توجه الكثير من أعضاء مجلسى الشورى والنواب إلى فندق «الكونتيننتال» فى القاهرة للمبيت يوم 20 نوفمبر من عام 1925، وفى صباح اليوم التالى 21 نوفمبر «مثل هذا اليوم» عقدوا جلسة لمجلس النواب بعد أن منعتهم الحكومة من عقدها فى مبنى المجلس، حسب أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية - الحولية الثانية 1925», عن الهيئة المصرية العامة للكتاب -القاهرة»
كانت الحالة السياسية فى هذا العام سيئة من كل النواحى، حسب تأكيد عبد الرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية - ثورة 1919 «عن» دار المعارف - القاهرة»، موضحا «كان الدستور معطلا والأحزاب السياسية فى تناحر وتقاطع، والصحف فى مجموعها تملأ أعمدتها بالمطاعن والمثالب، والحكومة تتولاها وزارة رجعية «حكومة زيور باشاتستند إلى السراى، ولا تتصل بالأمة بصلة، وهمها إرضاء الغاصب لكى تنال رضاه، وأهم عمل لها هو سن القوانين المعطلة للحركة الوطنية، وتعطيل الحياة النيابية والتسويف فى إجراء الانتخابات قدر ما تستطيع بدعوى أنها تعمل على تعديل قانون الانتخابات، ووضع القوانين فى غيبة البرلمان مستهينة بأحكام الدستور، وضاق الناس درعا بهذه الحال، وأخذوا يلتمسون مخرجا منها إلى أن دعا أمين بك الرافعى على صفحات جريدته «الأخبار» مجلس النواب إلى الانعقاد».
كانت الحياة البرلمانية معطلة بالرغم من إجراء الانتخابات يوم 13 مارس 1925، وفاز فيها حزب الوفد بالأغلبية، وحسب الرافعى: «فاز سعد برئاسة البرلمان يوم 23 مارس بأغلبية 123 صوتا ضد ثروت باشا ب 85 صوتا، وفى نفس اليوم قدمت حكومة زيور باشا استقالتها لما وصفته بالسياسة العدائية من المجلس ضدها، بدليل أن المجلس اختار سعد لرئاسته، ولم يقبل الملك فؤاد الاستقالة وجدد الثقة فى الحكومة، فأشارت إليه بحل المجلس، فأصدر مرسوما بحله وإجراء انتخابات جديدة يوم 23 مايو 1925»، ويؤكد الرافعى: «كان تلاوة مرسوم الحل الساعة الثامنة مساء، فلم يدم عمر هذا المجلس 9 ساعات».
لم تجرِ الحكومة الانتخابات الجديدة، فتعالت الأصوات المطالبة بعقد مؤتمر وطنى من جميع الأحزاب المصرية حسب تأكيد «شفيق باشا» ،لكنها تحولت إلى دعوة لعقد البرلمان المنحل، واتفقت آراء الحزب الوطنى والسعديون وحزب الأحرار الدستوريين على عقده يوم 21 نوفمبر «مثل هذا اليوم» عام 1925، غير أن الحكومة صممت على المواجهة، واتخذت ثلاث إجراءات، يذكرها شفيق باشا وهى: بلاغ باسم مجلس الوزراء، بمنع الاجتماع بالقوة داخل البرلمان أو فى أى مكان آخر، وبلاغ من وزير الداخلية بمنع الاجتماع، وأنه كلف الجيش بالحفاظ على النظام، والبوليس بتفريق أى احتشاد أو تجمهر، ومنع كل مظاهرة والقبض على من يشترك فى أى اجتماع أو موكب أو مظاهرة، أما البلاغ الثالث، فنشرته وزارة المعارف وتوعدت فيه الطلبة بتوقيع العقاب الشديد على الذين يقومون منهم بالمظاهرات أو يضربون عن الدروس.
فى مساء الجمعة «20 نوفمبر» ووفقا لشفيق باشا، توزعت قوات الجيش على الشوارع المؤدية إلى البرلمان، وأخذت تتدرب على الحركات الخاصة بتشتيت المظاهرات، وسلم معاون بوليس البرلمان مفاتيح جميع مكاتبه وغرفه إلى قائد القوة المكلفة بحماية المبنى، ووضعت هذه المفاتيح فى كيس ختم بالشمع الأحمر، وصدرت تنبيهات إلى سائقى التاكسى بعدم المرور فى الشوارع الموصلة إلى دار البرلمان، ووقفت فرقة من عسكر الكشافة فوق قبة المبنى يقودهم ضباط لاستطلاع أى تحرك، وبالرغم من ذلك طاف كثير من مظاهرات الطلبة فى شوارع المدينة، يهتفون بحياة الدستور وسعد زغلول باشا فى صبيحة يوم 21 نوفمبر.
أمام هذا الحصار، قرر النواب عقد اجتماعهم فى إحدى قاعات فندق الكونتيننتال الذين يبيتون فيه، وفى الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم 21 نوفمبر افتتحت الجلسة، وترأسها أكبر الأعضاء سنا وهو سعد باشا زغلول، وقرروا بالإجماع: الاحتجاج على تصرفات الوزارة المخالفة للدستور، وعلى منع الأعضاء من الاجتماع فى دار البرلمان بقوة السلاح، واعتبار دور الانعقاد موجود قانونا، واستمرار اجتماعات المجلسين فى المواعيد والأمكنة التى يتفق عليها الأعضاء.
أجرى مجلس النواب انتخابات رئاسته ومكتبه، ففاز سعد زغلول برئاسته، وبعد انتهاء الانتخابات قرر المجلس عدم الثقة فى الوزارة الحالية، وندب وفد من النواب إلى جلالة الملك فؤاد لرفع القرار إليه، ويؤكد شفيق باشا، أنه كان من اللطيف أن الاجتماع عقد فى نفس الفندق الذى كان يقيم فيه زيور باشا رئيس الحكومة، وغادره وهو يرى الشيوخ والنواب يتجمعون، وقدم لهم التحية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة