حين وصل محمد أنور السادات إلى الحكم، قال البعض إنه لن يستمر سوى لأشهر قليلة قبل أن يطاح به، قالوا إنه الأقل بين أقرانه من الضباط الأحرار، لكنهم على ما يبدو نسوا ماضيه فى الكفاح، ونشأته الصعبة القاسية، ففاجئهم جميعا، كان الأقوى، والأقدر على اتخاذ قرار الحرب، والأكثر قوة فى اتخاذه قرار السلام وإنهاء مرحلة الحروب وبدء مرحلة التعمير.
أحد عشر عاما قضاها السادات فى منصبه، لكنها كانت سنوات من القبض على الجمر واتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية، ورث ربع مساحة بلاده محتلة، وعلم عدوه يرفرف على بعد 150 كيلو متر فقط من القاهرة، وجيش انهزم هزيمة ثقيلة قبل 3 أعوام، وشعب متلهف للأخذ بالثأر، وأشخاص كانوا أصدقاء فى الماضى فصاروا خصوما.
كان أول ما فعله أن أزاح الخصومات، نحاها لا لمصلحته بل لمصلحة مصر، فى 15 مايو 1971 أنهى كل الجدل الذى حاول البعض افتعاله فيما عرف باسم مراكز القوى، استغل بذكائه ما حاول خصومه أن يلصقوه به بأنه رجل ضعيف غير قادر على اتخاذ قرار الحرب، بالغ فى إظهار هذا، وعد بعام لـ "الحسم" ولم يفعل شيئا، أغضب ذلك الطلبة فتظاهروا ضده، لكنه كان يخطط لما هو أبعد من هذا، كان يريد للعدو أن يظن أنه لن يحارب أبدا، فيما استعدادات إعادة جيشه إلى الحياة جارية على قدم وساق.
فى ظرف ثلاث سنوات من حكمه أعاد الروح للجيش الذى انهزم، وأعاد السلاح والقوة، وفاجأ العالم وأبهره بحرب من أعظم حروب القرن العشرين، صنع النصر فى السادس من أكتوبر، وأعاد الحياة لقناة السويس من جديد، وكواثق الخطوة اتخذ قرار السلام، زار القدس فى مفاجأة أذهلت العالم، ودعا لإنهاء مرحلة الحروب، أغضب الأشقاء لكنه كان ثاقب الرؤية، كل هؤلاء الذين أغضبهم هرولوا بعد عشرات السنوات للحاق بالسلام الذى أرسى هو قاعدته الأولى.
وقع اتفاقية أثارت جدلا ربما، لكنها أنهت الحروب التى تركها ورائه ليبدأ مرحلة من البناء والتعمير، كانت المعركة الجديدة هى معركة التنمية، أعاد الميزان للاقتصاد الذى توقف، وطهر القناة وافتتحها بنفسه، لكن الحاقدون اختاروا أن يغتالوه وينهون حياته، فى يوم احتفاله بنصره، وفى ذات الساعة التى عبرت قواته القناة، رصاصات الحقد أنهت حياته بعد 11 عاما فاصلة ومحورية فى تاريخ مصر، ليرحل شهيدا بعد أن عاش بطلا.