بتفجير مروع، لفظت الصحفية الاستقصائية المالطية دافنه كاروانا جاليزيا أنفاسها مساء أمس، بعد عام وبضعة أشهر على مشاركتها فى كشف فضيحة "وثائق بنما" الشهيرة، التى اشتملت على 11.5 مليون وثيقة سرية كشفت تفاصيل وكواليس العالم السرى للفساد العابر للقارات وأثبتت تورط مسئولين من عدة دول فى الشرق الأوسط وأوروبا فى جرائم نصب واحتيال وفساد سياسى.
ولا يزال الغموض يكتنف ملابسات الحادث المروع ، والذى تم عبر استهداف سيارة جاليزيا بآخرى مفخخة ، والذى يصفه كثيراً من المراقبون بأنه "قتل سياسى" وبدوافع انتقامية بعد مشاركتها فى التحقيق الاستقصائى الأشهر فى عالم الصحافة.
ووصفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية دافنه بأنها "أفضل صحفية استقصائية" فى الجزيرة المالطية، وقالت إن سيارة مفخخة أدت إلى مقتل المدونة الشهيرة - بعد أن تسببت فى انفجار سيارتها- مشيرة إلى أنها كتبت فى آخر منشور على مدونتها واسعة الانتشار قبل مغادرتها منزلها فى مدينة "موستا" القريبة من العاصمة، أمس الاثنين لتلقى حتفها: "المحتالون موجودون أينما نظرت الآن، الوضع أصبح بائسا".
سيارة دافنه بعد الحادث
وأدان رئيس الوزراء جوزيف موسكات خلال مؤتمر صحفى الجريمة باعتبارها عملا "همجيا"، معتبرا الحادث "يوما أسود لديمقراطيتنا ولحرية التعبير"، وكانت جاليزيا قد ساهمت فى كشف الكثير من الفضائح فى الجزيرة المتوسطية الصغيرة، أصغر أعضاء دول الاتحاد الأوروبى.
وأعلن رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أن المدونة البارزة دافنة كاروانا جاليزيا التى اتهمت الحكومة اليسارية بالفساد، قد لقيت حتفها بانفجار سيارة مفخخة الاثنين، وأصدر أوامر لأجهزة الأمن بتخصيص أكبر قدر من الموارد لتقديم المسئولين عن الجريمة إلى العدالة.
وقال: "ما حدث اليوم غير مقبول على مختلف المستويات، إنه يوم أسود لديمقراطيتنا ولحرية التعبير، لن أشعر بالارتياح حتى يتم تحقيق العدالة".
ويأتى مقتل جاليزيا بعد أربعة أشهر من فوز حزب العمل بزعامة موسكات فى الانتخابات العامة التى دعا إليها فى وقت مبكر نتيجة سلسلة من الفضائح هزت الأوساط المقربة منه التى ركزت عليها اتهامات المدونة.
وكان موسكات، وهو رئيس لمجلس الوزراء منذ عام 2013، قد قرر التوجه إلى الانتخابات العام السابق بعد بروز اسم زوجته فى إحدى قضايا الفساد الناجمة عن تسريبات ما يسمى بـ"أوراق بنما".
وقد نفى دائما ارتكاب مخالفات، ووعد بتقديم استقالته إذا ظهرت أدلة على أن أسرته لديها حسابات مصرفية سرية تستخدم للرشى، كما اتهمته جاليزيا.
يشار إلى أن المدونة ساهمت بكفاءة في كشف الفضائح السابقة فى الجزيرة، وأشارت "الإندبندنت" إلى أن الآلاف توجهوا إلى الشوارع مساء أمس حاملين الشموع لتأبين جاليزيا.
وقال زعيم المعارضة أدريان دليا إن وفاتها تمثل "انهيار سيادة القانون" فى مالطا، واصفا موتها بأنه "قتل سياسى".
وأضاف: ما حدث اليوم ليس قتلا عاديا، بل نتيجة لانهيار سيادة القانون المستمر منذ أربعة أعوام، مضيفا "لن نقبل التحقيقات التى يجريها مفوض الشرطة، أو قائد الجيش أو القاضى، لأن جميعهم كانوا فى صلب انتقادات دافنة".
فيما طالب زوجها، بيتر جاليزيا باستثناء القاضى سكيرى هيريرا من التحقيق فى مقتلها بسبب خلافه مع الصحفية.
وأشارت الصحيفة إلى أن تقارير دافنه المتعمقة أكسبتها العديد من الأعداء، بما في ذلك رئيس الوزراء والسياسيين المعارضين وأعضاء السلطة القضائية.
بدورها، وصفت مجلة "بوليتكو" الصحفية المالطية بأنها أشبه موقع ويكليكس ولكن فى هيئة امرأة، فضلا عن أن مدونتها كانت تحظى بنسبة قراءة أكبر من جميع الصحف الأخرى في مالطا مجتمعة.
ويشار إلى أن وثائق بنما هى وثائق سرية تم تسريبها ويصل عددها إلى 11.5 مليون وثيقة سرية لشركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية في بنما التي تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذاً ضريبياً مغرياً. وكشف عمل صحفي استقصائي أن الشركة تقدم خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤوس دول وشخصيات عامة وسياسية أخرى حول العالم، بالإضافة إلى أشخاص بارزين في الأعمال والشؤون المالية والرياضية.
يُزعم أن مكتب موساك فونسيكا ساعد رؤساء دول وشخصيات بارزة أخرى في التهرب الضريبي بإنشاء ملاجئ ضريبية غير قانونية في الأغلب.وطالت الفضيحة عدد من الأثرياء والمشاهير والشخصيات النافذة حول العالم.
وكان أول من أزاح الستار عن الوثائق السرية صحيفة زود دويتشي تسايتونج الألمانية والتى حصلت عليها من مصدر مجهول، وتعود لشركة موساك فونيسكا، الرائدة فى مجال الخدمات القانونية على مستوى العالم، ومقرّها فى بنما.