أعلن مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، اعتزامه زيارة مصر وإسرائيل أواخر ديسمبر المقبل، فى إعلان تلحق به الكثير من علامات الاستفهام بشأن حقيقة الوضع داخل البيت الأبيض والدور المتنامى الذى يحظى به بينس فى الإدارة الأمريكية.
غير المتابعين للشأن الأمريكى ربما ينظرون إلى الأمر بشكل اعتيادى باعتبار بينس نائبا لترامب ويمكن أن ينوب عنه فى أى زيارة خارجية، غير أن الواقع الذى تتحدث عنه الكثير من الصحف والإعلام الأمريكى، يقول إن بينس وهو سياسى مخضرم، يتزايد نفوذه داخل البيت الأبيض، فضلا عن حظوظه فى الرئاسة خلفا للرئيس الحالى الذى تطارده الكثير من دعوات ومحاولات العزل.
مايك بنيس وسط عدد من الجنود الأمريكيين
إعلان بينس بنفسه عن زيارته إلى مصر دون بيان رسمى من البيت الأبيض، لا يمكن فصله عن تحركات سابقة وشعبية متزايدة يحظى بها النائب المحافظ. فعلى الصعيد الداخلى قام بجهود كبيرة تجاه ضحايا إعصار هارفى المدمر، الذى ضرب ولاية تكساس الأمريكية الشهر الماضى، حيث حظيت مواساته الواسعة وتحركاته البارزة بتركيز الصحافة الأمريكية وقتها التى قارنته بتقاعس الرئيس نفسه.
وعلقت صحيفة "واشنطن بوست"، فى افتتاحيتها فى ذلك الحين على عناق بينس لضحايا إعصار هارفى ومواساته الواسعة لمن امتلئت أعينهم بالدموع. فضلا عن أنه قام بالصلاة معهم وقيامه بنفسه بالمساعدة فى إزاحة بعض الحطام بعيدا عن منزل محمول أبيض تعرض للدمار، وهى التحركات التى كان يتوجب على ترامب القيام بها وليس نائبه.
ترامب ونائبه مايك بينس
ورأت الصحيفة وقتها، أن بينس قام بما فعله رؤساء أمريكيون سابقون فى وقت الكوارث، لكن الواقع أن ذلك الرجل الذى ارتدى الجينز وقضى، أياما، مع ضحايا الإعصار جنوب تكساس كان نائب الرئيس وليس الرئيس ترامب نفسه. وقد أظهرت صور رحلة بينس إلى تكساس تباينا واضحا بين ترامب الذى تعرض لانتقادات من الحزبين لأنه فشل فى التعاطف مع المتضررين من العاصفة المدمرة والرجل رقم 2 فى البيت الأبيض، الذى قضى الأسبوع كله فى القيام بواجبات الإغاثة.
وأشارت "واشنطن بوست"، إلى أن إعصار هارفى سلط ضوءا غير مريح مرة أخرى على بينس، مؤكدا على التوازن الدقيق الذى يجب على نائب الرئيس إدارته فى دعم وإكمال مهام الرئيس مع عدم طغيان أضواءه على الرئيس.
وعلى الصعيد الدبلوماسى الخارجى يتسع نفوذ بينس بقوة، فقبل أسبوعين ذهب نائب الرئيس الأمريكى للمشاركة فى الجولة الثانية من الحوار الاقتصادى الأمريكى اليابانى مع نائب رئيس الوزراء اليابانى تارو أسو، وهو الحدث الذى من المفترض أن يشارك فيه ترامب بنفسه. وهو ما دفع الصحفيين فى واشنطن للتساؤل عن سبب تراجع العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى نائب الرئيس.
جانب من الاحتجاجات المناهضة لترامب داخل الولايات المتحدة
وتشير مجلة "فورين بوليسى"، إلى أن الأمر يصل إلى قضايا خطيرة من السياسة الخارجية. فى أبريل الماضى، قام بينس بجولة فى آسيا لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة غير المستقرين على التزام بلاده نحو أمنهم، وقد اضطر وقتها أيضا إلى قطع رحلته ليعود إلى واشنطن للتعامل مع التهديد بإغلاق حكومى بسبب خلاف حول الميزانية والإصلاح الضريبى.
وخلال صيف هذا العام، جاب بينس دول أوروبا الشرقية ليطمئن الحلفاء، وهو الأسبوع نفسه الذى تواترت فيه الكثير من الشائعات عن حملة لبينس فى ظل الترشح للانتخابات الرئاسية 2020. وفى هذا الصيف أيضا، قام بينس بجولة فى أمريكا الجنوبية بعد فترة وجيزة من تهديد ترامب باستخدام خيار عسكرى للتعامل مع فنزويلا.
وتشير تقارير صحفية أمريكية، إلى أنه ليس فقط خارج الولايات المتحدة يجد بعض الدبلوماسيين أن بينس أكثر سهولة ومعرفة سياسية من ترامب، فحتى الدبلوماسيون داخل واشنطن، ممن يرون أن ترامب شخص غير متوقع، يتجه بعضهم إلى نائب الرئيس. فبحسب فورين بوليسى فأن مكتب بينس هو المكان الأول الذى تلجأ إليه بعض الحكومات الأجنبية فى تعاملها مع الإدارة الأمريكية.
ونقلت المجلة عن كولين شونك، نائب المتحدث باسم السفارة الكندية فى واشنطن العاصمة، "لقد كانت تجربتنا فى العمل مع مكتب نائب الرئيس مهنية للغاية. وقال "سنبقى على اتصال منتظم حول القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وأشار إلى لقاء رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو مع بينس، يوليو الماضى، فى اجتماع "جمعية الحاكم الوطنى" فى رود آيلاند، حيث ناقشوا القضايا الرئيسية مثل نافتا.
وبالمثل أشاد لورى ليبيك سفير استونيا فى واشنطن، بالتعامل مع بينس قائلا: "إن الرسائل التى أحصل عليها من المبنى التنفيذى القديم واضحة ولا لبس فيها". وأضاف " قام نائب الرئيس بينس بزيارة إلى استونيا فى وقت سابق من هذا العام، ومن الطبيعى أن تكون لدينا علاقة وثيقة ومثمرة جدا مع مكتبه".
ومع دعوات عزل ترامب المتزايدة، واحتمالات عدم استكماله مدته الرئاسية الأولى، يؤكد مراقبون أن قرار بينس بزيارة مصر يعكس بما لا يدع مجالا للشك حرص الولايات المتحدة على علاقتها مع القاهرة ونظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى حال استمرار ترامب داخل البيت الأبيض أم لا.
ترامب والسيسي فى ثانى لقاء يجمع بينهما
كل ما سبق من إشادات داخلية وخارجية ببينس لا يمكن فصله عن دعوات واسعة لعزل ترامب فى ظل الكثير من التجاوزات وخاصة ما يتعلق بعلاقة حملته الانتخابية بروسيا والتنسيق مع الكرملين ضد منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، فيما يعرف بملف التدخل الروسى، الذى يجرى التحقيق فيه على ثلاث مستويات.
وكان الكاتب الأمريكى روس دوست، أشار فى مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن المادة 25 من الدستور الأمريكى، هى الأنسب بحيث يتم عزل الرئيس وتنصيب نائبه رئيسا للولايات المتحدة، وهذا الإجراء يتم إذا اتفقت نصف الحكومة والنائب أن الرئيس لا يصلح للإدارة وغير قادر على القيام بمهام منصبه، مع الحصول على موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس، وهو الأمر الذى لن يواجه تحقيقه صعوبة أو تململ من قبل نواب الكونجرس الجمهوريين، نظرا لأن نصف الحكومة الجمهورية ترى أن الرئيس غير صالح.
وفى هذه الحالة ينص الدستور على أن يتولى نائب الرئيس صلاحيات ومهام منصب الرئيس بالوكالة. وتقول مجلة "صالون" الأمريكية، إنه على الرغم من صعوبة هذه الخطوة من قبل أعضاء الكونجرس الجمهوريين والإدارة الأمريكية، فأنه ليس من الصعب تصور أن الكثير منهم بالتأكيد يفضلون مايك بينس خاصة أنه يتمتع بالخبرة والحنكة السياسية التى لن تجعله يقدم على اتخاذ قرارات دون دراسة.