سقط الرئيس اللبنانى، العميد ميشال عون، فى فخ "القانون الإنتخابى" الذى أصبح حديث جميع الدوائر السياسية اللبنانية فى اللحظة الراهنة، بعد أن ألقت الأطياف جميعها بالكرة فى ملعب الرئيس، فى ظل تعقد المشاورات للوصول إلى قانون تتفق عليه كل الأطراف، وتغليب المصالح الحزبية بالبحث عن صيغة قانونية تضمن لكل حزب تمثيلا مرتفعًا فى مجلس النواب المقبل.
واحتدم الجدل بين صيغة قانون "الستين" المعمول به حاليًا، والذى أجريت على أساسه آخر انتخابات نيابية فى 2009، التى يدعمها سعد الحريرى، رئيس الحكومة الجديدة، ومن خلفه تيار المستقبل، وبين القانون النسبى الذى يؤيده "حزب الله" الشيعى وحلفائه.
ميشال عون
بيروت تقف أمام مفترق طرق.. ولا خيار إلا التأجيل أو الاحتفاظ بقانون "الستين"
أمام الفشل فى التوافق، أصبحت "بيروت" أمام مفترق طرق، وبات عليها الاختيار بين أمرين كلاهما مر، فإما أن يتم تأجيل الانتخابات لحين التوافق على صيغة توافقية مقنعة للقانون الجديد، بما يضمن عدالة التمثيل لكل الأطياف، على أن يتم التجديد للمجلس الحالى، مع ما ينطوى عليه هذا الأمر من سلبيات وتداعيات على المجلس نفسه وعلى العملية الديموقراطية فى لبنان، وإما أن يتم إجراء الانتخابات وفقًا لقانون الستين دون تجديد.
لبنان
تعود تسمية قانون الستين إلى صدوره فى العام 1960، وتنقسم العاصمة بيروت بموجب القانون إلى 3 دوائر، فيما يتم تقسيم شمال لبنان إلى 7 دوائر أخرى، ويعد تأجيل الانتخابات فكرة بعيدة عن التنفيذ وفق تفاصيل الراهن السياسى فى بيروت، فمن جانب هناك ضغط دولى على بيروت لإنهاء بناء مؤسساتها فى العهد الجديد، إذ دعا الاتحاد الأوروبى، لبنان، قبل يومين لإجراء الانتخابات التشريعية فى موعدها هذا العام، وضمان عملية سلسلة وشفافة، تمسّكا بالتقليد الديمقراطى العريق لها، معربًا عن استعداده لتقديم الدعم لهذه العملية.
رئيس مجلس النواب الحالى، الرئيس نبيه برى
القوى السياسية ترفض التجديد للمجلس الحالى.. ورئيسه: اللجوء لقانون الستين أفضل
من جانب آخر، هناك عزوف سياسى عن فكرة التمديد للمجلس الحالى، إذ اعتبر رئيس مجلس النواب الحالى، الرئيس نبيه برى، أن السير بقانون الستين القائم أقل سوءًا من التمديد للمجلس للمرة الثالثة، "رغم أن بقاء الستين صدمة للعهد الجديد وللبنان وشعبه ومستقبله".
ووفقًا لتلك المعطيات، فإن قانون الستين عاد مجدّدا للواجهة، حتى أن بعض الأطياف اعتبرته أمرًا واقعًا، إذ أكد عضو "كتلة المستقبل"، النائب عاطف مجدلانى، أن لبنان يتجه لإجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين "فى ظل فشل الوصول حتى الآن إلى قانون مختلط"، لافتا إلى أن "الأيام تمضى والمُهَل تنتهى، ولا يمكننا التوصل لقانون انتخابى جديد".
"حزب الله" من السيطرة على الحكومة لانتظار الانتخابات.. التسليم بالقانون القائم
فى سياق متصل، يبدو أن حزب الله نفسه، أكثر المتضررين من قانون الستين، أصبح على قناعة بأنه أمر واقع، وهو ما ظهر فى تصريحات وزيره فى الحكومة، محمد فنيش، الذى أشار ضمنًا إلى تسليم الحزب بأن الأمور سترسو على قانون "الستين"، متابعًا: "إذا لم يتم الاتفاق فى الوقت المتبقى بين القوى السياسية على قانون للانتخابات، واستمرت بعض القوى فى تضييع الوقت، وفى حين أنه لم يعد ممكنًا التمديد لمجلس النواب، فإن ذلك سيجبرنا على الوصول إلى مواجهة الواقع، والإبقاء على القانون المعمول به فى الانتخابات، وهو قانون الستين، الذى ترْجُمه وتلعنه كل القوى السياسية فى الظاهر، إلا أن البعض يبدو أنه يتمنى ويسعى ضمنًا لاستمراره".
زيارة الرئيس اللبنانى للسعودية تقود فى اتجاه الإبقاء على "الستين" لصالح الحريرى
يتواكب تحول المشهد اللبنانى الراهن، من حماسة الأطراف للتوصل إلى قانون جديد، مع الطفرة التى تحققت بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، إلى إعادة احياء قانون الستين المرفوض من أغلب الأوساط، الشيعة والمسيحيين، مع حالة من الجدل والتساؤلات المثارة على الساحة اللبنانية، ولكن يبدو أن المشهد الإقليمى كانت له ضغوط جديدة على بيروت فى هذا الملف، بينما تحاول العاصمة اللبنانية الحفاظ على استقرارها وسط النيران المحيطة بها.
أغلب المؤشرات تذهب إلى أن هذا التحول من قبيل التداعيات الطبيعية لزيارة الرئيس اللبنانى للعاصمة السعودية الرياض خلال الأسبوع الماضى، إذ وصل حاملا آمالاً كبرى بتحقيق أهداف اقتصادية جمة من الزيارة، بعد طمأنة الرياض لنوايا العهد الجديد، وتبديد مخاوفها من سطوة حزب الله وحلفائه، التى تزايدت فى الحكومة اللبنانية الجديدة، نتيجة انتصارات محور "طهران ـ دمشق" فى الحرب القائمة بسوريا، واصطدم الرئيس اللبنانى بمطالب سعودية بترجمة هذه التطمينات إلى واقع حى على الأرض.
الرئيس ميشال عون
الرئيس اللبنانى أمام تحدى "الحريرى".. من الخصومة إلى التعاون والشراكة
الأوساط اللبنانية ترى ـ كما تقول صحيفة الأخبار اللبنانية ـ أن الرئيس ميشال عون أمام تحدّ كبير، يتعلق بانتقاله من خصم سابق لرئيس الحكومة سعد الحريرى، ومن طرف ساهم فى إبعاده عن الحكومة ولبنان، إلى رئيس للجمهورية يتعامل مع "الحريرى" بوصفه شريكًا فى الحكم وفى ملفات كثيرة أخرى، ومع السعودية بما تمثله من موقع عربى وإقليمى.
سعد الحريرى
الثابت أن الرياض لن ترضى باستهداف جديد لـ"الحريرى"، بعد أن تم تحجيم نفوذه فى الحكومة الجديدة لصالح حزب الله، ومن ثمّ فهى فى حالة ترقب لما سيتم فى قانون الانتخابات، بما يحافظ على "ميراث الحريرى" النيابى، فالرياض ترغب لحليفها، ليس فقط حصة نيابية وازنة، بل أيضًا عودته لرئاسة الحكومة مجدّدا عقب الانتخابات النيابية، عودة مريحة من دون شروط أو ابتزاز أو صفقات جديدة، ومن ثمّ فإن السعودية تجاوزت عن نفوذ "حزب الله" المؤقت فى الحكومة الحالية، بحصده 17 حقيبة، وهى الحكومة التى ستُجرى الانتخابات فى مايو المقبل، وبناء على هذه الانتخابات ستُشكّل المؤسسة التشريعية والحكومة الثانية للبنان فى عهد ميشال عون، على هذا الأساس، تصبح مراعاة وضع الحريرى انتخابيًّا أولوية، ولهذا تم إحياء العمل بقانون "الستين"، لأنه الوحيد الذى يضمن للحريرى حصته النيابية التى تؤمّن له العودة لرئاسة الحكومة.