صدر حديثاً عن دار سؤال للنشر، فى بيروت رواية بعنوان "وطأة اليقين.. محنة السؤال وشهوة الخيال" للكاتب والشاعر السورى هوشنك أوسى، وهى الرواية الأولى له، وتقع فى 380 صفحة من القطع المتوسط، وفى هذه الرواية يرصد "أوسى" محاولة اغتيال الرئيس المصرى جمال عبد الناصر، فى حادثة المنشية.
وقال هوشنك أوسى، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إن جزءًا من أحداث الرواية يدور فى مصر عبر استحضار الذاكرة، من خلال شخص مصرى مقيم فى جنيف، يتعرف على فتاة بلجيكية، ولديه خلفية إسلامية، وهو من الضالعين فى حادثة المنشية ومحاولة اغتيال الرئيس المصرى جمال عبد الناصر.
وأوضح "أوسى": منطقى فى الرواية هو الطعن فى الرواية الرسمية للأحداث عبر اختلاق أحداث موازية تربك أو تشكك فى الرواية الرسمية، كما أن هذه الرواية تستفيد من بعض الأحداث التاريخية ولكنها ليست رواية تاريخية.
وأشار "أوسى" إلى أنه أهدى روايته الأولى إلى مدينة "أوستند" البلجيكية، التى يقيم فيها، وإلى "كل من ظلم روايته هذه"، وتدور أحداث الرواية عن الثورة السورية منذ انطلاقتها وحتى عام 2013، بطريقة مختلفة وغير مباشرة وغير غارقة فى الأحداث والتفاصيل اليومية.
كما يوضح "أوسى" أنه لا يوجد فى الرواية بطل مركزى. كل شخصية من شخصيات الرواية، يمكن اعتبارها بطل مركزى. تجرى أحداثها فى رقعة جغرافية واسعة ومتنوعة: بلجيكا، المغرب، سويسرا، أمريكا، تونس، مصر، إسرائيل، سورية، لبنان، تركيا، العراق، وتنتهى فى بلجيكا.
وفى "وطأة اليقين" يطرح "أوسى" الكثير من الأسئلة حول الحياة والموت، الحب والكراهية، أسئلة الثورات والأحلام والخيبات والانكسارات. عبر تناول تجارب وسير بشر خارج وداخل الواقع السورى، والتشابكات والتعقيدات المتداخلة فيه، وبذلك بهدف تناول التورط الدولى والإقليمى فى هذه المأساة، إلى جانب تسليط الضوء على وجود تفاعل إنسانى أجنبى مع الثورة والمأساة السورية.
وفى هذا العمل، تم توظيف تقنيات، فن الرسائل، القص، الشعر، المسرح، التحليل السياسى، الحوارات الفكرية والعادية، المونولج...، وإيقاع الزمن أو الخط البيانى للزمن متعرّج وملتبس عمدًا، والأولوية فى العمل هى للأمكنة، حتى تكاد أن تكون من أبطال العمل.
فى هذا النصّ السردى الروائى، ثمة اشتباك مع السرديات التاريخية، عبر إضافة أحداث متخيلة، الهدف منه؛ الطعن فى الرواية الرسمية للأحداث. تتناول الرواية حكاية معارض سورى "علوى" يسارى، من عائلة متدينة، قضى 15 سنة معتقلاً. بعد خروجه من السجن، اتجه نحو الكتابة. أصيب بحالة يأس وإحباط شديد، نتيجة فشل عملية الاصلاح من الداخل، وتسمم المجتمع السورى بالفساد واستمراء الاستبداد.
أعادت له الثورة التونسية نبض الحياة والأمل. تفاعل مع هذه الثورات بوصفها ولادة جديدة له وللشعوب والأوطان. وازداد منسوب الأمل لديه، حين اندلعت الثورة السورية. تم اعتقاله فى "جمعة آزادى" 20 مايو 2011، لأن المظاهرات السلمية كانت تنطلق يوم الجمعة، وكل جمعة كان له اسم خاص به. وقضى المعارض تحت التعذيب، وقتله ضابط أمن، كان أحد أبناء قريته وزملائه فى الدراسة الابتدائية. تم استئصال أعضائه، وأرسلت عبر شبكات الاتجار بالأعضاء إلى أوروبا. وصلت هذه الأعضاء إلى بلجيكا، وتم زرعها فى أجساد ثلاث أشخاص يعيشون فى هذا البلد: كونغولي، وفتاة ألمانية تعمل فى بنك، وشاب إيطالى يدرس فى جامعة بروكسل الحرة. هذه الأعضاء، تُحدث تغيرات فى كيمياء الأشخاص الثلاث، لجهة الاهتمامات والأمزجة والمواهب. بحيث يميلون نحو الثقافة والأدب والفن، ومناصرة الثورة السورية ومتابعتها بشكل لصيق. تتراءى لهم أحلام وكأنهم عاشوا فى سورية.
تتشكل مجموعة من الموالين للثورة، من ضمنهم هؤلاء الثلاثة. يطرح أحدهم فرضية أن تكون التغييرات التى طرأت على شخصياتهم وميولهم وأمزجتهم ناتجة عن هذه الأعضاء؟. طالما أنهم الثلاثة أجروا عمليات الزرع فى نفس المستشفى. وتبدأ رحلة البحث عن الـ"دى إن إيه" الخاصة بكل عضو، ويكتشفون التطابق. ثم تتفق المجموعة على ضرورة معرفة الشخص الذى تعيش أجزاء من روحه فى أجساد هؤلاء الثلاثة، طالما أن العضو حين يتم استئصاله، يكون حى، يعنى أنه ما زال فيه جزء من روح صاحبها. وهذا الجزء من الروح، انتقلت إلى جسد الشخص المستقبل، وفعلت فعلها فيه.
بعد رحلة عناء، يتم التعرف عليه، وأن له أخ، ضابط منشق، يعيش فى مخيمات اللجوء فى تركيا، وأن صديقه ورفيق دربه فى السجن والسياسة، كاتب سورى أرمنى يعيش فى السويد. يتم التواصل مع الضابط المنشق وفحص الـ"دى إن إيه" الخاص به ومقارنة النتيجة مع نتائج "دى إن إيه" الأعضاء المزروعة فى أجساد الثلاثة، فيتم التأكد نهائياً من أن الاعضاء هى لشخص واحد.
يتم التعرف على جانب من سيرة هذا الشخص من شقيقه الضابط، ومن صديقه الأرمنى. ذلك أن هذا المعارض، صاحب الأعضاء، كان قد ترك أربع رسائل مطبوعة لدى صديقه الأرمنى، وبعد الأوراق المشتركة، غير المكتملة، كانت مشروع عمل روائى مشترك بينهما. هذه الرسائل، موزعة بالترتيب، كمحطات، ضمن سياق سرد الحكاية، من دون أن تفصح عن اسم صاحبها.
بعد أن ينتهى مارثون التعرف على هوية وحياة صاحب الأعضاء، تتفق المجموعة على تجميع كل هذه الأوراق، وسرد عملية البحث عنه وعن هويته، ونشر كل ذلك فى كتاب. وأثناء اصطحاب الأشخاص الثلاثة للصديق الأرمنى إلى مطار بروكسل، يفقد الأربع حياتهم نتيجة حادث سير، حيث تصطدم شاحنة كبيرة بسيارتهم. وتنتهى الرواية بنهاية مفتوحة وبقاء سؤال من سيكمل مشروع الكتاب؟ وسيروى هذه الحكاية؟ من دون الإشارة إلى أن حادثة السير كانت عمداً وعن سابق إصرار أم لا؟!.
تجدر الإشارة إلى أن هوشنك أوسى كاتب وشاعر كردى سورى، من مواليد 1976، يكتب باللغتين العربية والكردية، ويقيم فى بلجيكا. صدر له حتى الآن ستة دواوين شعرية باللغة العربية والكردية.
ومن أجواء رواية "وطأة اليقين .. محنة السؤال وشهوة الخيال" نقرأ:
العابرون بهذه الأسطر، عابرون بأنفسهم، والماكثون فيها، ربما ينتظرون عابرًا معينًا، ينتشلهم مما يجهلونه ويجهلهم!. منهم من يعتبر الخشية من الحقيقة، حقيقة. والمروق منها باطلاً. والباطل بتجلياته، هو أيضًا حقيقة. ومنهم من يخشى أن تكون الروح رسالة الجسد، والجسد آبدًا، والروح فانية. وثمة من يخشى أن تكون الروح والجسد، رسالتين متضاربتين، خطها، ويخطها المجهول لمجهول آخر.
ثمة هاجس يحاصر جميع الماكثين والعابرين فى آن، قائلاً: فائض الخراب والدمار الذى تعيشونه، وترونه وتعلونه، تمعنوا فيه جيدًا، لكونه سيصبح مداميك عمارة الذاكرة التى ستتوارثونها، جيلاً إثر آخر، وستتصارعون على هذا الإرث، حتى يقضى الليل فجرًا كان منتظرًا. حياتكم ليست لكم. وموتكم ليس لكم. فانتظروا.. انتظروا أكثر! هى الحياة، آلام المجهول فى تدينه سير المعاليم. والموت منطوق المعلوم بلسان المجهول، سفرًا يوثق تناوب المجاهيل والمعاليم فى تعاقب الأمكنة والأزمنة. لذا، أرووا الحياة ولا تواروها. ارووها، لا كما عشتموها، بل كما عاشتكم الحياة. وارووا الموت، لا كما متموه، بل كما عاشكم. ولكن، هل حدث كل هذا، كما روى. أم أن الأمر محض التباس، لا أكثر.