حــســـن زايــــد يكتب.. يا محافظ الشرقية: تلبانة قرية مصرية قتلها الإهمال

الثلاثاء، 10 يناير 2017 06:00 م
حــســـن زايــــد يكتب.. يا محافظ الشرقية: تلبانة قرية مصرية قتلها الإهمال اللواء خالد سعيد محافظ الشرقية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قـرية تلبانة، إحدى القرى التابعة للريف المصرى، كانت فى السابق تابعة لإقطاعية البرنس عمرو إبراهيم . وقد تفنن فى اختيار موقعها، وتفتقت عبقريته، فاختار لها موقعاً وسطاً، بين أبعديته الزراعية .

قرية مربعة الشكل، تتوسط الزراعات الممتدة من حولها . لها طرق ترابية بعيدة عن الطرق الرئيسية، التى تربطها بالعالم الخارجى، حتى يظل أهلها حبيسى ذلك المربع، لا يخرجون منه إلا بجهد جهيد . قرية مغلقة لا يصلها غرباء، ولا تصل إلى غرباء، إلا سيراً على الأقدام، أو من ميسورى الحال الذين يتوفر لهم ركوب الحمير. وكانت مؤسسات التعليم فيها هى الكتاب، ومدرسة ابتدائية فى بيت من الطوب النيئ . وقد استمر هذا الوضع حتى ستينيات القرن الماضى .

فظهر فيها عمدة حاصل على ليسانس فى الحقوق، يتمتع فى أهل القرية، بذات الكاريزما، التى كان يتمتع بها جمال عبد الناصر فى مصر . فأدخل إلى البلدة أتوبيس شرق الدلتا، رابطاً بينها وبين مدينة الزقازيق ـ عاصمة محافظة الشرقية ـ مما استدعى فى فترة متأخرة بعد وفاته، رصف هذا الطريق . كما أنه أدخل الكهرباء إلى القرية بمولدات الديزل . واشترى تليفزيوناً للقرية، يتم فتحه وتشغيله فى المناسبات الهامة، والحفلات، ومباريات كرة القدم، حيث كان يتم وضعه فى الساحة الواسعة أمام دوار العمدة . وقد تهدمت المدرسة، وانتقل التلاميذ إلى قرية تبعد 2كم عن قريتهم، وهى قرية بنى هلال ـ التى كان من بين أبنائها اللواء منير شاش رحمه الله ـ للتعليم . وقد كانوا يقطعون هذه المسافة مشياً على الأقدام، فإذا حصلوا على الشهادة الإبتدائية، انتقلوا للتعليم الإعدادى فى قرية شلشلمون، وهى تبعد بمسافة 5ك مترات، كانوا يقطعونها إما مشياً على الأقدام، أو ركوباً للحمير . فإذا حصلوا على الإعدادية انتقلوا إلى المدينة لتلقى التعليم الثانوى، سواء بمدينة الزقازيق، أو بمدينة منيا القمح . وقد كانت القرية ضمن الدائرة الانتخابية للمرحومين، سيد مرعى، وماهر أباظة، مما ساعد على إدخال التيار الكهربائى إليها فى بداية سبعينيات القرن الماضى . وإعادة بناء المدرسة الإبتدائية بها بعد بضع سنوات . والترخيص ببناء مركزاً للشباب بالطوب النيئ، بعد توفير قطعة الأرض . وهكذا بدأت القرية بعد الثورة تدخل حالة الكون والوجود . وبنى بها معهد دينى أزهرى، ووحدة صحية . ثم سرعان ما انتشر بها التعليم انتشاراً واسعا، وأصبح لديها خريجين من كل الشهادات، سواء الفنية أو التجارية، أو المعاهد الفنية والتجارية، أو الجامعات المصرية .

وبدأت دائرة البلد تتسع مع حالة تزايد الكثافة السكانية، وخروج أبناءها من إطار العمل الزراعى، إلى دائرة العمل الأوسع خارج نطاق القرية . وبدء تحسن المستوى المعيشى لأهاليها، مع وجود بعض الأنشطة التجارية المحلية . بخلاف اتساع دائرة موظفى الحكومة، والقطاع العام، والقطاع الخاص، وإن كان خارج نطاق القرية . ودخلت شبكة التليفونات الأرضية، وكذا شبكات المحمول، وأطباق الستالايت، وشبكة مياه الشرب . ومع التوسع السكانى عدداً وكيفاً، والتوسع العمرانى ـ أفقياً ورأسياً ـ بدأت تظهر مخاطر عدم وجود شبكة صرف صحى تخدم هذا القطاع العريض من البشر، ومع بدء تآكل مواسير شبكة المياه، سواء للتقادم، أو لعدم عزلها، بدأت تتسرب مخلفات الصرف الصحى الراكدة فى أعماق التربة إلى داخل هذه المواسير، فضلاً عن الصرف الزراعى، لأن القرية منخفضة التربة . فضلاً عن استقبالها صرف القرى الأخرى الأعلى منسوباً منها . الأمر الذى أدى كنتيجة طبيعية، إلى انتشار العديد من الأمراض، المتعلقة بالتلوث الخاص بالصرف الصحى، كأمراض الكبد، والكلى، والأمراض السرطانية، والنزلات المعنوية .

وإزاء عدم اكتراث الدولة بالقرى فى حينه، تحرك أهالى القرية، وقاموا بجمع المبالغ اللازمة لشراء قطعة أرض، وشراء التجهيزات والمستلزمات الأخرى، اللازمة لإنشاء محطة صرف صحى، تلتقطهم من مستنقع الإهمال، ودائرة القتل بغير رصاص . وأصبح المكان جاهزاً منذ خمسة عشر عاماً . وقد طالب أهالى القرية السادة المسئولين، بتشغيل محطة الصرف التى تم انشاءها منذ 15 عاماً . إلا أن طلبهم لم يجد عند السادة المسئولين صدى، وأذن من طين، وأخرى من عجين . واقتصر الرد على عدم إمكانية التشغيل .. لماذا ؟ . لعدم وجود محطات رفع كافية لتشغيلها، إذ تم بناء محطتين فقط للرفع بقرية بنى هلال، وقرية شبرا السلام . ولكى يتم تشغيل محطة الصرف لهذه القرية، فلابد من بناء أربع محطات رفع على الأقل . والسر فى تأخر بناء هذه المحطات الأربع هو انتظار السادة المسئولين للمنحة الألمانية المخصصة لبناءها .

وهنا يأتى التساؤل : هل هذا معقول ؟ . هل يمكن تصور هذا المشهد العبثى فى بلاد الواق الواق، وبلاد تركب الأفيال ؟ ! . يا سادة .. نحن فى القرن الحادى والعشرين، ونحن أصحاب اختراع الفيمتو / ثانية . هل يتحرك محافظ الشرقية لمحاسبة المسئولين عن هذه الجريمة، وهذا الفساد ؟ .










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة