أبو المكارم: الأغانى الوطنية والروح الجماعية أدهشت الخبراء الروس
رئيس المحطات المائية السابق: لدينا فائض كهرباء 6 آلاف ميجاوات
مضاعفة الإنتاج لـ100% حال زيادة حصة المياه.. و40 سنة لا يحتاج السد لصيانة
"أنا جنب السد العالى حبيبى، هو ابنى اللى بنيته، هعيش وأموت جنبه"، بكلمات بسيطة بساطة انسياب ماء النيل، ومؤثرة تأثير السد العالى فى وجه اندفاع الفيضان، بدأ العم لطفى أحمد يعقوب، البالغ من العمر 83 سنة، حكايته مع ملحمة السد العالى، التى شارك فيها ضمن جيش البنائين والعمال الذين صنعوا الملحمة بالجهد والصبر والعرق، يصمت العم لطفى لحظة، ثمّ يواصل الحديث عن حكاية عمره، منذ جاء من القاهرة للمشاركة فى المشروع، وقضى سنوات العمل بين أحضان النيل، أحبّ النهر وأحبّه، واختلط بماء وتراب أسوان حتى أصبح مصيرهما واحدًا، فقرر البقاء فيها وعدم العودة للعاصمة، منتصرا لقصة إنجاز كبير، صنع مساحة مميزة لحضوره على خريطة مصر، ليس كسد وتنمية وإعمار فقط، ولكن كحكاية حب حقيقة بين الطين والناس، حكاية بدأت سنة 1960، وكُلّلت بفرحة تحويل مجرى النيل سنة 1964، ثمّ بافتتاحه سنة 1970، وما زالت ممتدة حتى الآن.
"اليوم السابع" التقى بُناة السد العالى بمحافظة أسوان، فى الذكرى 57 لوضع حجر الأساس للمشروع سنة 1960، الذى تم افتتاحه فى 14 مايو عام 1964، لنعيش جزءًا من التاريخ المصرى الذى جسد ملحمة قومية شارك فيها آلاف المصريين، وضحى فيها آخرون بأرواحهم فى سبيل بناء مشروع قومى يخدم مصر على مر العصور.
عم لطفى: عشنا ظروف صعبة لكن كله كان بيمر بسبب عشقى للسد
يستكمل العم لطفى أحمد يعقوب حديثه عن حكايته مع النيل والسد، قائلاً: "عمرى 83 سنة، وعايش فى منطقة مستعمرة السد العالى شرق أسوان، وفى مطلع الستينات كنت عايش فى القاهرة، رحت مدرسة الحرفيين فى حلمية الزيتون، علشان أعمل اختبارات المشاركة فى السد العالى، وسافرت بعدها لأسوان علشان أشارك فى المشروع العملاق اللى بيخدم مصر وكل الأجيال، وقتها كانت عندى رغبة أشارك فى عمل عظيم، ساعدنى على إنى أكون واحد من الرجالة اللى شاركوا فيه، خبرتى وعملى فى مجال المعمار، وحبى للعمار والأماكن الجديدة".
وتابع "العم لطفى" حديثه لـ"اليوم السابع": "لما جيت أسوان مع زوجتى وولادى سنة 1963، ما كانتش المحافظة زى ما هيّا دلوقتى، كانت الطبيعة الجبلية غالبة عليها، عشنا ظروف صعبة وسط العقارب والتعابين والحشرات السامة، لكن كل ده كان بيمر بسبب حبى للعمل وعشقى للمشروع"، مضيفًا أن العمل فى مشروع السد العالى وقتها لم يكن أمرًا هيّنًا، كان هناك عمال كثيرون ويضحون بأرواحهم، وآخرون يتساقطون فى حوادث مفاجئة أثناء العمل، وكان يخرج بنفسه يوميًّا لإخراج زملائه من منازلهم، وتشجيعهم على العودة للعمل مرة أخرى، وطرد الخوف من الموت من قلوبهم، ما ساعد على استكمال العمل مرة أخرى تحت شعار "هنعيش سوا ونموت سوا"، وبسبب هذا الدور حصل على شكر وتقدير رؤسائه فى العمل.
أحد بناة السد: لسه ذكريات الشغل فى عينى كأنها كانت إمبارح
يلتقط محمد على عبد الحليم، أحد بناة السد العالى، طرف الحديث ليستكمل صنع الملحمة عبر تفاصيل قصته الخاصة، قائلاً: "عمرى دلوقتى 70 سنة، ولسه ملامح العمل فى السد حاضرة فى ذهنى وصورتها فى عينى كأنها كانت إمبارح، حبّنا للعمل فى السد استمديناه من الروح اللى زرعها فينا الريّس جمال عبد الناصر، وبفضل الحب والإصرار كنا بنشتغل 24 ساعة متواصلة، أقسام ووحدات وعمال كتير، من كل حتة فى الجمهورية، ومنتدبين من شركة قناة السويس وخبراء روس".
ويضيف محمد على عبد الحليم، مستغرقًا فى الحكاية ومستعيدًا تفاصيلها: "اتعينت فى 10 مايو 1960، وحضرنا المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من بناء السد، كان العمل من نار، مش بيقف، وكنا أكتر من 22 ألف عامل من هيئة السد وشركة المقاولين العرب والخبراء الروس، وكنت بشتغل فى مجال تركيب محولات الكهربا فى منطقة صحارى سنة 1962، بعدها اتنقلنا لقسم الكهربا فى إدارة المرافق، وكان عندى شعور بإننا بنعمل عمل عظيم هيخدم مصر طول العمر، وهتستفيد منه الأجيال طول التاريخ".
أبطال ملحمة بناء السد العالى يتذكرون حكاياتهم مع نيل أسوان
يواصل أبطال ملحمة السد العالى وبنائيه سرد حكاياتهم مع السد وذكرياتهم فى مواقع العمل ومع أسوان وهوائها ونيلها، ويقول أبو المكارم زكى عبد الجليل رضوان، البالغ من العمر 76 سنة، إن الأغانى الوطنية لعبت دورًا كبيرًا ومهمًّا فى رفع الروح المعنوية للعاملين وحثهم على بذل مزيد من الجهد والعرق للخروج بالمشروع من الحلم إلى الحقيقة، وهو الأمر الذى أدهش الخبراء الروس من همم المصريين وأرواحهم العالية، التى يبذلونها خلال العمل، كما أعطى روح الصيام فى شهر رمضان درسًا آخر للروس، بعدما شاهدوا روح العمل والنظام والجماعية فى أثناء لحظة الإفطار وخلال الصيام.
ينتقل الكلام إلى على تركى محمد حسنين، البالغ من العمر 77 سنة، الذى يقول: "مصر بتواجه تحديات خطيرة فى المرحلة الحالية، والرئيس عبد الفتاح السيسى بيكافحها بنجاح، وماشى بخطاوى ثابتة ناحية التقدم والتنمية والنهضة بمصر والوصول بيها لبر الأمان، زى ما عمل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ومشروع قناة السويس الجديدة يعتبر أمل جديد للمصريين زى ما كان السد العالى بالنسبة لنا، وممكن نستفيد منها زى السد، وأتمنى المرحلة الجاية يبقى فيها مشاريع قومية كبيرة، تساعد فى التنمية وتشغيل الشباب والنهضة بمصر".
إبراهيم محمد حامد، 75 سنة، واحد من أبطال ملحمة السد، تأخذه جولة التذكار وما يقوله أصدقاء الرحلة والعمل إلى تذكر حكايته الخاصة، فيقول: "أنا فاكر كويس تاريخ 15 مايو 1964، يوم تحويل مجرى النيل، اللى استقبله شعب مصر والأمة العربية بفرحة هتفضل خالدة على مر التاريخ، المناسبة دى حضرها الرئيس جمال عبد الناصر، ورئيس وزراء الاتحاد السوفيتى نيكيتا خروشوف"، لافتًا إلى أن السد العالى بمثابة تحدٍ مصرى خالص، عقب القرار التاريخى الذى اتخذه "عبد الناصر" وقتها ببنائه بإرادة الشعب وتضحياته، بعد قرار البنك الدولى بـ"توصيات أمريكية" برفض تمويل السد العالى، مذكّرًا بأن الدولة نظمت احتفالاً بهذه المناسبة، كما كانت تقيم للعمال حفلات أضواء المدينة، بحضور نخبة من الفنانين الكبار، منهم فايزة وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وأن فكرة تفجير الساتر الترابى لتحويل مجرى النيل، أوحت للمقدم باقى يوسف حنا، بفكرة تدمير خط بارليف باستخدام مدافع المياه خلال حرب أكتوبر 1973.
الرئيس السابق لشركة المحطات المائية: عمر معدات السد يتجاوز 40 سنة مقبلة
من الحكايات الإنسانية والذكريات الشخصية، إلى الحكايات الفنية والهندسية، إذ يؤكد المهندس محمد فرج الله، الرئيس السابق لشركة المحطات المائية بالسد، أنه لا قلق على السد العالى، سواء من الناحية التأمينية أو من الناحية الإنتاجية للكهرباء وتخزين المياه، مشيرًا إلى أنه يُدار حاليًا وفق أحدث النظم العالمية، وتضاهى محطات الكهرباء به أحدث المحطات فى العالم، لافتًا إلى أنه بدأ باستخدام التكنولوجيا الروسية خلال ستينيات القرن الماضى، وكل المعدات به حديثة، وعمرها الافتراض يصل لأكثر من 40 سنة مقبلة، لا يحتاج السد ومنشآته خلالها لأى تطوير.
وأضاف "فرج الله" فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن السد العالى يمكنه مضاعفة الإنتاج الحالى بنسبة 100% حال زيادة المياه فى نهر النيل، فهو مرتبط بحصة المياه المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، مشيرًا إلى أن الدولة تحتاج التفاوض مع دول حوض النيل لزيادة حصتها من المياه وليس تقليلها، وأن فائض الكهرباء وصل أول من أمس الثلاثاء، إلى 6 آلاف ميجاوات، إذ يزداد الفائض خلال فصل الشتاء، ويمكن من خلاله تلبية احتياجات المشروعات والمصانع والتوسعات العمرانية الجديدة، ومع الاستفادة من الطاقة الشمسية بشكل أكثر فائدة، يمكننا تصدير الكهرباء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة