خالد عزب يكتب: خيالات الشرق كتاب كاشف لحقيقة الخديو إسماعيل

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017 10:00 م
خالد عزب يكتب: خيالات الشرق كتاب كاشف لحقيقة الخديو إسماعيل غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر عن العربى للنشر والتوزيع كتاب أثارنى فلم أتركه إلا وقد انتهيت منه، الكتاب  "خيالات الشرق" عبارة عن مذكرات أديب وصحفى برتغالى هو إيسادى كيروش وترجمة الدكتور السيد واصل، كان الكتاب عبارة عن يوميات زيارة إيسادى كيروش لمصر بمناسبة افتتاح قناة السويس، وهو يكشف بؤس مصر والمصريين فى ذلك العصر، قدم لنا المؤلف بورتريه عن الخديو إسماعيل كما يلى:

أما الوالى إسماعيل باشا فهو رجل قوى البنيان مهذب طيب النفس يشرب على الغذاء سبع زجاجات من "الميدوك"(وهو خمر فرنسى)، وهو يعشق المال ويعزف على البيانو مقطوعات موسيقية غربية، ويضىء شوارع القاهرة بمصابيح الغاز.

طرح المؤلف عدة أسئلة على مرافقة وهو مهندس شارك فى حفر قناة السويس فجاءت الأسئلة والإجابات على النحو التالي:

-    وماذا عن تلك الحضارة المصرية التى يتحدثون عنها فى أوروبا؟

-    "إنها حضارة أضواء الغاز فى الأزبكية ونوادى القمار فى الإسكندرية فإذا تأملت ودرست الخدمات العامة فى مصر فلن تجد فكرة طيبة ولا إجراء فعال ولا تشريع منطقي، فمصر متحضرة من حيث أنها تنفق من مالية الدولة فتبنى فى الأزبكية قصراً أبيض رتيباً على الطراز الإيطالى ثم تنفق عليه ستة ملايين، شئ رائع. وماذا عن السكرتارية؟ ترى الموائد اللامعة والسجاد الكبير يغطى السلالم والأرائك تأتى من باريس. وفى القاهرة والاسكندرية دأب أولاد كبار الموظفين والقناصل والبكوات على تدبير بعض الحلاقين المهرة والشماشرجية، من بيوت فى مارسيليا ثم يتم توظيفهم بمرتبات مهولة. كل ذلك لامع وبراق ولكن نظام الملكية هو نفس النظام والضرائب هى الضرائب وما زال الفلاح يخفى ماله ومازال الشيخ يُضرب بالعصا. ولا يظهر غير المبنى الذى يظهر أمام الأجانب لامعاً غير أنه لا شىء يحدث بداخله فلا يخط شئ بالقلم، والموظفون يتحدثون عن رقصات الجالية الفرنسية ويقرأون " مجلة صوت الإسكندرية" ويتحدثون عن عشيقة الباشا الجديدة وبعد العصر يخرجون للتنزه فى شبرا فى عربات صغيرة متسلطين متكئين والسيجار فى أيديهم والطربوش يميل على جانب. هذا وتحتوى الأوبرا على الراقصات والإسكندرية على نوادى القمار والقاهرة على الشقراوات، تلك هى الحضارة المصرية".

- ولكن أما من أحد يعترض؟

- مثل من؟

- الصحافة مثلاً؟

- إن المادة الأولى من الدستور تنص على أنه ممنوع منعاً باتاً مناقشة أو تحليل أعمال الحكومة بأى شكل من الأشكال وأنه ممنوع التعليق على تصرفات الموظفين. أستطيع أن أريك نص هذا القانون إنه من دستور 1863 الذى صاغه شريف باشا.

- إذن فشريف باشا ونوبار باشا رجلان ذكيان.

- ومتواطئان أيضاً، وطريقتهما هى أن يقبلا الحقائق ويستخدماها لصالحهما علاوة على أن إغضاب الوالى شيئ فظيع، فإن أى وزير أو باشا أو بيك غنى يتألق فى قصوره المليئة بالحريم والعربات والجوارى يمكن أن ينفى أعواماً طوال إلى الفيوم ولا يجرؤ أحد على مخاطبته أو مد يد العون له فيقام حوله نطاق من العزلة و كأنه موبوء. ومن يملك أن يعترض ؟ الأجانب؟ إنهم مستفيدون من الأوضاع.

أتود أن تعرف كيف يتصرفون فى الإسكندرية تحت حماية القنصليات؟

"يأتى فرنسى ليستأجر بيت من المصرى لكنه لا يدفع له الأجرة، فيحاول المصرى رفع شكواه ولابد من سؤاله فى حضرة القنصل، غير أن الفرنسى يؤجر البيت من الباطن ليونانى فيشتكى المصرى المسكين لله وبعد أن كانت قضيته تنظر أمام القنصل الفرنسى يضطر لتجديد الدعوة أمام القنصل اليوناني، وبينما هو كذلك يسرع اليونانى بتأجير البيت من الباطن لإيطالى فيضطر المالك المصرى اليائس الغارق فى المحاضر_ وقد فقد الأمل_ أن يتنازل عن القضية و أن يستنزل عليهم لعنات الله ثم يبدأ العملية من جديد أمام القنصل الإيطالى وعندئذ تكون القضية قد ذهبت للقنصل الإنجليزى ولك أن تتخيل ثمان عشرة قنصلية فى الإسكندرية"... ورغم حززنا لذلك إلا أننا ضحكنا.

واستمر المهندس قائلاً:

-  وفى ظل النظام المصرى ووضع الفلاح الراهن والعادات والأعراف القنصلية يربح الأجنبى أكثر مما يلزم.

-  لكن ماذا عن أولئك الشباب الذين يذهبون للمدارس؟

نظر إلينا المهندس بدهشة وقال:

- نعم تقصدون ذلك الحشد من المصريين الذين يبعث بهم الوالى كل عام إلى باريس؟

آه يا لها من مهزلة، إنه يختارهم من القرى من المصريين الذين يجيدون قراءة العربية، هؤلاء هم الذين يذهبون بعد أن يلبسونهم عند خياطين من الإسكندرية ثم يبعثوا بهم إلينا فى مركب توصلهم إلى مارسيليا. وفى باريس يبعث بهؤلاء الصبية إلى المدارس عشوائياً كى يتعلموا اللغة الفرنسية أولاً ثم يوزعون على كل المدارس ليدرسوا جميع المناهج. فيجعلونهم يدرسون الهندسة والحقوق والطب والعمارة والمدفعية بالتناوب. وبعد أربعة أعوام يطلقون لحاهم ويصبحون بلهاء جداً. لكن بعد أن يكونوا قد رأوا مقاهى باريس وتعرفوا بالغانيات من نساء مارسيليا وشربوا العصائر المخلوطة بالخمر ثم يعودون لمصر فإذا كان لأحدهم حماية أو إذا أعجب الباشا بلون البنطلون الذى أحضره من باريس فإنه يدخل سلك الوظائف المدنية كأن يعمل كاتباً فى الجمارك أو موظفاً فى اسطبلات الباشا ومزارعه. فإذا لم يكن محمياً فإنه يعمل كدليل للسياح فى فنادق الإسكندرية. إن إرادة الباشا السامية هى التى ترفع الناس، فإذا درس أحدهم الهندسة فى مدارس باريس النظامية فإنه يعمل حلاقاً فى الأزبكية. ومع حلاقة شارب العريف الأول فى المعسكر فإنه يصل إلى قيادة الأشغال العامة فى مصر. وثمة شئ أخر هو صعوبة إيجاد مصريين يقبلون الذهاب إلى باريس من قرى مصر. فعند وصول المندوب المدرسى باحثاً عن عشر من الصبية فإن الآباء الذين لا يبالون بالنقود التى ستدفع اليهم كما أنهم يحتاجون الأبناء حتى يبللوا الكتان ويقصون صوف الأغنام يرفضون تسليم أولادهم للمندوب".

-  وهل يوافق المندوب على ذلك؟

-  سؤال جيد، إنه البقشيش، إن كل شئ يسير فى مصر بالبقشيش، فأنت هنا منذ أيام وأؤكد لك أنك سمعتها تطلب منك مرات عديدة. فكلمة بقشيش هى لب اللغة القومية هنا. إنه ما نسميه نحن بالحلوان أو الإكرامية. إن أول ما ينطق الطفل من كلمات قبل أن يقول أبى و أمى هى كلمة "بقشيش". والبقشيش يعطى لكل البشر، يطلبه الفلاح والقاضى والسايس والبيك والشيخ وحتى الباشا. وهو يعطى لأى سبب، فتدفعه كى ترى معبداً أو مسجداً أو حتى لمن يلقى عليك السلام أو من يعطيك منديلاً. وأحياناً، يطلبوه بعزة نفس و أحياناً أخرى بإلحاف. هذا وللبقشيش فائدة عظمى فهو يسهل كل الأمور ويبسط كل شئ، فأمامه تلين كل إرادة وكل تدلل وتزول كل التعقيدات، فليس هناك من شئ لا يرضخ أمام البقشيش كما أنه لا يمكن أن تنال شيئاً بدونه كأن تسأل سؤلاً أو أن تسترشد بأحد فى الشارع ليدلك على مكان ما، أو أن تطلب شربة ماء من رجل يمر بالشارع وبلاصه مملوء. وهو يُطلب فى كل مكان، فى القرى وفى محطات السكة الحديد وفى داخل المقابر وفى صحون المساجد وفى قلب الصحراء. وأحياناً لا يطلبه فرد واحد و إنما تطلبه أسر الفلاحين بأكملها أو العشائر أو القرى بأكملها. فإذا ركب مسافر النيل و رسى فى أى مكان فإن الرجال يتركون أعمالهم فى الحقل والنساء تترك محصول العدس ويترك الأطفال الماشية ويتبعون تلك الفصيلة من البشر المسافر يصيحون بكلمة "بقشيش...بقشيش". ولكل مرتب ثابت أو أجر محدد بقشيش. إن البقشيش أحد عوامل فساد الأخلاق فى السلالة العربية، فإنك تجده حيثما ذهبت إلى مصر أو إلى سوريا".

واستمر المهندس يقول:

-  حسناً، أما فى علاقات المصريين الداخلية فإن البقشيش هو المنطق وهو القناعة وهو آخر برهان. فالمندوب المدرسى يأتى ليطلب الإبن فيُعطى بقشيشاً فيذهب. ويجئ المهندس ليطلب عدداً معيناً من الأذرع فيعطى بقشيشاً فيصمت، ويأتى الناظر لتحصيل الضرائب فيعطى بقشيشاً فينصرف، ويأتى القاضى ليجمع الأدلة حول جريمة بعينها فيُعطى بقشيشاً. ثم يأتى الجلاد ليقبض على أحدهم فيُعطى بقشيشاً. فكل شئ يلين أمام البقشيش والكل يتنازل والكل يستجيب. فإذا كان لأحدهم بيت فى القاهرة وتم التخطيط لعمل طريق وسوف يتم نزع الملكيات فإنه يعطى المهندس بقشيشاً كى يثمن بيته بسخاء، ولكن الصراف لا يصرف المال دون إذن الباشا، إذن فالبقشيش للباشا كى يعطى الأوامر للصراف، فيعمد الصراف إلى التأخير فى الصرف حتى يأخذ بقشيشاً أيضاً. لكن الصراف يمكن أن يدفع الثمن مقايضة بشئ آخر، إذن فليُعط بقشيشاً حتى يدفع المبلغ نقداً. والفظيع أن المستفيد الأكبر من البقشيش هو مندوب التجنيد، قبل ذلك كان كل مصرى يصل إلى سن الثامنة عشرة يبتر عضواً من أعضائه، وكانت العوالم فى القاهرة قد تخصصن فى بتر أعضاء الأطفال، لكن محمد على نفاهم إلى الفيوم، وقد كان ذلك جزء من تجارة الأطفال فى مصر. وكان محمد على قد أمر بحصر أعداد المبتورين.

-  لكن الرحالة لا يذكرون ذلك.

-       إن الرحالة يكتبون ما يسمعونه من الأوربيين الذين يعيشون فى الإسكندرية. أما الشخص الذى يحكى فهو يحكى الأمور كما يتراءى له و لا يحكى الحقيقة. علاوة على أن الرحالة حينما يصلون فإن إسماعيل باشا يدعوهم للعشاء ويجزل لهم العطايا، ويجهز له "ذهبية" يسافرون بها فى النيل مصحوبين بوفد ملكي، ثم يمنحهم الأنواط ويبعث لهم بالجواري. فماذا عساهم أن يقولوا، لابد أن نعترف أنهم لا يستطيعون أم يحكوا شيئاً حقيقياً لأنهم قبضوا ثمناً جزيلاً. وهذا ما حدث بالضبط مع "إدموند أبوت"، أما القناصل فيعيشون كأسياد القوم وهم تجار، و أصدقاء حميمين للباشا. وقد جعل هذا البلد و ظروفه منهم مستبدين بشئون رعاياهم. فالعطاء مجزول لهم أكثر حتى من الرحالة. وما عدا ذلك فالوالى شديد الظرف مع كل الأجانب، فهو بشوش معهم ومجامل إلى أبعد الحدود. فهو يضئ لهم المقاهى بالغاز ويجلب لهم الغانيات من فينا عاصمة النمسا ومن برلين، وكى يستطيعوا الذهاب إلى الصحراء دون عناء فقد أمر بتعبيد طريق لهم و أمر بإضاءة الأهرام من الداخل بمصابيح الكيروسين.

وتعجب أحدنا وهو مغتاظ:

-   لكن ماذا عن مصر؟

-  إنه بلد ميت موتاً عضال. لأنهم أولاً يريدون تغير هويته، فمصر بلد زراعى وهم يريدون تحويله إلى بلد صناعي، غير أن هذه الحضارة المصطنعة تضعفه. فيسقط على مصر من كل موانئ أوروبا حشود من المستغلين المتشردين معدومى الضمير والشباب الطامعين الذين لا يحبون مصر ولا يهتمون بها فيأكلوها لقمة سائغة فيخربون ويمتصون دماءها ويبتزونها ثم يهربون. علاوة على ذلك هناك الاحتكار السرى من جانب الوالى و أسرته الكبيرة ومن الباشوات و الباكاوات و المساجد و المحظيات و غيرهم. وبإختصار فإن الأرض تنقصها الأيدى العاملة، فالرجال يذهبون إلى الخدمة العسكرية، ثم أن إرادة الباشا الواهنة للحرب جعلت من الجيش جماعة من الرجال يتسلون بالصيد بالسنارة قرب الحصون الساحلية للمدينة ويكدرون الفلاحين ويطلقون تلك الصيحات الليلية التى سمعتموها من قبل فى الإسكندرية. ثم تجد الرجال الذين يعملون فى المصانع أى فى القاهرة التى صارت مقصداً رئيسياً للرجال. فكل أسرة متوسطة_ مهما كانت متواضعة_ تمتلك حشداً من العبيد الذين يخدمونها. فكل أمر هين يعين له أحد الرجال، هل النساء يفتقرن إلى العفة والأخلاق حتى يعين لهم أربعة أو خمسة أو ستة من العبيد الخصيان لحراستهم فى البيت؟ وإذا خرجن إلى الشارع، أليس عندهن حياء كى يصطحبن اثنين من السياس؟ أليس للبيوت أقفالاً حتى يعين عبداً على كل باب واقفاً بالنهار و نائماً أمام الباب ليلاً. وإذا كانت البيوت تخلو من الساعات فإن هناك عبيد يعلنون ساعة الصلاة و ساعة العشاء وساعة الحمام. وإذا خلت البيوت من المراوح فإن العبيد يروحون. وإذا خلا البيت من منضدة للزينة فإن العبيد يمسكون بالمرايا وزجاجات العطور من الورد والعنبر والحناء للسيدات. إنه شعب من العبيد يعيش فى البيت، آه، إن الحياة فى القاهرة شديدة الغرابة كما أن القاهرة مدينة غير عادية، فإنها فى الصيف تذكرك بليالى ألف ليلة وليلة".

هذه الملاحظات وغيرها ذكرتنى بكتاب رائع صدر باللغة الإنجليزية لجانيت أبولغد عن القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة و للأسف لم يترجم إلى الآن للغة العربية، حمل حقائق صادمة منها رأى بعض الصحفيين فى الغرب فى مصر خلال عهد الخديو إسماعيل.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة