قالت النيابة العامة فى قائمة الاتهامات التى وجهتها إلى الصحفى أحمد حلمى، إنه تجرأ بالتطاول على مسند الخديوية المصرية، وطعن فى نظام حقوق الوراثة فيها وفى حقوق الحضرة الفخيمة الخديوية، والعيب فى حق ذات ولى الأمر.
المتهم هو الصحفى «أحمد أفندى حلمى» «فبراير 1875 - يناير 1936» صاحب جريدة «القطر المصرى»، والرجل الذى «ذاع صيته وشهرته واسمه عن طرق ذلك الميدان والشارع اللذين يحملان اسمه فى القاهرة كملتقى لجميع مواصلات الوجهين البحرى والقبلى»، ومع ذلك وحسب الدكتور إبراهيم عبدالله المسلمى فى كتابه «سجين الحرية والصحافة» «الهيئة العامة للكتاب- القاهرة»، فإن ما وراء ذلك الاسم من تضحيات ونضال، فى سبيل الحرية والاستقلال، لا يعرفها معظم من يرتادون ذلك الموقع الشهير فى القاهرة، ويضيف «المسلمى»: «هو أول من قال عنه الزعيم مصطفى كامل فى مراسلاتهما المتبادلة إنه ذو شمم وأخلاق فاضلة، وتمنى له أن يكون أول صحافى فى مصر»، وهو أول من طالب بإنشاء وزارة للزراعة فى مصر، وحمل الدعوة إلى توقيع آلاف العرائض للمطالبة بالدستور من الخديوى «عباس حلمى الثانى»، وطالب بالمجلس النيابى، وصاحب التحقيق الصحفى المشهور «يا دافع البلاء» عن حادثة دنشواى الذى قال عنه «عباس العقاد»: «لا تعرف فزعا شمل القطر المصرى من أقصاه إلى أقصاه، كالفزع الذى شمله، يوم قرأ الناس أخبار هذه الفاجعة، ونشرتها إحدى الصحف بعنوان: يا دافع البلاء»، وطالب بألا يكون هدف التعليم تخريج موظفين ومستخدمين يأتمرون بأوامر الحكومة والاحتلال، ودعا إلى الوحدة الوطنية بين شعب وادى النيل، فى مواجهة سموم الاحتلال الإنجليزى وأذنابه فى الداخل للتفرقة بين عنصرى الأمة، وعندما تعيد الحكومة فى مارس سنة 1909 العمل بقانون المطبوعات الصادر سنة 1881 يقود مظاهرة للتنديد به، ويسأل الحكومة: «ما هو الفرق بين التقييد بسلاسل من ذهب، أو سلاسل من حديد، أليس التقييد واحدا على كل حال، فهو مانع للرقى وعائق للتقدم؟ ويحمل لواء الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية، وهو صاحب المقالة المشهورة التى استقبل بها الوزارة الجديدة بعنوان: «لتسقط وزارة بطرس غالى القبطى الاحتلالى، ولتبق وزارة بطرس غالى المصرى الوطنى، ويطالب الجيش المصرى بالانضمام إلى المدنيين فى المطالبة بالدستور والحرية».
كل هذا التاريخ الوطنى توج باتهامات وجهتها النيابة إليه يوم 30 يناير «مثل هذا اليوم» 1909، والسبب كما ذكرت النيابة، حسب النص الكامل للمحاكمة ويأتى فى كتاب «صحفيون خلف القضبان»، تأليف «مدحت بسيونى» «طبعة إلكترونية»، أن: «الصحافة قد تكون وبالا على الأمة إذا لم تؤد وظيفتها على الوجه الصحيح فتصبح شرا عليها يجب ملافاة أضراره، ومن الأسف أن بعض الجرائد بمصر اخترقت سياج القانون وأساءت فهم الحرية الصحفية فأخذت تنشر كل ما يعن لها صحيحا كان أو غير صحيح، حسنا كان أو قبيحا، ومن الجرائد التى تعدت حدود الأدب والواجبات الصحفية جريدة القطر المصرى».
كانت سخونة المقالات وانتقادها العنيف للاحتلال الإنجليزى وأعوانه وسلطة الخديوى عباس حلمى الثانى نهجا لـ«حلمى»، ووصل فى ذلك إلى أعلى سقف فى النقد، فبعد أن أصدر جريدة «القطر المصرى» اعتبارا من 16 أكتوبر 1908 على شكل «جريدة سياسية أدبية وتجارية إسلامية» نشر فيها مقالات عن جريدة «العدل» «تطبع وتصدر فى الآستانة» جاء فيها: «إن مصر لم تستفد من أسرة «محمد على» ولا عائلته إلى الآن غير الشقاء والبلاء والظلم والضنك والديون وضياع حقوقها فى قناة السويس التى حفرتها».
وصلت جريدة «القطر المصرى» درجة عالية فى تأثيرها، فحسب مؤرخ الصحافة العربية «فيليب دى طرازى»، أن هذه الجريدة التى كانت خطتها المناداة بالعداء للاحتلال الإنجليزى وانتقاد سياسة ممثله فى مصر، لم يبق عظيم إلا عرفها وقرأها حتى إن الخديوى نفسه عباس كان يقرأها خلافا لعادته، ولا يطالع سواها من الصحف المصرية، وكان ضباط الجيش المصرى من عاضديها، وبالرغم من ذلك فإن النيابة العامة وجهت إلى «حلمى» فى يوم 30 يناير جملة الاتهامات ومنها «التطاول على مسند الخديوية، الطعن فى نظام حقوق الوراثة فيها، الطعن على ذات الحضرة الفخيمة الخديوية»، وقادت هذه الاتهامات إلى سجن «حلمى» بتهمة العيب فى «ذات ولى الأمر» عشرة أشهر حبسا بسيطا، وأمرت بتعطيل جريدته مدة ستة أشهر، وبهذا الحكم أصبح أول صحفى فى تاريخ مصر يسجن بتهمة «العيب فى الذات الخديوية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة