كثيراً ما نحكى عن العولمة ونرددها باستمرار، أحياناً فى محلها وأحياناً فى غير محلها، ولكن غالباً ما نتحدث عن تداعياتها الاقتصادية والتجارية، وفى العلاقة بين الدول والتكتلات، ولكن ربما ليس كثيراً ما نتحدث عنها ثقافياً، وهذا لسبب بسيط وهو أن العولمة اعتبرت وهى كذلك فى الواقع درجة متقدمة من تداخل الأنظمة والأنساق الاقتصادية، والاندراج فى العولمة على مستوى العالم بشكل عام بدأ اقتصادياً، ولذلك كان الاهتمام بها فى البداية من الناحية الاقتصادية؛ ولكنها سرعان ما لامست قضية خطيرة وأصبحت سما قاتلا يهدد حياتها، وهى قضية الهوية الثقافية، فهذه مشكلة من المشكلات التى نعانى منها نحن العرب؛ فالثقافة تعريفها كما أجمع عليه العلماء والمفكرون: هى أسلوب أو طريقة الحياة التى يعيشها اى مجتمع بما تعنيه من عادات، تقاليد، أعراف، تاريخ، عقائد، قيم، سلوك واهتمامات واتجاهات عقلية وعاطفية، وتعاطف وتنافر مع مواقف من الماضى والحاضر ورؤى للمستقبل.
أما مسألة وضع تعريف دقيق للعولمة مسألة لا تخلو من الصعوبة؛فمرجع هذه الصعوبة يعودالى أن العولمة مازالت بعيدة عن التشكيل فى صورتها النهائية لتكون واقعاً يُستند عليه، ولعل اوسع التعاريف انتشاراًللعولمة ؛ هو ماجاء فى كتاب العولمة للباحث الأمريكى: ((رونالد روبيرثسون)) حيث عرف العولمة بأنها: اتجاه تاريخى نحو انكماش العالم، وزيادة وعى الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش. ولا أخفيكم أن العولمة على مستوى الثقافة والإعلام والقيم الحضارية، أصبحت الآن تتقدم زاحفة بوتيرة سريعة، فالعولمة الثقافية تبشر اليوم بتقارب الثقافات والخصوصيات والهويات، وباحتكاكها تذوب معها الفوارق بين الثقافات، وتضمحل الحدود والأسوار، ومن هنا دق ناقوس الخطر من وسائل الاعلام الناقلة للقيم الوافدة والثقافات الأخرى، وأبرزها الثقافة الغربية، المادية والعلمانية التى تمجد قيم الاستهلاك، والربح والأنانية والكسب السريع، وقد أوحى هذا التقارب بين الثقافات للغرب بالمخاطر التى يمكن أن تسفر عنها العولمة الثقافية، وبالتخوف من الاسلام والثقافة الاسلامية فظهرت مقولة ((صدام الحضارات)) للباحث الأمريكى المعادى للإسلام والعرب ((صامويل هانتنغتون)) الذى يتحدث فيها عن المخاطر الكامنة فى الثقافات الأخرى، ومنها الإسلامية والعربية على الثقافة الأنجلوسكسونية الغربية، وهذا يعنى أمراً واحداً ينبغى علينا نحن العرب أن نفقهه، وهو أن الغرب الذى سبق إلى التبشير بالعولمة وكأنه الرابح الوحيد منها، هو نفسه المتخوف على حضارته وثقافته.
باختصار شديد أن الغرب يسعى جاهداً إلى تخريب التعددية الثقافية فى العالم، وفرض ثقافته على العالم كله، وهو أمر بالغ الخطورة على هويتنا العربية وثقافتنا كعرب، وعلينا أن نتصدى لهذا الغزو الفكرى والاستعمار الثقافى بكل ما أوتينا من قوة، وهذا لا يعنى أن لا نتطرق إلى العالم الآخر والثقافات الأخرى بل نأخذ منهم كل ما هو جديد يفيد حياتنا العلمية والعملية، ولكن مع ضمان الاحتفاظ بثقافتنا العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة