مازال الركن الخاص بالوثائق التى أفرج عنها موقع المخابرات الأمريكية، الخاصة بأسامة بن لادن معطلا منذ الخميس الماضى، ولا يبدو أن أحدا استطاع تحميل كل الوثائق البالغ مساحتها 323 جيجا بايت كاملة، قبل توقف الموقع، لكن بعض المواقع الإخبارية حملت بالفعل عددا من الوثائق الخطيرة قبل توقف الموقع، ولعل أهمها الوثيقة التى استطاع موقع Long WAR Journal التابع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية FDD التى جاءت فى 19 صفحة، وتعتبر واحدة من أخطر الوثائق على الإطلاق حيث تشرح بالتفصيل تاريخ العلاقة القوية بين تنظيم القاعدة وإيران.
حسن روحانى
• بعد الهزيمة فى أفغانستان.. إيران تتواصل مع القاعدة وتعرض إيواء عناصرها وتصفهم بالأبطال
وكشفت تلك الوثيقة التى عثر فيها مجمع بن لادن، استعراضا لـ«تعامل تنظيم القاعدة مع النظام الإيرانى» الذى وصفه التنظيم بـ«الرافضى»، وتبدأ الوثيقة بالسرد التاريخى حول المشكلة التى وقع فيها تنظيم القاعدة حين أعلن جورج بوش الابن عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر حربه على الإرهاب والحملة العسكرية على أفغانستان، كانت هذه اللحظة الحرجة للتنظيم وحليفه جماعة طالبان الأفغانية، فتصفها الوثيقة قائلة: «كان الرد الأمريكى كبير جدا فوق تصورنا، فلم نكن نتصور أيضا أن تنهار إمارة طالبان بهذه السرعة، ومع انهيار الإمارة وصدور الأوامر بالانسحاب حصلت فوضى كبيرة وارتباك وتشتت فتدفقت أعداد كبيرة جدا من الإخوة مع عوائلهم إلى باكستان».
وأوضحت الوثيقة، أن اجتماعا دار بين قيادات القاعدة وطالبان المنسحبين يتشاورون حول ما هى الخطوة التالية، ويقول كاتب الوثيقة أن بعض المجتمعين قالوا إن حزب الله اللبنانى أرسل مندوبا له، وعرض مساعدة لإيواء قادة تنظيم القاعدة، لكن أغلب أفراد التنظيم رفضوا الفكرة فى البداية.
وتواصل الوثيقة عرض حقيقة النظام الإيرنى الذى وصفته بـ«النظام البراغماتى» الذى يعادى الولايات المتحدة بشكل حقيقى، ويستعمل أسلوبا «ميكيافيليا» ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لذلك فرغم أنهم شيعة إثنا عشرية إمامية ويعادون «السنة، ولكنهم مستعدون للتعاون مع أكثر الناس سلفية ووهابية إذا حقق مصالحهم.
وقالت الوثيقة التى تلخص رؤية تنظيم القاعدة لإيران، إن أى شخص يريد أن يضرب أمريكا فإن إيران مستعدة لدعمه ومساعدته بالمال والسلاح، وبكل ما يطلبه بشرط ألا يورطهم بشكل صريح وواضح. وضربت الوثيقة أمثلة حدثت بتلك الوقائع، منها أنهم عرضوا على بعض أفراد تنظيم القاعدة من السعوديين، أن يدعموهم بالمال والسلاح وبكل ما يحتاجونه، بل وتدريبهم فى معسكرات حزب الله فى لبنان مقابل ضرب مصالح أمريكية فى السعودية والخليج.
وتستكمل الوثيقة، أن إيران عرضت ومازالت تعرض على مجموعة من تنظيم القاعدة من أصول أوزباكستانية دعمهم بالمال والسلاح والإقامة والمرور فى إيران، وكل ما يحتاجونه مقابل ضرب أهداف أمريكية فى أوزباكستان.
ويتابع كاتب الوثيقة الذى يعتقد أنه أسامة بن لادن، أن إيران مستعدة لدعم «محمد بن عبدالوهاب نفسه»، مؤسس تيار السلفية الذى عاش بين عامى 1703م- 1791م- لو كان حيا لكى يضرب أمريكا.
ورغم المساعدات الواضحة التى تعرضها إيران إلا أن الازدراء يبدو واضحا فى الوثيقة فيقول كاتبها، وأن الكذب والتقية والتلاعب وإظهار خلاف ما يبطنون والضحك فى وجوه ألد الأعداء والخصوم هو من أيسر الأمور عليهم، فهم متعودون ومربون عليه، وهو متوارث فيهم، عميق فى طباعهم؟.
وتكشف الوثيقة أن عددا من أفراد تنظيم القاعدة خرج إلى إيران بعد الانسحاب من باكستان وفقا لأوامر قيادات التنظيم، بل وبعضهم أخذ تأشيرة رسمية من القنصلية الإيرانية، وبعضهم بدون تأشيرة أصلا، ولم يتوقف الأمر عند أفراد صغار، بل وصل إلى القيادات المتوسطة، وأفراد من الجماعة الإسلامية المصرية، وبقايا جماعة الجهاد المصرية، والذين استقروا جميعا فى مدينة زهدان الإيرانية الحدودية.
• الإيرانيون رتبوا سفر أفراد تنظيم القاعدة إلى سوريا والسعودية وأوروبا
وتستكمل الوثيقة، أن معاملة المخابرات الإيرانية لتنظيم القاعدة كانت معاملة جيدة، بل وكانوا يعاملونهم كأبطال ضربوا أمريكا، ولم يتوقف الأمر عند القيادات بل عند الأفراد العاديين، لكن الأمور لم تستمر على هذا المنوال، فتشرح الوثيقة أن الشرط الأساسى لإدخال هؤلاء كان عدم استخدامهم الهواتف خاصة المحمولة، وعدم التحرك بشكل لافت، لكن الذى حدث أن أفراد تنظيم القاعدة لم يلتزموا بل اشتروا سيارات وتحركوا فى المدينة وكونوا شبكة من العلاقات خاصة مع «السنة» فى مدينة «زهدان»، بل وصل الأمر إلى تركيب أجهزة هواتف فى الصحراء للتواصل مع المقاتلين فى الشيشان.
وتكشف الوثيقة المزيد من الأسرار، أن الإيرانيين رتبوا لعدد من أفراد تنظيم القاعدة أصحاب الجنسيات السعودية والخليجية العودة إلى بلادهم مرة أخرى، بل وتسفيرهم إلى بلدان أخرى مثل سوريا، وتصف الوثيقة العلاقة الوطيدة بين المخابرات الإيرانية وتنظيم القاعدة قائلة إنهم كانوا متعاونون جدا ويساعدون فى تسفير كل من يريد السفر.
اردوغان
• الأمريكان يكتشفون العلاقات وإيران تعتقل قيادات التنظيم على أرضها
لكن كل هذه الترتيبات توقفت مرة واحدة، نتيجة للفوضى الضاربة التى مارسها تنظيم القاعدة على الأرض الإيرانية، وأبلغ الإيرانيون القاعدة إن الأمريكان قد سجلوا الكثير من اتصالاتهم واتوا بها إلى الإيرانيين واتهموهم بإيواء الإرهاب، وأنهم اشترطوا عليهم من البداية شروطا لكنهم لم يلتزموا بها.
لكن المجموعة التى ألقت إيران القبض عليها لم تمكث طويلا فى السجون، فقد قامت إيران تسفيرهم إلى أنحاء مختلفة فى العالم، فتحكى الوثيقة: «كانوا يخيرون الأخ أين تريد أن تسافر، وإذا لم يكن لديه جواز سفر يجهزون له جواز سفر مزور»، وكانت أحسن خيارات الإيرانيين هو إما بلدك، أو باكستان، أو العراق، أو ماليزيا، وكانت تركيا أيضا خيارا لا بأس به، أما أوروبا فكانت خيارا صعبا لم يصل منه سوى القليلين بمساعدة الاستخبارات الإيرانية.
وتفضح الوثيقة كيف أن إيران آوت أفراد الجماعة الإسلامية الإرهابية الذين هربوا من مصر خلال التسعينات، فتقول: «سبق الإخوة المصريين من الجماعة الإسلامية إلى إيران، فذهبوا إلى هناك واستوطنوا البلد، ولكى يرتاحوا ويكونوا قادرين على العيش بشكل هادئ، ويمارسوا بعض ما يمكنهم من العمل لبلدهم وقومهم، تكلموا مع الدولة الإيرانية وتفاهموا معها على الإقامة عندهم بشكل رسمى، مستغلين التناقض والتنافر بين دولتى إيران ومصر»، إلا أن هذا الملاذ لم يعجب الإرهابيين المصريين على ما يبدو، فتستكمل الوثيقة أن الإيرانيين لم يكونوا يعطون شيئا إلا فى مقابل، وكانوا يحاولون معرفة أدق التفاصيل عن عمل الإخوة فى الجماعة الإسلامية، ولم يتوقف الأمر عند أفراد «الجماعة الإسلامية» المصرية، بل استضاف النظام الإيرانى أفراد من «الجماعة الإسلامية» الليبية.
• قيادات القاعدة تمركزت فى تركيا أواخر التسعينيات.
اسامه بن لادن
أما المفاجأة الكبرى التى كشفت عنها الوثيقة أن عددا من قيادات تنظيم القاعدة تمركزوا فى تركيا، ما بين عامى 98 و99، وأن هذه المجموعة فى تركيا تواصلت مع الأخرى المقيمة فى إيران، وبفضل هذه الاتصالات استطاع تنظيم القاعدة أن يكون شبكة واسعة من الاتصالات الموزعة بين افغانستان وتركيا وإيران.
• الأب الروحى لتنظيم داعش أقام فى إيران فترة.. وطهران ساعدته فى دخول العراق
وقالت الوثيقة، إن الإيرانيون عاملوا من قبضوا عليهم من تنظيم القاعدة بطريقة محترمة، بل وصفوهم بالأبطال واعتذروا لهم من القبض عليهم، كما أنهم عرضوا على عدد منهم السفر إلى لبنان للتدريب فى معسكرات حزب الله، كما عرضوا على مجموعة أخرى السفر إلى العراق، وواحد من هؤلاء الذين سافروا إلى العراق كان أبو مصعب الزرقاوى مؤسس تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق» الذى سيتحول بعد سنوات إلى تنظيم داعش، وهو الأب الروحى لتنظيم داعش فيما بعد.
وهذا الأخير تحديدا حين يبدأ نشاطه ويستهدف الشيعة بحسب الوثيقة فإن إيران ستتوقف عن عملية «التسفير» التى لديها، وستقوم باحتجاز من يقبضون عليه فى السجون كورقة مفاوضة مع أبومصعب الزرقاوى، وهو الأمر الذى تقول الوثيقة أنه مستمر إلى يومنا هذا.