هل نختلف على أن هناك الكثير من الأشخاص الذين دائمًا ما تُساورهم الشكوك والريبة من كل حدث يحدث لهم أو أمامهم، فهم دائمًا متشككون، خائفون، يظنون السوء بكل من حولهم، ولكن قبل أن نتعرف على تاريخهم، فربما مروا بالكثير من الأحداث التى أصابتهم بالخوف والفزع من نوايا الآخرين تجاههم، وربما حالفهم سوء الحظ لفترات طويلة فى حياتهم، جعلتهم لا يثقون فى حظهم أو بختهم ؛ لذا يُنقبون وراء الكلام والأحداث ؛ ظنًا منهم أنهم بذلك يتقون شر ما قد يحدث لهم، فالأسباب كثيرة، ولا يُمكن حصرها، ولكن لا يُوجد مرض بلا أسباب، وخُصوصًا المرض المُسيطر على العقل أو النفس، فهو دائمًا محل سبب إما وراثى أو حياتى، وللعلم قد يُصاب أكثر الناس ذكاءً أو نجاحًا، أو عقلاً، بأحد هذه الأمراض ؛ لأن هذه النوعية من الأمراض، من الممكن أن يتعايش معها الإنسان بين البشر، فهى تُؤرقه وحده، رغم أنها قد تُؤثر على المحيطين به، إلا أنها جزء من التركيبة الشخصية للإنسان، أى أنها فى تكوينه، فهذا الشخص دائمًا ما يشعر أن أى موضوع أو حكاية فيها "إنَّ"، ويبحث عن "إنَّ" ؛ حتى يتوصل إذا كان شكـه فى محلـه أم لا.
وأصل عبارة "الحكاية فيها إنَّ"، يرجع إلى رواية طريفة، مصدرها مدينة حلب، فلقد هرب رجل اسمه "على بن منقذ" من المدينة ؛ خشية أن يبطش به حاكمها "محمود بن مرداس"، لخلاف جرى بينهما، فأوعز حاكم حلب إلى كاتبه أن يكتب إلى "بن منقذ" رسالة يُطمئنه فيها، ويستدعيه للرجوع إلى حلب، ولكن الكاتب شعر بأن حاكم حلب ينوى الغدر بابن منقذ، فكتب له رسالة عادية جدًا، ولكنه أورد فى نهايتها: "إنَّ شاء الله تعالى"، بتشديد النون، فأدرك "بن منقذ" أن الكاتب حينما شدد حرف النون، يُذكره بقوله تعالى "إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ"، فرد على رسالة الحاكم برسالة عادية يشكره أفضاله ويُطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة: "إنا الخادم المُقر بالأنعام"، ففطن الكاتب إلى أن بن منقذ يطلب منه التنبيه إلى قوله تعالى: "إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا"، وعلم أن بن منقذ لن يعود إلى حلب فى ظل وجود حاكمها محمود بن مرداس.
ومن هنا صار استعمال "إنَّ"، دلالة على الشك وسوء النية، ولكن علينا أن نُقر رغم انتقادنا للأشخاص المُتشككين، إلا أنه أحيانًا يكون شكهم هم هو أحد أسباب نجاتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة