أكد الدكتور محمد عبد اللطيف، مساعد وزير الآثار ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن المؤسسة العسكرية المصرية على مر التاريخ تعد مثالا للنظام والانضباط والبسالة والفداء، مشيرا إلى أن مصر طوال العصر الإسلامى خاضت كثيرا من المعارك الضارية والملاحم العظيمة فى البر والبحر.
واستعرض عبداللطيف، خلال محاضرة ألقاها بكلية الآثار جامعة القاهرة تحت عنوان "الجيش المصرى أمجاد وبطولات 21-923 هـ / 641- 1517م"، وذلك فى إطار الاحتفالات بذكرى انتصارات أكتوبر - التاريخ والآثار العسكرية المصرية فى العصر الإسلامى، موضحا أنه كان لقائد الجيش المصرى ألقاب عديدة، منها أمير الجيوش، ورئيس الرؤساء وأتابك العسكر، إلى جانب رتب قيادية أخرى فى الجيش غير القائد، مثل العريف الذى كان مسئولا عن 10 جنود، والنقيب الذى كان يشرف على 10 عرفاء، وأمير الكردوس وهو المشرف والمسئول عن 10 من النقباء أى عن ألف مقاتل.
وقال "عبد اللطيف"، إن الجيش المصرى على الرغم من أنه كان فى طور التكوين على النسق الإسلامى بعد إتمام الفتح الإسلامى لمصر، إلا أن تاريخه لم يخل من معركة حاسمة ومجد ساطع كتبته المصادر والمراجع الأوروبية قبل العربية بأحرف من نور، وذلك اعترافا منها بقوة وشجاعة وبسالة هذا الجيش وأبطاله وقواده منذ خطواته الأولى فى العصر الإسلامى ليكون امتدادا للتاريخ المجيد لهذا الجيش فى العصور السابقة.
وأضاف أنه عندما حكم أحمد بن طولون مصر اهتم الطولونيون بالجيش والبحرية اهتماما كبيرا للمحافظة على استقلالهم، أما بالنسبة للعصر الإخشيدى فيقال إن جيش مصر كان أعظم جيوش عصره فى ذلك الوقت، وبعد دخول الفاطميين إلى مصر بدأ اهتمامهم بإنشاء جيش كبير تميز بتطوير الأسلحة وصناعتها مثل الأسلحة الكيماوية بالمواد المشتعلة والملتهبة فوجد به قدور خزفية فى حجم وشكل ثمرة الرمان أو (الكمثرى) وتعرف بقوارير أو جلل النفط، والتى أمدتنا الحفائر الأثرية بكميات هائلة منها محفوظة حاليا فى غالبية متاحف مصر وبصفة خاصة متحف بورسعيد القومى، كما جعلوا بالجيش فرقة خاصة للرمى به عرفت بالنفاطين أو الزراقين كانت تتخذ ملابسا خاصة لا تؤثر فيها النيران.
وتابع عبداللطيف "إنه بعد ظهور الدولة الأيوبية على يد مؤسسها صلاح الدين الأيوبى، بدأ عصر جديد فى مصر من الجهاد والكفاح المسلح برا وبحرا ضد الحملات الصليبية التى تسترت تحت عباءة الدين فى غزو بلاد المشرق الإسلامى، وكان جيش مصر وأسطولها لكل هذه الحملات بالمرصاد فباءت جميعها بالفشل.. وكشفت عن قوة العزيمة والإيمان وصلابة الجيش والأسطول المصرى مما يثبت أن مصر هى دائماً درع العروبة والإسلام".
وأوضح أن صلاح الدين أعاد تنظيم الجيش الأيوبى عدة مرات، ففى سنة 577 هـ/ 1181م بلغت عدة الجيش الأيوبى فى مصر 8240 فارسا، منهم 111 أميرا وفارسا و1153 جنديا عاديا، ووصلت النفقة على هؤلاء إلى 3 ملايين و670 ألفا و600 دينار.
وبالنسبة للجيش فى العصر المملوكى، فأكد مساعد وزير الآثار أنه نجح فى طرد الصليبيين نهائيا من بلاد الشام وأنزل الهزيمة بالتتار فى عين جالوت ووقف بالمرصاد لكل محاولة من جانبهم للعدوان على الشام ودمر مملكة أرمينية الصغرى، وغزا بلاد النوبة وأخضع مملكتها، لافتا إلى أنه من البديهى أن جيشا من الجيوش لا يستطيع تحقيق هذه المكاسب الضخمة إلا إذا توفرت له من الإمكانيات وحسن النظام ودقة التدريب ما ساعده على ذلك.
وعن الأسطول المصرى فى التاريخ الإسلامى، قال الدكتور محمد عبداللطيف "إن مصر ساهمت بنصيب وافر فى إنشاء الأساطيل الإسلامية الأولى وكانت الصناعة موجودة فى جزيرة الروضة وفى القلزم (السويس حاليا) وفى الإسكندرية، ولم يقتصر نشاط المصريين على إعداد الأسطول المصرى بل كان حاكم مصر يرسل بعض الملاحين المصريين للعمل فى أسطول المغرب أو أسطول المشرق والمساهمة فى المشروعات البحرية العامة للدولة الإسلامية".
وأضاف أن المصريين كان لهم الفضل الأكبر فى عظمة الدولة الإسلامية البحرية إذ كانت الخلافة تعتمد عليهم فى إنشاء أسطولها الحربى، موضحا أن صناعة السفن الحربية فى مصر كانت نوع كبير الحجم يسمى (البوارج) وتسع السفينة منها ألف رجل، ونوع صغير يسمى (الطرادات) وكانت الواحدة منها تسع 100 رجل، كما كانت مهمتها السير السريع والمناورة حول السفن الكبرى.
وأوضح أن الخلافة العباسية لم تتردد فى طلب مساعدة الأسطول المصرى فى العصر الطولونى، وذلك للدفاع عن حدودها المجاورة للدولة الرومانية، ومع زيادة قوة وفخامة الأسطول المصرى فى ذلك العصر بدأ إمبراطور الروم يحاول خطب الود مع بن طولون ويطلب مهادنته بل أنه أرسل وفداً سنة 265هـ/878م يطلب عقد الصلح بين الدولتين.
وبالنسبة للاسطول المصرى فى العصر الفاطمى، أشار إلى أن الخليفة الفاطمى المعز لدين الله بفضل الأسطول المصرى تمكن من صيانة كيان الدولة الإسلامية عامة والمحافظة على النفوذ العربى فى شرق البحر المتوسط خاصة، مؤكدا أن الجيش والأسطول المصرى كان لهما الفضل الأكبر فى توطيد دعائم الدولة الفاطمية وأصبحت مصر تتبوأ مركز الصدارة فى العالم الإسلامى.
وأضاف أنه عند انتقال السلطة إلى صلاح الدين خص الأسطول المصرى بكامل عنايته وأفرد له ديوانا خاصا أسماه ديوان الأسطول وقرر له ميزانية خاصة، وبفضل هذه الإمكانيات أصبح الأسطول المصرى منذ سنة 575 هـ/ 1179م قوة ضاربة قوامها 80 قطعة.. وقد أثبت الأسطول المصرى فى ذلك العصر وجوده فى البحرين المتوسط والأحمر.
أما فى العصر المملوكى، فأكد الدكتور عبداللطيف أن الأسطول المصرى كان له دور كبير فى مساندة القوات البرية التى قامت بتطهير بلاد الشام من آخر البقايا الصليبية، وخاصة أن هذه البقايا الكبرى هى أنطاكية وطرابلس وعكا، وكانت جميعها موانئ بحرية، موضحا أنه كان هناك تطوير للأسلحة.. مشيرا إلى أن أبلغ مثال على ذلك ما عرف عن وجود سفن حربية متطورة فى الأسطول المصرى، مثل طراز سفن (الغليون)، وهى أرقى ما وصلت إليه السفن الحربية فى ذلك العصر، وهى عبارة عن سفينة ذات أربعة صوارى وتحتوى على ساحتين للقتال فى المقدمة والمؤخرة.
وعرض الدكتور عبداللطيف إلى أهم وأشهر الآثار العسكرية المصرية الباقية، ومنها مئذنة الطابية، وهى تقع فى أطراف مدينة أسوان فوق ربوة عالية، وهى صالحة تماما لأداء مهمة مزدوجة فكانت تستخدم للأذان والصلاة كما كانت تصلح للرقابة والتحذير بالإشارات، فضلا عن الأسوار والبوابات الدفاعية لمدينة القاهرة حيث كان يوجد بسور القاهرة الفاطمى 8 أبواب بقى منها ثلاثة هى (باب الفتوح، وباب النصرفى الشمال، وباب زويلة فى الجنوب)، بالإضافة إلى قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة، وقلعة الجندى بوسط سيناء، وقلعة صلاح الدين فى خليج العقبة، وتحتوى هذه القلعة على سور خارجى يدور حول الجزيرة من الخارج، ويضم 12 برجا دفاعيا، إلى جانب قلعتى قايتباى الكبرى بالإسكندرية، والصغرى بمدينة رشيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة