شكلت معركة حلب تحولا كبيرا فى الصراع العسكرى المسلح على الأراضى السورية عقب حسم الجيش السورى المعركة لصالحه، وهو ما أدى لانهيار كبير فى صفوف المعارضة المسلحة، وضعفها بشكل كامل على الأرض، مما دفع الجانب الروسى للتحرك بشكل عاجل لإقرار اتفاقات خفض تصعيد ووقف إطلاق نار فى سوريا كبداية للدفع نحو الحل السياسى للأزمة.
الرئيس السيسى
وفى هذا الصدد تحركت موسكو بشكل كبير على مستوى وزير خارجيتها سيرجى لافروف لعقد أول لقاء بين المعارضة المسلحة والنظام السورى بمشاركة إيرانية وتركية وغياب عربى كامل، وذلك لتعزيز الهدن فى سوريا وبمشاركة قادة عسكريين ميدانيين للمعارضة السورية وحضور لوزير خارجية سوريا بشار الجعفرى.
وعلى مدار الأشهر الماضية نجحت أستانة التى عقدت على مدار 6 جولات فى إقرار عدد من مناطق خفض التصعيد فى سوريا، انتقد عدد من المراقبين بعضها لأنها قائمة على التهجير القسرى للمواطنين السوريين وهى الصفقة التى أبرمت سرا بين إيران وحزب الله وقطر ولم تعارضها "أستانة"، وبدأت موسكو تعمل على توسيع عملها داخل سوريا ميدانيا بعملية المصالحة وهو التحرك الذى أعطى زخما كبيرا لسوريا.
الزخم الكبير الذى شهدته أستانة على مدار الأشهر الماضية دفع المبعوث الأممى إلى سوريا ستيفان ديمستورا للتحرك بشكل متزامن فى جنيف عقب الإعلان عن أى جولات جديدة لمفاوضات أستانة كى لا تسحب العاصمة الكازاخية الدور، الذى تقوم به الأمم المتحدة لصالحها، وهو ما يتضح فى تنظيم جولات لجنيف عقب أى مفاوضات فى أستانة.
أدركت الدولة المصرية خطورة حل الأزمة السورية بعيدا عن الحضن العربى وضرورة أن يكون للدول العربية دور كبير داخل سوريا، والتحرك بشكل عاجل لإنقاذ البلاد من الأطماع الإقليمية والدولية التى تسعى لتقسيم الدولة السورية لصالح أجندات خبيثة ومشاريع طائفية تهدد أمن واستقرار ووحدة الأراضى السورية.
وكثفت القاهرة اتصالاتها خلال الأشهر الماضية مع الأطراف الفاعلة فى سوريا لوقف نزيف الدم السورى والدفع نحو عملية سياسية شاملة على أساس القرارات الدولية وتحديدا القرار 2254، ونجحت القاهرة فى إدخال عدد من المساعدات الإنسانية والغذائية للسوريين حتى تكلل التحرك المصرى بنجاح كبير بالإعلان عن وساطة مصرية فى اتفاقى التصعيد بريف حمص الشمالى والغوطة الشرقية.
استانة
وتمهد التحركات المصرية لحلحلة الصراع العسكرى فى سوريا لوقف نزيف الدم السورى والدفع نحو الحل السياسى وإعادة الزخم العربى داخل دمشق وإفشال أى مشروعات إقليمية تهدف لرسم خارطة سوريا على أساس طائفى أو حزبى.
وقال مسئول الهيئة السياسية فى جيش الإسلام السورى محمد علوش، إنه تم التوافق على عقد اتفاق جديد لخفض التصعيد فى منطقة جديدة مهددة بالتهجير القسرى جنوب العاصمة السورية دمشق، وتحديدا فى حى القدم.
وكشف "علوش" عن تدخل وتعهد مصرى بانفراجة فى فك الحصار عن الغوطة الشرقية لإدخال المساعدات بكميات كافية من أجل تخفيف المعاناة فى المنطقة، إضافة لتكفل القاهرة بعدم السماح بتهجير قسرى جنوب العاصمة دمشق، متوجها بالشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى لرعايته الاتفاق ودور المسئولين المصريين فى تيسير إنجازه.
والملاحظ لما يجرى من تحركات مصرية يجد نجاح المسئولين المصريين عن الملف السورى فى إحداث توازن بين القاهرة وأستانة فى اتفاقيات خفض التصعيد التى يتم الإعلان عنها، وهو ما يفسر وجود تحرك أكبر للدولة المصرية فى الملف السورى لحل الأزمة والدفع نحو وقف الحرب، التى دمرت البلاد وإيجاد حل سياسى يرضى جميع الأطراف ويحقق آمال وطموحات الشعب السورى فى العيش والحرية والكرامة ويحفظ أركان الدولة الوطنية.
يذكر أن التحرك الروسى لاختيار أستانة عاصمة كازاخستان مكاناً للمحادثات السورية برعاية روسية تركية يرجع لعدة أسباب وأبرزها أنها دولة صديقة لتركيا وروسيا على حد سواء، ولعبت دورا هاماً لرأب الصدع فى العلاقات التركية الروسية بعد إسقاط الجيش التركى للمقاتلة الروسية قرب الحدود السورية.
وتعتبر كازاخستان قريبة جغرافيا من تركيا والشرق الأوسط، لكن بنفس الوقت يهمين عليها النفوذ الروى وكانت فى ما مضى جزءا من الإمبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفيتى بعد ذلك.
وأستانة بعيدة عن جنيف وباريس والعواصم الأوروبية التى استضافت غالبية الاجتماعات والمحادثات بشأن الصراع السور عندما كانت الولايات المتحدة تلعب الدور الرئيسى.
ومع دخول القاهرة التى تمتلك من الرصيد الحضارى الكبير والحاضنة الأم للدول العربية سيحدث نوع من التحول من قبل الأطراف السورية لتفضيل إبرام أو الإعلان عن أى إتفاق هدنة فى سوريا من قلب القاهرة باعتبارها الدولة الإقليمية الأبرز، إضافة لكونها أكبر وأهم دولة عربية فى منطقة الشرق الأوسط مع تنوع وتشعب علاقاتها مع دول الإقليم والعالم وكونها مركز للقرار العربى ولا سيما مع تواجد الجامعة العربية فى العاصمة المصرية.
الحرب في سوريا
النجاح الذى حققته الدولة المصرية يأتى بعد الفشل الكبير من قبل الدول العربية فى دفع بشار الأسد نحو الحل السياسى، وتخلى العرب عن سوريا بسحب السفراء العرب من دمشق وهى ورقة سياسية مهمة كانت بمثابة أداة ضغط على النظام السورى للقبول بالحل السياسى منذ بداية الأزمة والجلوس على طاولة المفاوضات لكن "أن تأتى متأخرا خيرا من ألا تأتى".