تجربة شخصية مع ابنة من ذوى الاحتياجات الخاصة جعلت "جمال طلعت"، يعرف عن قرب العبء المالى الكبير الذى يتحمله ذوى الاحتياجات الخاصة وأسرهم من أجل مواصلة الحياة والانتصار على الإعاقة، ولكنها أيضًا كانت نقطة النور التى جعلته يفكر بإيجابية فى كيفية خلق فرص عمل مناسبة لذوى الاحتياجات الخاصة، وكانت سببًا فى فتح أبواب الرزق للآلاف من الأسر على مدار 11 عامًا كاملة.
فى البدء.. كانت الفكرة
فى عام 2006 وقبل انتشار الإنترنت ودخوله كل بيت فى مصر، قرر العقيد المتقاعد بالقوات المسلحة "جمال طلعت" أن يساعد ذوى الاحتياجات الخاصة، وخاصة من النساء على خلق فرص عمل جديدة بعدما عاش تجربة خاصة مع ابنته التى عانت من 4 أشكال مختلفة للإعاقة ويحكى لـ"اليوم السابع": فى ذلك الوقت لم يكن هناك انترنت ولا غيره من الوسائل التى تسهل التواصل، فلم أجد طريقة سوى التوجه للمستشفيات وزيارة ذوى الاحتياجات الخاصة ودعوتهم إلى قضاء بعض الوقت معى فى جلسة جماعية بإحدى الحدائق المفتوحة.
جمال طلعت مؤسس المبادرة مع عدد من المتطوعين بها
بتشكك واجهت النساء وأسرها الدعوة فى البداية ولكن أول جلسة مع 5 من ذوى الاحتياجات الخاصة وتعليمهم حرفة يدوية كانت نتيجتها ألا يكف هاتف "جمال" عن الرن بعدها أبدًا، حيث نشر المشاركون فى الجلسة الأولى الدعوة بين معارفهم وأصدقائهم وتكررت الجلسات مرة بعد أخرى فى حدائق القاهرة المختلفة.
التعليم مش بس حرفة
استهدف "جمال" فى البداية تعليم النساء المعيلات من المطلقات والأرامل وذوى الاحتياجات الخاصة، وكان هذا التعليم مجانيًا للحرف المتنوعة، ولم يقتصر فقط على تعليم الحرف وإنما علم الأميين منهم الكتابة والقراءة كى لا يتعرضوا للنصب، وذلك بمساعدة واحدة من المتدربات فى الورشة والتى كانت تعمل مدرسة لغة عربية.
جانب من المعارض والفعاليات التى شاركت بها المبادرة
ويتابع: مع الوقت أصبح لدى فريق عمل كبير من المتطوعات يضم 200 سيدة، واخترت للمبادرة اسم "المصريين أولى" لأن المصريين أولى بالدولارات التى ننفقها على السلع المستوردة من الخارج، ولأننا أولى بالعمل والإنتاج بدلاً من أن نكون فقط شعب مستهلك.
المحارب القديم يخوض حربًا جديدة ضد "المستورد"
يقول "جمال": بسبب خلفيتى العسكرية أعرف جيدًا أن الغزو الصينى والمستورد للسوق المصرى ليس مجرد تجارة وإنما هى حرب على الهوية، فهم يصدرون لنا "التوك توك" ويجعلون الشباب يعملون عليه بينما شبابهم يعمل بالإنتاج والتصنيع ونظل نحن هكذا نستهلك وحسب، ويسرقون رموزنا الفرعونية ويصدرون لنا الأنتيكات والمنتجات ذات الشكل الفرعونى.
واحدة من المتدربات ومنتجاتها
لهذه الأسباب كان الهدف الأول لمبادرة "المصريون أولى" هو محاربة المستورد والصينى بشكل خاص ويقول لـ"اليوم السابع": "أطلقت حملة لوقف استيراد المنتجات ذات الأشكال الفرعونية من الصين، ونجحنا فعلاً فى ذلك، لتشجيع هؤلاء الذين تعلموا تصنيع الأنتيكات والهدايا الفرعونية على بيع منتجاتهم. الخطوة الثانية كانت بتعليم 3 آلاف سيدة تصنيع الفوانيس ثم إطلاق حملة لوقف استيرادها من الصين أيضًا".
يؤمن "جمال" بأنه بإمكان كل شخص أن ينشئ مصنعه فى بيته ويقول "لا يحتاج أكثر من متر فى متر للعمل، ويمكن لكل شخص أن يصبح منتجًا وأن تكون الأسرة كلها منتجة وفى الوقت نفسه هى فرصة لأن يتقارب أفراد الأسرة من بعضهم البعض من جديد".
"المصريون أولى" من المبادرة للمركز
جمال طلعت وواحدة من المتدربات ومنتجات من صنع يدها
بعد انتشار الفكرة ونجاحها طورها "جمال" من مبادرة تقدم خدماتها فى الحدائق العامة أو الخاصة إلى مركز فى منطقة امبابة يحمل الاسم نفسه "المصريين أولى"، ويقول "جمال" عن المركز: أنشأته ليكون مقرًا لإقامة الورش التدريبية وأحيانًا إقامة بعض المعارض، والمركز يقدم الخدمات بشكل مجانى تمامًا، ولا يتلقى تبرعات لا من أفراد ولا مجموعات، كل ما نطلبه هو أن يحضر المتدربون الخامات مرتفعة الثمن التى قد لا يمكننى تحمل تكلفة شرائها.
"المصريين أولى" من القاهرة للمحافظات
الفكرة التى انطلقت فى القاهرة انتشرت وذاع صيتها حتى وصل المحفاظات ويقول "جمال": يأتينى بعض من ذوى الاحتياجات الخاصة من بورسعيد خصيصًا حتى القاهرة ليتعلموا، وبدأ الناس فى المحافظات يطالبوننى بتعليمهم كما أفعل فى المحافظات فبدأت أتنقل إليهم مع جزء من فريق العمل لإقامة ورش مجانية لتعليم الحرف المختلفة فى محافظات الشرقية وكفر الشيخ وكان آخرها فى الفيوم، ولكن فى المحافظات تكون الأولوية لذوى الاحتياجات الخاصة، والنساء المعيلات من أرامل ومطلقات، أما الأصحاء من الرجال والنساء غير المعيلات بإمكانهم الالتحاق بالمركز فى إمبابة، بشكل مجانى أيضًا.
من المحافظات إلى "النمور الأفريقية"
إلى الآن نجحت المبادرة فى تعليم ما يقرب من 30 ألف شخص حرف يدوية، وتساعدهم فى تسويق منتجاتهم من خلال معارض مختلفة يشاركون بها بشكل مجانى كان أخرها معرض أقيم أمام بيت القاضى فى مصر القديمة بهدف تعريف التجار فى خان الخليلى على النساء اللائى تعلمن حرف مختلفة من خلال المبادرة، ويقول "جمال": أحضرنا 5 فرق موسيقية لجذب الأنظار والزوار وتم عرض منتجات النساء المشاركات فى المبادرة ليتعرف التجار على منتجاتهن ويشترون منهن بدلاً من أن يشتروا المستورد.
جمال طلعت مع واحدة من المتدربات السودانيات
ولكن أحلام "جمال" لا تتوقف عند هذا الحد وإنما يأمل أن ينطلق من مصر كيان موازٍ لمجموعة "النمور الآسيوية" باسم "النمور الأفريقية" وبدأ بالفعل أولى الخطوات نحو ذلك ويحكى: "تواصلت مع لجنة المرأة الأفريقية وأقمت ورشا لتعليم النساء الأفارقة فى مصر، اللائى يتمركزن بشكل خاص فى مدينة نصر والمعادى، واللائى لا يجدن فرص عمل مناسبة ومنهن الكثير من اللاجئات اللائى نجح أزواجهن فى الهجرة إلى دول أخرى وبقين هن فى مصر، وبمجرد أن نظمنا أول ورشة تواصل معى مسئولون من السودان وأرسلوا لى بشكل رسمى 25 شخصًا من ذوى الاحتياجات الخاصة فى السودان لتعليمهم الحرف اليدوية".
مجموعة من المتدربات من النساء وذوى الاحتياجات الخاصة
واحدة من المتدربات فى المركز والحقيبة التى صنعتها بنفسها
واحدة من المتدربات والشنطة التى صنعتها بنفسها
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
وفقك الله
بارك الله فيكم و وفقكم فمجهودكم مشكور و اتمنى ان تساعده وزارة التضامن و رجال الأعمال و أجهزة الإعلام