قال الدكتور أحمد عطية وزير الأوقاف والإرشاد اليمنى إن الفتوى مرسوم دينى فى شريعة الإسلام، يقوم بإصدارها علماء الفقه والشريعة حسب الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويصور الإمام الشاطبى رحمه الله مكانة المفتى أدق تصوير بقوله: "المفتى هو القائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم".
وأضاف، فى كلمته بالجلسة الأولى باليوم الثانى لمؤتمر دور وهيئات الإفتاء فى العالم والمنعقد بعنوان "دور الفتوى فى استقرار المجتمعات"، حيث تنعقد الجلسة بعنوان "الفتاوى الشاذة وأثرها السلبى على الاستقرار"، ولمَّا كان للفتوى هيبتها القدسية ومكانتها العظيمة، فقد لزم ألا يتصدر للاشتغال بها إلا من كان أهل لها صفةً وخُلقًا وعلمًا ودراية، والمتصدرون للفتوى قليل على الجملة، وهم نوادر العلماء الأبرار وأعدادٌ من المجتهدين الأخيار، قد شربوا من مناهل المعرفة معظم ما صُنفَ وكُتبَ فى الغابر والحاضر، واستوعبت عقولهم تجارب الأمس واليوم، واستشرفوا بتقدير حكمتهم مسائل الغد والمستقبل.
وتابع وللمفتى صفات وشروط ينبغى ألا تتناقص أو تغيب فهى وكما أَصَّلَ لها علماؤنا فى القديم والحديث من كون المفتى مسلمًا مؤمنًا تقيًّا ورعًا فلا بد أن يتصف بالعدل، وأن يكون ثقةً أمينًا متنزهًا عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيهُ النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط، قوى الضبط ومستيقظ الشعور.
وأضاف ومما يؤسفُ له أن تصبح الفتوى كلأ مباحًا لكل جائع وشارد، ولكل عصابة مارقة امتهنت الفتوى لتقتات بها على دماء الأبرياء فتشرع للجرائم وتؤصل للعنف وتُقَنِّن للإرهاب وتُنَظِّر للتطرف، فويلٌ لهؤلاء وهم -باسم الله- يسفكون الدماء وينتهكون الحرمات ويعتدون على الحقوق والممتلكات، ويروعون الآمنين ويثيرون الفتن ويشعلون الحروب، ويقولون على الله ما لا يعلمون: {قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡى بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ}، والله ورسوله وشريعة الإسلام بريؤون مما يرتكبه هؤلاء من فسقٍ، وما تخطه أيديهم من فتاوى وأحكام، وما تَلُوكُه ألسنتهم من افتراءٍ وأباطيل.
وشدد على أن ضبط الفتوى وتنظيمها أصبح واجب الوقت ومهمة العقلاء والربانيين من علماء ودعاة وقادة مخلصين، فالفتوى ليست سوطًا مُسلطًا على الرقاب والأعناق، وهى كذلك ليست صكوك عفو وغفران للمتلاعبين والعابثين بالمبادئ والقيم، لهذ كان من أوجب الواجبات إعادة الاعتبار للفتوى ابتداءً باقتصارها على أهلها الشرعيين، ثم تطوير وظائفها من خلال اعتماد الهيئات والمؤسسات الخاصة بها، وإعداد الدراسات والبحوث المطورة لها، وعقد المؤتمرات والملتقيات والندوات المنظمة لشئونها على المستوى القُطْرى والإقليمى والدولى.
ومِن رد الاعتبار للفتوى أن تخصص لها منابر وقنوات ومواقع معتبرة تليق بوظيفتها وتُناسب مقامها، ويتفرغ لنقلها والتوسط بينها وبين جمهورها إعلاميون محترفون يتميزون بحسن الخُلق وسحر البيان، وعلى العلماء ورجال الثقافة والإعلام وأصحاب الكلمة والتأثير أن يصنعوا هيبة الفتوى فى القلوب والضمائر، وأن لا يسمحوا لغير أهلها بالاشتغال بها صيانةً لجوهرها وحرصًا على قداستها.
وأصبح من الواجبات المهمة على الحكومات والوزارات الخاصة بالشئون الإسلامية والمجامع الفقهية والجامعات والمنظمات والهيئات الشرعية ودور الفتوى أن تواصل لقاءها وتناقش موضوع الفتوى وتخرج برؤيا واضحة وقرارات شاملة، فتكون بذلك قد قدمت خدمة جليلة للإسلام وسدت منافذ التعدى والاعتداء.
لقد آن لفوضى الفتاوى أن تتوقف وآن للمتصدرين لها أن يتقوا الله فى شعوب قد أعياها التعب وأنهكها القتل والتشريد والحرب، آن لخوارج العصر أن يعتبروا بما حل بالأمة فى القديم والحديث جراء الفتاوى الخاطئة والمنبثقة عن رغبة الانتقام والتسلط، لقد حان الوقت أن تمسح أمتنا عن جبينها غبار الزمن وضبابية الفتوى، وتسوى خلافاتها مع فكرها وتصوراتها، وتحزم أمرها، وتسند فتاواها إلى أهلها الشرعيين من أصحاب الدين والعقل والحكمة.