضت.
 
لقد شهدت تلك الفترة القيام ببعض التغييرات الاقتصادية الإيجابية- خاصة خلال رئاسة أحمد نظيف للحكومة المصرية- ولكن لم تكن هذه التغييرات كافية. 
 
ومرة أخرى تجد مصر نفسها أمام اختيارات صعبة: هل نقوم بتعويم الجنيه المصرى؟ هل نقوم بالخصخصة؟ هل تبيع الأراضى والأصول الوطنية؟ كيف نقوم بتمويل التعليم والصحة لمحدودى الدخل؟ كيف نقوم بتمويل البنية التحتية لزيادة تنافسية منتجاتنا بهدف تشجيع التصدير؟ 
 
ولكن مرة أخرى يكون الاختيار هو الميل نحو الارتباك، إن الأهمية الاستراتيجية لمصر هائلة لدرجة تُغرى القوى الدولية لجعلها دولة فاشلة، ولكن إحباط حدوث الفشل لا يعنى بالفعل أننا حققنا النجاح، مصر قادرة على تحقيق النجاح، ولكن ما يجب عليها فعله هو مواجهة التأثيرات الاقتصادية المصاحبة للتغييرات التى يجب عليها القيام بها بكل شفافية، هناك العديد الذين سيتمكنون من العثور على فرصة عمل جديدة ولكن هناك العديد أيضا الذين لن يتمكنوا من ذلك، فى الوقت نفسه يجب على مصر أن تضع خطة لمساعدة المتضررين جراء الإصلاح الاقتصادى فى إطار برنامج فعلى، لقد ركز صانعو القرار لوقت طويل جدا على زيادة الناتج الاقتصادى أو تحقيق الاستقرار الاجتماعى، ولكن عليهم الآن التركيز على الاثنين معاً- باعتبارهما من المكونات الهامة للمجتمع فى المستقبل. 
 
مع توقيع الحكومة المصرية على قرض صندوق النقد الدولى هذا الخريف وما يقتضيه ذلك من اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة، فسيكون هذا هو أنسب وقت للقيام بتلك التغييرات، لا تفوتوا تلك الفرصة، فقد لا يكون هناك مجالا لفرصة أخرى فى المستقبل. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة