مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة الرئيس الإيرانى الأسبق وزعيم تيار الاعتدال أكبر هاشمى رفسنجانى، (توفى فى 8 يناير 2017) الملقب بالصندوق الأسود للجمهورية الاسلامية فى إيران، والذى تولى رئاسة إيران 8 سنوات فى الفترة (1989م إلى 1997م)، لا تزال حقيقة وفاته الغامضة، ووصيته المفقودة لغز يحير عائلته وتناقشه الأوساط الإعلامية بحذر شديد.
مر 11 شهرا على وفاة رفسنجانى الذى يعد قطب من أقطاب السياسة فى إيران والرجل الأرستقراطى الثرى، والرجل الثانى للنظام الذى شغل مناصب عديدة منها رئاسة تشخيص مصلحة النظام وقائد القوات ورئيس مجلس خبراء القيادة، ورئيس البرلمان خلال فترة الحرب العراقية الايرانية وكان مهندس صفقة الأسلحة 1958م"إيران جيت"مع الولايات المتحدة، الأمر الذى جعله يحصل بجدارة على لقب"ثعلب السياسة".
هاشمى رفسنجانى
وقبل أقل من شهر على الذكرى السنوية لوفاته فتح إعلام طهران ملف وفاته والشائعات التى أثيرت حولها، إضافة إلى مناقشة وصيته يصر أبنائه على أنها مفقودة، رغم الملاحقات الأمنية لأسرته ومنعهم من السفر خارج البلاد الأشهر الأخيرة.
لغز اختفاء الوصية
لا تزال فقدان وصية رفسنجانى لغزا، الحلقة القريبة من رفسنجانى وأسرته وتياره يبحث عن حله رغم قراءة وصية له، إلا أن أبناءه قالوا أنها قديمة كتبها فى تسعينيات القرن الماضى أى قبل 20 عاما تقريبا، ولديهم قناعة بأن والدهم كتب وصية أخرى حديثة، وكان أول من فتح باب الحديث عن وصية رفسنجانى المفقودة نجله محسن الذى قال بعد وفاته بأيام فى يناير 2017، الماضى فى إحدى المقابلات على القناة الثالثة للتلفزيون إيران الرسمى، "من الممكن أن يكون هناك وصية أخرى لم نعثر عليها بعد"، الأمر الذى أكدته شقيقته فاطمة رفسنجانى، فى مقابلة مع "صحيفة جهان" صنعت بتاريخ اكتوبر 2017، كشفت فيها لأول مرة عن وجود وصية حديثة كتبها والدها قبل 3 أو 4 سنوات لكن تم إخفائها عمدا.
فاطمة رفسنجانى
وأكدت فاطمة على أن وقت وفاة والدها جاء عناصر الأمن وأخذوا معهم كل مقتنياته، وقالت أن "بعض الوثائق المتعلقة بوالدها فقدت أيضا"، ولا تزال تؤيد ذلك خلال مقابلاتها لوسائل الاعلام المختلفة، ومع اقتراب سنوية والدها لاتزال تتحدث فاطمة عن وثائق والدها المفقودة دون أن يرد عليها أى من مؤسسات النظام، وهو ما دفع صحيفة "اعتماد" الاصلاحية لإعادة فتح ملف اختفاء وصية رفسنجانى فى عددها الصادر الخميس الماضى، وقالت "تصريحات فاطمة عن وثائق والدها المفقودة لم يتم نفيها.. لذا متوقع يتضح الأمر بشفافية تامة، ويتم كشف أى غموض بشأن رفسنجانى".
وصية رفسنجانى
فاطمة لم تكن الوحيدة المصرة على وجود وصية، شقيقها ياسر أيضا، ونقلت الصحيفة الإصلاحية عن نجله ياسر هاشمي الذى قال حتى الآن لم نتمكن من العثور على وصية والدى الأصلية الذى نعلم أنها مكتوبة وموجودة فى مكان ما، لافتاً إلى أن أعضاء أسرته لا يملكون معلومات دقيقة حول مصير الوصية، لكن الصحيفة الإصلاحية نفسها قالت من الصعب أن نصدق ألا يكون لرجل مثل آية الله هاشمى رفسنجانى الذى تولى العديد من المناصب السياسية يغيت عن الحياة دون أن يوصى حتى أبناءه أو افراد أسرته.
ومع إجماع الأبناء الثلاثة على وجود وصية أخرى حديثة لوالدهم، وبعد أن تعددت تصريحات أنجاله حول الوصية المفقودة، حذر محامى أسرة رفسنجانى محمود علیزاده طباطبایی أبنائه من الحديث عنها دون أن يسمح لهم بذلك، وبحسب صحيفة اعتماد "رجح محامى الأسرة عدم الحديث عن الوصية دون علمه"، الأمر الذى دفع المراقبون بالتكهن حول ماهية وصية رفسنجانى السياسية، فمن الممكن أن تفشى وصيته حال نشرها أسرار النظام كونه كان مقربا من خامنئى والخمينى مؤسس الجمهورية.
رفسنجانى والمرشد الاعلى
حقيقة مقتل رفسنجانى
اكتنفت وفاته المفاجئة غموضا خاصة لدى أفراد أسرته، خاصة مع تصاعد الخلافات السنوات الأخيرة مع المرشد الأعلى على خامنئى، حيث شككت فاطمة في رواية وفاة والدها الذى توفى إثر جلطة قلبية أثناء السباحة فى مجمع كوشك، وخلال كلمة لها فى مراسم تأبين أقيمت فى طهران 8 مارس الماضى، قالت تصريحات نقلتها وكالة إيلنا الاصلاحية، "رغم أن والدي وقت وفاته كان في الـ82 من عمره، إلا أنه كان يتمتع بصحة جيدة، وفيما يتعلق بوفاته فهناك بعض الغموض بالنسبة لنا"، الأمر الذى عادت لتؤكد عليه خلال مقابلة لوكالة إيسنا فبراير الماضى، قالت فيها أن الأدلة التي قدّمتها مجموعة من الأطباء عن أسباب وفاة والدها، ليست دقيقة ومخالفة للحقائق المتوافرة لدينا ولا أحد يعلم سبب الوفاة".
فائزة رفسنجانى
أما نجلته فائزة رفسنجانى المعروفة بتصريحاتها الجريئة وتوجيه سهام النقد للنظام، قالت فى مقابلة مع صحيفة آرمان الإصلاحية سبتمبر الماضى، حول شائعات مقتل والدها، لا غموض فى وفاة أبيها، مؤكدة: "وفاة والدى المفاجئة أوجدت تلقائيا قدرا من الغموض، ليس فقط فى المجتمع، وإنما بين أبنائه، ومجلس الأمن اتخذ إجراءات لكنها لم تفض لنتائج بالنسبة لأسرتنا".
وبين اختلاف الروايات وتشكيك أبنائه فى حقيقة وفاته أو مقتله، لم تظهر السلطات الإيرانية أية تقارير نهائية تجيب عن تساؤلات أبناءه وتوضح سبب الوفاة، أو حتى تنفى ادعاءات أبناءه، لكن تُرك الأمر بين التصريحات وحيرة الأبناء فى الوفاة المفاجئة والتزم الصمت على مدار الـ 11 شهر الماضية.
لكن الأمر كان مختلفا تمام بالنسبة للمعارضة الإيرانية، التى أكدت على أن رفسنجانى تم تصفيته، وقتل بأمر من المرشد خامنئى حيث تصاعدت وتيرة التنافس بينهما السنوات الأخيرة رغم أن رفسنجانى كان سببا فى صعود خامنئى لخلافة الخمينى عند وفاته فى 1989، وخامنئى سمح لرفسنجانى تولى منصب الرئاسة، لكن اختلاف ايدلوجية الرجلين جعل أرائهم لم تتلاقى، وهو ما خلق تنافس وصراع فى بعض الأحيان على سيطرة الدائرة المقربة وتياراتهما منهما على مفاصل الدولة، وتحدثت مواقع معارضة للنظام منها آمد نيوز وغيرها عن تكهنات حول قتل رفسنجانى بالسم أو اغتياله بالكيماوى.