هل يستعيد سوق النفط توازنه خلال 2017؟.. واحد من أهم الأسئلة الاقتصادية فى العالم.. إذ أن إجابته تتحكم فى اقتصاديات دول مثل فنزويلا التى انهارت اقتصاديا أو أخرى مثل دول الخليج التى اضطرت لأول مرة فى تاريخها إلى التقشف بسبب انخفاض الأسعار فى 2016.. كما يترقب إجابته وتداعياته على السوق مستثمرون وشركات وحكومات يستفيد بعضها من انخفاض السعر أو من ارتفاعه.
ورغم مرور 19 يوما على بدء تطبيق اتفاق "أوبك" بخفض الإنتاج اليومى من النفط بهدف موازنة الأسعار التى تتضرر من زيادة الإمدادات، إلا أنه حتى الآن لم تتضح حتى الآن نتائج وتأثير هذا الاتفاق على الأسعار، غير أنه لا يمكن إغفال أن هناك عوامل أخرى بخلاف "أوبك" تتحكم فى خريطة وأسعار سوق النفط.
أسعار النفط خلال 70 عاما - نقلا عن موقع macrotrends
وكانت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" التى تضم 13 عضوا توصلت لاتفاق فى نوفمبر الماضى، بخفض إنتاج النفط 1.2 مليون برميل يوميا، تتحمل بموجبه السعودية الجزء الأكبر، كما تم الاتفاق مع المستقلين على خفض ما يزيد على 500 ألف برميل يوميا تتحمل روسيا النصيب الأكبر بـ300 ألف برميل، ليصل إجمال ما تم الاتفاق على خفضه إلى ما يزيد على 1.7 مليون برميل يوميا.
وسجلت أسعار النفط فى عام 2016 أدنى مستوى لها منذ تسعينيات القرن الماضى، حيث وصلت فى بدايته إلى أقل من 30 دولارا، فيما سجلت أعلى مستوياتها خلال العام فى نهاية ديسمبر حيث سجل نفط برنت 56.84 دولار للبرميل، واستقر سعر النفط الأمريكى عند 53.83 دولار للبرميل، غير أن بدء تعافى شركات النفط الصخرى الأمريكية تزامنا مع بدء تطبيق خطة "أوبك"، يثير القلق فى الأسواق التى سجلت اليوم سعر 54.27 دولار لبرميل برنت، و51.37 دولار للخام الأمريكى.
أسعار النفط خلال آخر 5 سنوات- نقلا عن موقع انفوماين
عام 2017 لن يكون فى صالح زيادة أسعار النفط
وتشير عدة أسباب إلى أن عام 2017 لن يكون فى صالح زيادة متوسط أسعار النفط البرنت فوق حاجز ال60 دولارا للبرميل بل إن تقرير صندوق النقد الدول الصادر الاثنين الماضى عن آفاق الاقتصاد العالمى تذهب إلى أقل من ذلك بكثير، حيث يتوقع أن يبلغ متوسط السعر 51.2 دولار للبرميل خلال 2017.. لكن إذا كانت أعضاء "أوبك" ومستقلين قرروا خفض الإنتاج خلال النصف الأول من 2017، بما يقارب 1.8 مليون برميل يوميا، فلماذا إذن لن ترتفع أسعار النفط..
الحقيقة أن هناك عدة أسباب وجيهة كالتالى:
أولا: فوز ترامب وتعهداته بدعم قطاع الطاقة
يخطط ترامب لدعم قطاع الطاقة ورفع القيود المفروضة عليه، وهو ما يعنى زيادة الإنتاج فى النفط الصخرى، خاصة أنه لا يأبه بمخاطر التلوث البيئى المصاحبة للإنتاج، ولا يأبه بجماعات حماية البيئة والضغوط التى ستمارسها، بل إنه اختار فى فريقه الرئاسى حلفاء من قطاع النفط مثل ريكس تيلرسون رئيس شركة إكسون موبيل، وسكوت بروت، المشكك فى ظاهرة التغير المناخى.
ثانيا: خفض إنتاج أوبك فى صالح النفط الصخرى
1ـ ارتفاع سعر النفط يعطى قبلة الحياة لشركات النفط الأمريكية
خفض إنتاج أوبك وارتفاع الاسعار إلى ما فوق الـ50 دولار للبرميل يعنى إنقاذ شركات حفر النفط الأمريكية، التى كان 2016 من أسوأ الأعوام عليها بسبب انخفاض الأسعار.. هذه الشركات تمكنت من خفض تكاليف إنتاجها من نحو 80 دولارا للبرميل السنوات الماضية إلى نحو 40 دولارا حاليا، وهذا سيدفع منتجى النفط الصخرى لزيادة الإنتاج.
وهذا هو ما تبين بالفعل حدوثه خلال الأيام الماضية، حيث زادت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات الحفر النفطية للأسبوع العاشر على التوالى ليرتفع إجمالى عدد منصات الحفر إلى 529 منصة وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2015 حسبما ذكرت شركة بيكر.
وتخطط شركات النفط لزيادة استثماراتها فى التنقيب بنحو 15 مليار دولار عام 2017، حسبما أشارت التقارير وآراء المحللين.
2- قصر الفترة بين الإنتاج والاستثمار فى النفط الصخرى يضيف ميزة هائلة لها
لكن هل معنى دخول شركات جديدة للنفط الصخرى أنها ستدخل الإنتاج فى 2017؟
"يتطلب مشروع استخراج النفط من المياه العميقة 10 مليارات دولار ونحو خمس سنوات، بينما يتطلب إنتاج النفط الصخرى 10 ملايين دولار و20 يوما".. تصريح نشرته "سكاى نيوز عربية"، يناير العام الماضى، منسوبا لأحد خبراء الطاقة بمؤتمر دافوس.. لكن خلال هذا العام نجحت الشركات فى خفض قيمة التكلفة، وهو ما يعنى أن النفط الصخرى يتميز بخفض تكاليف الإنتاج وقصر الفترة ما بين الإنتاج والاستثمار.
وبذلك يتميز النفط الصخرى بقصر الفقرات الفاصلة بين الاستثمار والإنتاج، مقارنة بالنفط التقليدى، وهو ما يضيف ميزة هائلة للأول.. أيضا لابد من الإشارة إلى "مخزون النفط الصخرى غير المستغل"، فحقول النفط الصخرى التى تم حفرها ولم تبدأ الإنتاج بعد، يتوقع أن تضيف إلى تدفقات الإنتاج خلال الأسابيع المقبلة، وهذا أيضا سيحدث فارقا لصالح النفط الصخرى.
ثالثا: تراجع الطلب الأمريكى على النفط
أمريكا تستهلك ما بين 14 و 16 مليون برميل يوميا، بدلا من نحو 20 مليون برميل كانت تستهلكها حتى 2007
وسجل الإنتاج اليومى للنفط نحو 8.7 مليون برميل يوميا خلال ديسمبر الماضى، وفى حال إذا صحت تقديرات بنك "ماكوارى" الذى أشار فى أحدث تقرير له، إلى أن صناعة النفط الصخرى الأمريكية ستتمكن من إضافة مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، فإن ذلك من شأنه، تراجع واردات أمريكا من النفط مليون برميل يوميا، وبالتالى امتصاص جزء كبيرا من أثر اتفاق "أوبك"
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يوم 29 ديسمبر الماضى تراجع الاستيراد إلى 7.5 مليون برميل يوميا.
رابعا: جزء من زيادة الطلب على النفط بسبب انخفاض الأسعار
نسبة كبيرة من الطلب على النفط الفترة الماضية، ترجع إلى هبوط السعر وليس إلى زيادة الدخل، وبالتالى فإن الارتفاع الحالى فى الأسعار يؤدى إلى تراجع الطلب، كما أن زيادة المخزون تؤثر على الطلب، بحسب ما أشار إليه مقال " وضع "طبيعى جديد" فى سوق النفط" لـ"رابح أرزقى و أكيتو ماتسوموتو" والمنشور على "منتدى صندوق النقد الدولى".
العرض العالمى أعلى من الطلب فى أكتوبر - نقلا عن منظمة الأوابك
وبلغ إجمالى الطلب العالمى على النفط، خلال الربع الثالث من العام الماضى 95.2 مليون برميل يوميا، فى حيث بلغ حجم المعروض 95.4 مليون برميل، فى حين يبلغ إجمالى المخزون العالمى فى نهاية أكتوبر 2016، نحو 9 تريليون و142 مليون برميل.
خامسا: تراجع نمو الاقتصاد العالمى يؤدى لخفض الطلب على النفط
آفاق الاقتصاد العالمى - نقلا عن مدونة صندوق النقد
أيضا لا يعيش سوق النفط بمعزل عن معدلات النمو، فهو يرتبط ارتباطا كبيرا بمعدلات نمو الاقتصاد العالمى، وكل التقارير الدولية وعلى رأسها تقارير صندوق النقد الدولى تشير إلى انخفاض آفاق النمو الاقتصادى عالميا خلال العام الحالى وحتى 2020، ويعنى تراجع النمو أنه سيؤدى لخفض الطلب على النفط.
تنبؤات النمو الاقتصادى فى 2017
سادسا: تراجع الطلب فى الصين قد يؤثر أيضا على أسواق النفط
أيضا توقعات خفض معدل النمو فى الصين، ربما تؤثر سلبا على أسواق النفط، فالصين يمثل استهلاكها وحدها نحو 15 % من الاستهلاك العالمى، وهى تساهم بشكل كبير فى نمو الطلب عليه لأن نموها الاقتصادى أسرع بكثير من نمو الاقتصاديات المتقدمة والاقتصاديات النامية، حيث يتوقع أن يكون 6.5 % فى 2017 مقابل 6.6 %فى 2016.
الصين تؤثر فى الطلب على النفط - نقلا عن مدونة صندوق النقد
أيضا الصين وضعت خطة للتخلى عن استخدام الفحم والحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات خلال الفترة من 2016 حتى 2020، وذلك باعتبارها أكبر دولة مستخدمة للفحم فى العالم، وقررت استثمار 360 مليار دولار فى مجال الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، كما ألغت رسوما جمركية على معدات الحفر المستخدمة فى 20 حقلا من حقول التنقيب عن النفط والغاز فى خطوة ستعزز إنتاج النفط، وينطبق هذا الإجراء المقرر تطبيقه حتى 31 ديسمبر 2020 على امتيازات النفط واحتياطيات الغاز الطبيعى فى مناطق شينجيانغ ومنغوليا الداخلية والتبت وإقليم شينغهاى.
سابعا: ليبيا ونيجيريا تمثلان خطرا على خفض الإنتاج
استثنت منظمة الدول المصدرة للنفط ليبيا ونيجيريا من اتفاق خفض الإنتاج بسبب التوترات الدائرة فيهما، وتراجع معدل الإنتاج الفترة الماضية.
ليبيا أعلنت بداية الشهر الحالى عن ارتفاع الإنتاج يوميا إلى 685 ألف برميل، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى أنها ستنتج ما بين 400 و600 ألف برميل يوميا.. وتخطط ليبيا إلى الوصول إلى 900 ألف برميل مارس المقبل، ويعنى الوصول إلى هذا الرقم، أنها وحدها امتصت الـ500 ألف برميل التى كانت تعهدت دول من خارج أوبك بتخفيضها تزامنا من خفض الإنتاج.
نيجيريا أيضا سجل إنتاجها نهاية العام الماضى 1.8 مليون برميل يوميا، وتخطط خلال أشهر للوصول إلى 2.2 مليون برميل التى كانت تنتجها قبل الاضطرابات التى تشهدها منطقة دلتا النيجر.
ثامنا: قوة الدولار وخطة "الفيدرالى الأمريكى" لرفع الفائدة 3 مرات فى 2017 تهدد بتراجع سعر النفط
فى منتصف ديسمبر الماضى قرر البنك الفيدرالى الأمريكى رفع سعر الفائدة 25 نقطة، وأعلن عن خططه لرفع سعر الفائدة 3 مرات خلال 2017، ويعنى ذلك مزيدا من القوة للدولار.
والقاعدة العامة الثابتة فى السوق، أنه مع ارتفاع الدولار وتراجع العملات أمامه، فإن ذلك يؤدى لتراجع أسعار النفط والذهب والسلع، ومنذ اجتماع "الفيدرالى" فإن سعر النفط يتأرجح بين 50 و60 دولار للبرميل مستندا إلى اتفاق "أوبك".
وفى حال اتخاذ "الفيدرالى الأمريكى" قرار برفع الفائدة مرة أو مرتين خلال النصف الأول من العام الحالى، فإن ذلك سيمتص "-أيضا- جزءا من اتفاق "أوبك"، وبالفعل أعلن المجلس منذ أيام أنه يتجه لتسريع وتيرة زيادة أسعار الفائدة لتجنب ارتفاع معدلات التضخم.
تاسعا: "أوبك" لا تخطط لمد اتفاق خفض الإنتاج
لا تخطط "أوبك" -حتى الآن- لمد اتفاق خفض الإنتاج بعد انتهاء المدة المقررة لخفض الإنتاج والمحددة بـ6 أشهر تنتهى منتصف العام الحالى، بل تصدر تصريحات من وزراء دول النفط وأعضاء بالمنظمة تشير إلى أن العالم يتجه إلى زيادة الطلب، رغم التخوفات المحيطة بالأسواق
وقال خالد الفالح وزير الطاقة السعودى، فى تصريحات له الاثنين الماضى، إنه يعتقد أن التمديد أمر مستبعد، وأن الطلب سينمو فى الصيف وأن المنتجين يريدون ضمان وجود إمدادات كافية فى السوق كى لا يحدث نقص أو شح".
بل إنه قال فى تصريحاته خلال منتدى دافوس الاقتصادى أول أمس، إنه لا يتوقع زيادة إنتاج النفط الصخرى، ولا يتوقع إضافة ما بين 2 و2 ملايين برميل يوميا إلى طاقة إنتاج النفط الصخرى الأمريكى فى أى وقت قريب، غير أن "الفالح" لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن زيادة إنتاج النفط الصخرى مليون برميل فقط يوميا كفيل بالقضاء على جزء كبير من الخطة الحالية لـ"خفض الإنتاج"، خاصة فى ظل التوقعات العالمية خلال 2017.
يذكر أن أعضاء منظمة الأوبك هى دول: "الإكوادور، والإمارات، وإندونيسيا، وأنجولا، وإيران، والجزائر، والسعودية، والعراق، وفنزويلا، وقطر، والكويت، وليبيا، ونيجيريا".
عاشرا: السيارات الكهربائية الخطر القادم على النفط
السيارات الكهربائية ليست خطرا هذا العام على أسواق النفط، لكنها قد تكون خطرا كبيرا خلال السنوات المقبلة، إذ يتوقع محللون أنه خلال 6 سنوات ستعادل تكلفتها تكلفة السيارات الحالية التى تعمل بالوقود.
وأشار تقرير لوكالة "بلومبرج" فى ديسمبر الماضى، إلى أنه رغم أن مبيعات الشاحنات والسيارات الكهربائية تمثل حاليا أقل من 1 % إلا أن طفرة السيارات الكهربائية ستتسبب فى هبوط فى الطلب العالمى على النفط بنحو مليونى برميل يومياً بحلول عام 2023.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة