بمجرد أن فرض الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، باراك أوباما، عقوبات على روسيا، وطرد عددًا من الدبلوماسيين الروس، بعد اتهام واشنطن لموسكو بالضلوع فى أعمال "قرصنة إلكترونية" على الانتخابات الأمريكية، والتدخل لقلب النتيجة لصالح مرشح الحزب الجمهورى، دونالد ترامب، فى مواجهة منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، كثر الحديث عن قرب اشتعال حرب باردة جديدة بين النسر الأمريكى والدب الروسى.
ولكن فى تصور مغاير لما دار من أحاديث، يرى الكاتب ماثيو دانكونا، فى مقال له بصحيفة "جارديان" البريطانية، أن ما يحدث ليس حربًا باردة ثانية، بل هو حرب "مكاتب ساخنة" أولى، وجنود هذه الحرب يمكن أن يعملوا من أى مكان، سواء على الكمبيوترات المحمولة، أو فى مقاهى الإنترنت، أو حتى فى قلب مؤسسة الاستخبارات الروسية، فأسلحتهم لم تعد الرصاص، بل "البايتس"، وقنابلهم النووية توارت لصالح "الفوضى الرقمية".
الحرب الجديدة أول تحد جيوسياسى لرئيسة وزراء بريطانيا
واعتبر الكاتب البريطانى، أن هذه الحرب الجديدة ستكون أول تحدٍّ جيوسياسى لرئيسة وزراء بريطانيا، تريزا ماى، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته باراك أوباما رد على الهجمات الروسية الإلكترونية خلال الانتخابات الأمريكية، بفرض عقوبات على موسكو، والتى قابلها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين برد فعل دبلوماسى، لأسباب تكتيكية، لينضم الرئيس المنتخب دونالد ترامب أخيرًا لصف "بوتين"، مشيدًا فى تدوينة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" بذكاء القيصر الروسى.
وأشار الكاتب فى مقاله، إلى أن رئيسة وزراء بريطانيا عليها أن تقرر دورها فى المواجهة القائمة، معتبرًا عدم قيامها بشىء أمرًا يعكس فشلها السياسى، لا سيما مع موقفها من الرئيس الروسى خلال الأشهر الأخيرة، ففى أكتوبر الماضى اتهمت القوات الروسية بارتكاب "فظائع مروعة" فى مدينة حلب السورية، وتعهدت بإرسال 800 جندى إلى "أستونيا"، بما يشكل ربع حجم القوات التى تعهد حلف شمال الأطلسى "ناتو" بإرسالها هناك، لمنع حدوث أى غزو روسى، موضحا أن تريزا ماى لم تكن تعتقد أن "بوتين" يمكن أن يخرج من سوريا، رغم الضغوط الغربية المتصاعدة، لذا لم يكن إرسال الجنود إلى "أستونيا" سوى رسالة تحذير له، لعدم المضى قدما فى واحدة من دول بحر البلطيق الثلاثة.
الحرب التقليدية نصف أعمال الحرب.. وموسكو تعمل داخل أوروبا وبريطانيا
وأضاف الكاتب البريطانى، أن تريزا ماى، والاستخبارات البريطانية، يعرفون أن الحرب التقليدية لا تشكل إلا نصف أعمال الحرب، فـ"موسكو" تستخدم أجهزة الدولة وقوتها بالكامل، لدفع سياستها الخارجية بطرق عدائية، تشمل البروباجندا، والتجسس، والهجمات الإلكترونية والتخريب، وتعمل اليوم فى شتى أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة، بحسب تصريحات أندرو باركر، مدير المخابرات البريطانية الداخلية لـ"جارديان" خلال العام الماضى، حسب ما قاله الكاتب فى مقاله.
وطالب الكاتب ماثيو دانكونا، رئيسة الوزراء البريطانية، بضرورة الشرح للرئيس الأمريكى المتتخب دونالد ترامب، وضرورة التوصل لأسلوب موحد للتعامل مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى أن "ماى" و"ترامب" لا يتشاركان أى صفة، باستثناء أنهما يمثلان حزبين محافظين، يقدران قيمة الدولة الوطنية وأهمية تفوقها، موضحا أن "ماى" الوحيدة بين قادة الدول الثمانى الكبرى فى أوروبا، التى لا تخوض انتخابات خلال الأشهر الثمانية عشرة المقبلة، ما يتيح لها فرصة مصارحة "ترامب" بكل الحقائق التى تملكها حول "بوتين"، كونه "غازيا إقليميا وعدوا دوليا للديمقراطية وأحد عناصر زعزعة استقرار الغرب"، حسب وصف الكاتب فى مقاله.