رحلت صوت مصر النجمة الكبيرة شادية عن عمر يناهز 86 عاما، بعد رحلة عطاء فنية وإنسانية طويلة، بعدما اعتزلت الفن منذ 31 عاما، حيث أعلنت ابتعادها التام عن الحياة الفنية عام 86، ولم يكن قرارها هذا عن تردد أو بشكل مؤقت وقتها، ولكن كان عن اقتناع تام، حيث ابتعدت عن كل ما يخص الحياة الفنية شكلا وموضوعا ومضمونا، فلم تحضر منذ اتخاذها هذا القرار أى احتفالية فنية، ولم تقابل أيا من الفنانين الذين سعوا لزيارتها على مدار سنوات إعتزالها، حيث كانت تفضل المكوث فى المنزل بعيدا عن كل شىء، حتى تتفرغ للعبادة والصلاة بحسب تصريحات المقربين منها، حيث أرادت اعتزال المجتمع الفنى والحياة الغنائية وكان هذا اتجاهًا خالصًا لوجه ربها وحده، وليس من باب المزايدة والتجارة، ورغم ذلك لم تحاول التبرؤ من فنها.
شادية هى حنية الأم، هى دلع وإخلاص الحبيبة، هى تدين وصرامة الجدة، شادية هى صوت مصر الحزين، هى ضحكة مصر المتفائلة، شادية هى الفنانة المخلصة الوطنية التى نجحت فى كل شئ سواء فى التمثيل أو الغناء، والاعتزال أيضا.
تميزت النجمة الكبيرة شادية فى السينما مع بداية ظهورها عن كل نجمات وفنانات جيلها، فلم يقدر أحد أن يصنفها فى خانة فنية معينة، أو بمعنى أدق يطلق عليها فنانة رومانسية أو كوميدية أو غنائية أو غيره، لأنها جمعت كل هذه الخطوط فى موهبة واحدة، فقدت الكوميدى مع عملاق الكوميديا إسماعيل ياسين، حيث قدمت معه حوالى 23 فيلما، ليشكلا ثنائيا ناجحا للغاية فى عالم الكوميديا والفانتازيا، حيث ألتقيا الاثنان للمرة الأولى عام 1949 بفيلم "كلام الناس"، ثم التقيا مرة أخرى فى نفس العام فى فيلم "صاحبة الملاليم"، وبعدها توالت الأفلام بينهما التى حققت نجاحا ضخما على مستوى الإيرادات منها "الستات ما يعرفوش يكدبوا" و"فى الهوا سوا" و"حماتى قنبلة ذرية" و"مغامرات إسماعيل يس"و"الظلم حرام" و"الحقونى بالمأذون".
ولذكاء شادية الشديد لم تجعل الكوميديا تأخذها من الرومانسية فكونت دويتو ناجح للغاية أيضا مع النجم الكبير الراحل صلاح ذو الفقار، ربما تنوع أيضا فكان به لمسات كوميدية مثل فيلمهما الشهير "مراتى مدير عام"، والذى أصبح من أحد أهم أفلام شادية حتى الآن، لكن الصوت الأعلى بينهما كان فى الرومانسية بعدة أفلام متميزة منها "عيون سهرانة"و"أغلى من حياتى"، أيضا كان لقائها مع العملاق رشدى أباظة مميزا فى عدة أفلام منها "الزوجة 13"و"الطريق"و"زواج نص ساعة".
لم تأخذ السينما والتمثيل شادية من عشقها الرئيسى وهو الغناء، فعلى مدار حياتها الفنية قدمت العشرات من الأغانى التى مازل يرددها محبيها حتى الآن، منها الأغنية الوطنية الشهيرة "ياحبيبتى يامصر"، والتى مازالت تعد أحد أقوى الأغانى الوطنية التى قدمت على مدار تاريخ الفنى المصرى، و"إن راح منك يا عين هيروح من قلبى فين" و"على عش الحب طير ياحمام على عش الحب"، "سونة يا سونسن جيتلك أهو" و"أحلى كلام هنقوله الليلة أحلى كلام" و"الحب الحقيقى ما ينتهيش ولا يتنسيش طول السنين".
فى النهاية لا أستطيع أن أصف العملاقة شادية سوى بـ"المخلصة"، التى أخلصت فى كل شىء فتفوقت فيه، سواء فنها، أو حتى اعتزالها الفن وعلاقتها بالله سبحانه وتعالى، فعندما اتخذت هذا القرار، أخلصت فيه لدرجة أنها كانت تخشى مهاتفة أحد فى التليفون حتى لا يعطلها عن قراءة القرآن أو عن ذكر الله، فدائما كانت تقول للمقربين منها، أضعت وقتا كثيرا أثناء انشغالى فى عملى وشهرتى وأود الآن أن أعوض هذا فى التقرب من الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة