أسوأ ما فى الحياة أن يكتشف الإنسان أنه كان يهب عمره وإخلاصه لأشخاص ناكرين للجميل، ولم ينظروا إليه بنظرة احترام وتقدير، وإنما كان هدفهم هو استغلاله والاستحواذ على ما قد تطول أيديهم منه، وبمجرد انتهاء مصلحتهم وشعورهم بأنه لم يعد له قيمة فى أعينهم، يستغنوا عنه وقد ينالوا منه على الملأ، وكأنه جماد صُنع لتحقيق مآربهم ويتناسوا أى عشرة أو صداقة أو أى علاقة إنسانية كانت تجمعهم به، وصدق من قال: "آخر خدمة الغُزّ علقة"، ولفظ " الغُزّ" هو لفظ عامى مصرى اشتقه المصريون من لفظ "الغزاة" وهم فى هذا المثل يُقصد بهم "المماليك" الذين كانوا يعيثون فى مصر فسادًا، وكانوا إذا دخلوا قرية نهبوها وأخرجوا أهلها للعمل لديهم وفى خدمتهم بالسخرة دون مقابل، وحتى إذا ما قرروا الرحيل من القرية يقوم المماليك بضربهم بالسياط بلا رحمة أو إنسانية ؛ ولذا أطلق المصريون هذا المثل كتعبير على أنهم بعد خدمتهم لهؤلاء قاموا بضربهم.
وللأسف، ليسوا المماليك فقط هم من فعلوا ذلك وإنما يُوجد الكثير من الأشخاص الذين يأتون بهذه التصرفات فى وقتنا الحالى، فللأسف أصبحت جملة المصلحة مناط الدعوى لا تُطلق فقط على المعنى القانونى، وإنما أصبحت تُطلق على كل مفاهيم الحياة، فالصداقة والحب والأخوة ضاعوا بين هذه المفاهيم وباتوا مبناهم المصلحة وأساسهم النفعية، والغريب أن من ينتهج هذا السلوك لا يجد أى حرج فى عدم اكتفائه بإنكار الجميل، وإنما أيضًا يسعى للنيل من ضحيته بكل السبل بغية تبرير موقفه أمام الجموع، وحتى لا تلوكه الألسنة ويُشهر به كشخص ناكر للجميل، فهنا لا يتوانى عن إيذاء ضحيته لنجدة نفسه، ولكن المحير فى الأمر أن سبب إطلاق المثل السالف هو تصرفات المماليك الذين لم نكن على صلة قرابة أو دم ولكن ما بالنا ونحن الآن نأتى بهذه التصرفات مع بعضنا البعض رغم كل صلات الدم والقرابة التى باتت تجمعنا. أظن أن هذا المثل فى حاجة إلى التغيير ؛ لأنه لم يعد هناك غزاة، وإنما الضرب أصبح يأتى من أقرب المقربين.
عدد الردود 0
بواسطة:
مغتربة
مقال رائع وفي انتظار المزيد
تحياتنا لكاتبة المقال على أسلوبها الراقي البسيط في نفس الوقت وعلى اختيارها لموضوع هام يمس كل جوانب حياتنا .