ظل مشروع "مراسم الأقصر الدولية" حلما مميزا لكافة أبناء ونجوم الفن التشكيلى بالأقصر، وذلك نظرا للقيمة التاريخية والفنية لمدينة الأقصر، وبعد غياب طويل عن الساحة الفنية اتجهت الأنظار نحو الجنوب مع تدشين مشروع عملاق يهدف لإنشاء مراسم الأقصر الدولية بغرض تأصيل الفن المصرى المعاصر والخروج به إلى العالمية، وجاء قرار وزير الثقافة بإقرار لائحة مراسم الأقصر الدولية بإنشاء مقر لتلك المراسم بالبر الغربى، وخصصت المحافظة قبيل ثورة يناير بعض منازل القرنة "قرنة مرعى" لتكون مراسم للفنانين، كما كان هناك تصميم عالمى لمساحة تسعة ألاف متراً مربعاً يضم مراسم واستوديوهات وصالات عرض ومكتبة على طراز حسن فتحى المهندس المعمارى الأشهر فى تاريخ مصر والتصميم على غرار قريته بالبر الغربى، إلا أن المشروع توقف قبل أن يبدأ ومازال متعطل حتى الآن.
مرسم الشيخ عبد الرسول بالبر الغربى الأقدم بالأقصر
وفى هذا الصدد يقول الفنان التشكيلى أحمد صابر، معيد بكلية الفنون الجميلة بالأقصر بقسم الجرافيك، أن إعادة إعداد أرض كـ"مراسم" بمحافظة الأقصر، يعد شيئا فى غاية الأهمية لجميع الفنانين التشكيليين، موضحاً أن الفنانين الكبار أمثال حامد ندا وعبد الهادى الجزار وراغب عياد، كانوا يذهبون إلى مراسم الأقصر القديمة كمنحة من الدولة لمدة سنة أو 6 شهور، مضيفا أن إقامتهم بالأقصر أثرت بشكل كبير على أعمالهم الفنية.
إحدى اللوحات السابقة للفنان حامد ندا فى مراسم الأقصر
وأوضح الفنان التشكيليى أحمد صابر، أن محافظة الأقصر بطبيعتها هادئة ومليئة بالمعالم الأثرية المصرية، التى بالتأكيد ستترك أثرا فنيا فى نفوس الفنانين على عكس العيش فى القاهرة وسط الزحام وضغوط الحياة اليومية، مؤكداً على أن مراسم الأقصر ستترك جانباً معنوياً للفنانين، وسينعكس ذلك على أعمالهم الفنية التى بالطبع ستتغير بنسبه 180 درجة.
مرسم الشيخ عبد الرسول بجوار معبد مرنبتاح بالبر الغربى بالأقصر
الفنان الأقصرى أحمد جمال عيد يناشد وزير الثقافة بتحقيق حلم عودة المراسم
أما الدكتور أحمد جمال عيد الفنان بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، فقد أكد بأن الأقصر عاصمة السياحة العالمية العام الماضى وعاصمة الثقافة العربية العام الحالى، يجب أن يكون بها مراسم فنية تعين وتساعد نجوم الفن التشكيلى المصريين والعالميين فى العودة من جديد للمحافظة للنهوض بهذا الفن من جديد فى مصر والأقصر.
لوحة نساء من الأقصر للفنان ممدوح عمار بمراسم الأقصر
ويضيف الدكتور أحمد جمال عيد فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن يوجد فرق كبير فى الاهتمام من الوزارة والحكومة بين فنانين العاصمة وفنانين الأقاليم وهو أمر غير مقبول بالمرة، مؤكداً على أنه لابد من تدشين فرع لنقابة الفنانين التشكيليين بمحافظة الأقصر ليكون منارة ومنبر للفن التشكيلى بالصعيد بأكمله، لأن الأقصر تمتلك كافة المقومات التى تساعد فى تلك الخطوة الهامة وكذلك وجود كلية الفنون الجميلة بالمحافظة والتى تخدم المراسم بصورة مميزة للغاية فى الصعيد ومصر بأكملها.
هنا بدا الفنان المصرى محمد ناجى مراسم الأقصر
ويقول أحمد جمال عيد أن مصر شهدت فى العقد الرابع من القرن العشرين موجه عارمة من البحث عن الذات والهوية المصرية والتنقيب عن الجذور المصرية فى شتى المجالات، وشهدت الحياة الإبداعية بمصر فى مجال الفنون، مشروعات لو كانت قد أحيطت بالرعاية الكافية لأثمرت ثماراً طيبة وفتحت أفاق الإبداع أمام أجيال من المبدعين الشباب، ومن تلك المشروعات التى اندثرت مشروع مرسم الأقصر كمنحة لخريجى كلية الفنون الجميلة من المتميزين لمدة عام بحد أقصى ثلاث سنوات يتفرغ خلالها الخريج لمعايشة واستلهام بيئة الأقصر المهمة، وكان اختيار مدينة الأقصر موفقا لما تمثله من قيمة حضارية وتاريخية للمصرين، فهى المنبع الذى استقت منه فنون الحضارات فى العالم، تعد مدينة الأقصر فى جنوب مصر"طيبة القديمة" أكبر متحف مفتوح فى العالم لفنون مصر القديمة من عمارة ونحت ورسم وتصوير جدارى.
إحدى اللوحات المميزة التى رسمت داخل مراسم الأقصر قديماً
ويضيف الفنان التشكيلى الأقصر، أن الأقصر تحتضن أقدم "مرسم" فى العالم وأقدم تجمع للمبدعين فى مدينة خاصة للفنانين " مدينة العمال " وقد سجلت أسمائهم فى سجل التاريخ القديم وعلى شأنهم فيها آنذاك الأقصر، ولقد إكتشف الفنان محمد ناجى فى أوائل القرن العشرين فى أول زيارة له فنية له لآثار الأقصر، خلود تأثيرها كمرسم على الفنان القيم بها وكان الفنانين الأجانب والمستشرقين من يهمون عشقا بالمدينة العريقة وأثارها الخالدة، وفى عام 1941 أقترح محمد ناجى على الأديب الكبير طه حسين وكان وزير للمعارف فى ذلك الوقت مرسم بالضفة الغربية فى منزل الشيخ على عبد الرسول " مكتشف خبيئة الأقصر " لأوائل خريجى المدرسة العالى للفنون الجميلة كبعثة فنية داخلية بعد أن أوقفت الحرب العالمية الثانية البعثات الفنية إلى أوروبا وعلى مدى ربع قرن تقريبا استمر مرسم الأقصر القديم يؤدى رسالته الجليلة فى بث الروح القومية لحضارة مصر العظيمة فى نفوس أبنائها من الفنانين الشباب رواد هذا المرسم فنى أقفل أبوابه عام 1964 م.
لوحة العمل فى الحقل للمصور المصرى حامد ندا
ذكريات أفواج نجوم الفن التشكيلى لمراسم الأقصر
ويقول أبوالحجاج محمد عبد المعطى مدير قصر ثقافة الأقصر فى السابق، أن المرحوم محمد سنوسى مدير الفنون التشكيلية بقصر ثقافة الأقصر ومشرف مراسم الأقصر المركزية التابعة للهيئة العامة للقصور الثقافة الجماهيرية، قد قبل وفاته قوة ونجاح مراسم الأقصر مؤكداً وقتها بأن المراسم قامت على غرار مراسم الشيخ عبد الرسول بالبر الغربى، باستضافة الفنانين باستراحة المراسم بقصر الثقافة المجاور لمعبد الأقصر وسط المدينة قبل نقله من مكانه الآن.
تصميم مشروع مراسم الأقصر الدولى للمهندس جمال عامر
وقال بأن المراسم وقتها كانت بداية على الطريق الصحيح رغم قلة الإمكانيات المتاحة، وكانت خطوة لا يمكن تجاهلها فى سبيل الوصول إلى رفع مستوى التذوق الفنى والارتقاء بالبلاد، وأكبر خدمة لفنانى مصر العظام للدراسة والتذوق والتشبع من منبع حضارة مصر الخالدة، وكانت كل أمانيهم وقتها أن تدوم وتتطور وتدعم من كل الجهات حتى استمرت حتى وقت قريب من العقد الأول من الألفية الثالثة.
إحدى اللوحات الإبداعية السابقة داخل مراسم الأقصر قديما
مراسم الأقصر والفنان عبد الغفار شديد
يعتبر الفنان عبد الغفار شديد من كبار الفنانين العاشقين للتراث المصرى القديم والمتعبد فى محراب الفن المصرى، وله لوحات أكسبها التاريخ غموضاً ورهبة وأضفى عليها الزمن والاغتراب الطويل عن الوطن أطياف عاشت بمصر منذ آلاف السنين لتنفلت من أسرار الزمان والجاذبية الأرضية محلقة فى الفضاء الكونى يختلط الحاضر فيها الماضى بالخيال بالواقع والسحر بالحقيقة والسماء بالأرض، وكانت تبدو اللوحات موجات أثيرية تنبعث من كهوف ذاكرة الإنسان الجماعية، لتطل علينا كحلم عبر رحلتها نحو الأبدية".
لوحة فنية مميزة نقشت داخل مراسم الأقصر
ولقد كان الفنان عبد الغفار شديد كان واعياً بحضارته وهويته المصرية وتراثه، ذلك العاشق للفن المصرى وترابه الأصيل وجد ضالته عندما ذهب فى منحة التفوق فى مرسم الأقصر عام 62 ليجد ما يبحث عنه من أسرار الحضارة القديمة وجذورها.
لوحة مميزة للفنان عبد الغفار شديد بمراسم الأقصر
الفنان الراحل ممدوح عمار ورحلته بمرسم الأقصر
أما الفنان التشكيلى الراحل ممدوح عمار فقد حكى فى السابق قبيل وفاته عن رحلته إلى المرسم ومدى تأثره بها، وهى فترة بلورت فكرى التصويرى، وقال: "وضعت يدى وإحساسى على الجمل المفيدة وجدت نفسى وجها لوجه مع القديم الأصيل ومع الجديد الذى تبلور بداخلى، بسبب هؤلاء الفراعنة المتألقين المتفردين بالثقافة والفن وجدنا أنفسنا فى اليوم الأخير لمغادرتنا الأقصر بعد مضى سنتين وهى فترة المرسم"، وقد انعكست فترة الأقصر فى سيرة الفنان فقد لازمته فى بقية أعماله فقد اقترب كثيرا من التراث المصرى القديمة وقد عاش عامين فى أحضان جبل القرنة فأخذ يتطلع إلى الفن المصرى القديم بتأمل.
جانب من تصميم مشروع مراسم الأقصر الدولى للمهندس جمال عامر
زيارة الفنان الراحل حامد ندا للأقصر
وفى بداية الخمسينيات قام حامد ندا بزيارة الأقصر والإقامة فى مرسم الشيخ عبدا لرسول بالقرنة ولا تزال ذكرى الزيارة مسجلة على جدران المرسم لوقتنا هذا حيث هناك لوحة فنية نفذها على جدار الغرفة فى فندق المرسم، وتعرف على أسرار الفن المصرى القديم حيث هناك الينبوع الحقيقى للفن المصرى و" كان اكتشاف حامد ندا للتصوير المصرى القديم فى بداية الخمسينيات نقلة كبرى فى تاريخ إبداعه، إذ يبدو أنه وجد ضالته الفنية أن لم نقل هويته، واستلهم من ذلك التراث الذى تناول غالبا عالم الموت وما بعده الكثير وإضافة آلية دينامكية وصخبا أقرب إلى روح الرقص والموسيقى، فبعض لوحات ندا تبدو كأنها إحدى مقابر وادى الملوك وقد ثارت الشخوص القرابين والجدران والزوايا والسقف والأقواس على سكونية الموت الطويل ذلك لتعاود الرقص والركض على تراب أزمنة منسية.
لوحة إبداعية بمراسم الأقصر فى الاربعينات
مراسم الأقصر وتأثيرها بالفن التشكيلى المصرى
تعتبر محافظة الأقصر فى السابق تحتضن أقدم "مرسم" فى العالم، وأقدم تجمع للمبدعين فى مدينة خاصة للفنانين "مدينة العمال"، وقد سجلت أسماؤهم فى سجل التاريخ القديم وعلا شأنهم فيها آنذاك، واكتشف الفنان محمد ناجى فى أوائل القرن العشرين فى أول زيارة فنية لآثار الأقصر، خلود تأثيرها كمرسم على الفنان المقيم بها وكان الفنانون الأجانب والمستشرقون يهيمون عشقا بالمدينة العريقة.
وفى عام 1941 اقترح الفنان محمد ناجى على الأديب الكبير طه حسين وكان وزيراً للمعارف فى ذلك الوقت مرسماً بالضفة الغربية فى منزل الشيخ على عبد الرسول " مكتشف خبيئة الأقصر " لأوائل خريجى المدرسة العليا للفنون الجميلة كبعثة فنية داخلية بعد أن أوقفت الحرب العالمية الثانية كبديل البعثات الفنية إلى أوربا وعلى مدى ربع قرن تقريبا استمر مرسم الأقصر القديم يؤدى رسالته الجليلة فى بث الروح القومية لحضارة مصر العظيمة فى نفوس أبنائها من الفنانين الشباب رواد هذا المرسم الذى أقفل أبوابه عام 1964م، وكان المرسم يدرس به المتفوقون من كليات الفنون الجميلة لمدة عامين فى منزل قديم يطل على جبل القرنة، وأمام الوادى الأخضر بالقرب من معبد الرامسيوم ومقابر الأشراف والأديرة القديمة منزل الشيخ على عبد الرسول أكبر شيوخ جبل القرنة ومكتشف خبيئة المومياوات الشهيرة، فموقع المرسم بالبر الغربى هو موقع فنى فريد من نوعه حيث يجد الفنان حوله التاريخ وأمامه الجبل ومن خلفه المزارع والبيئة الريفية، وموقع يساعد الفنان على الإبداع.
إحدى اللوحات الفنية بمراسم الأقصر التاريخية
حلم المراسم فى الألفية الثالثة
فى عام 2010 قرر فاروق حسنى وزير الثقافة، إحياء مرسم الأقصر الدولى، وأسند مهمة إعادة إنشاء المرسم إلى صندوق التنمية الثقافية برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، على أن يتم صرف الاعتمادات المالية للمشروع من الصندوق، وقد صرح المهندس محمد أبو سعده رئيس صندوق التنمية الثقافية، أن البدء فى تنفيذ المشروع سيبدأ من الأسبوع المقبل، موضحا أن الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر، منح للوزارة قطعة أرض مساحتها 9000 متر، لإنشاء المبنى عليها، وسيقوم بالتصميم المعمارى جمال عامر.
وأوضح أبو سعده، أنه سيتم إنشاء 30 مرسما بخلاف المراسم المفتوحة، ومطعم وجاليرى، وسنعمل على تحويلها لأكاديمية متخصصة فى التصوير، كما سيتم إنشاء قاعة عرض دائمة ومعرض دائم لنتاج أعمال ملتقى الأقصر الدولى للتصوير.
طلب مقدم لوزير الثقافة لإحياء مشروع مراسم الأقصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة