"وكأن أجدادنا يمدون للاقتصاد المصرى يد العون للفت الانتباه إلى مصر بصورة إيجابية"، كلمة اقتبسها الدكتور خالد العنانى وزير الآثار المصرى من أحد الكتاب بعد الاكتشافات الأخيرة بمختلف أنحاء الجمهورية، مؤكداً أن منطقة دراع أبو النجا بمدينة الأقصر شهدت اكتشاف 4 مقابر تاريخية أولهما للمستشار أوسرحات ثم لصائغ الذهب أمنمحات، وأخيراً مقبرتى اثنتين من رجال الدولة برقم 150 و161 فى نفس المنطقة.
وقال وزير الآثار فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن تلك الاكتشافات للمقابر الفرعونية بالبر الغربى هى نتاج لعمل البعثة الأثرية المصرية التى بدأت عملها فى نهاية العام الماضى، بقيادة الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورئيس البعثة المصرية، وتم تنظيم مؤتمرات صحفية عالمية لكل مقبرة يتم اكتشافها بالبر الغربى فى جبل القرنة، وحضر آخر اكتشاف لمقبرتين أمس السبت، كل من محمد بدر محافظ الأقصر، والدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى، وكريستلينا جورجيفا الرئيس التنفيذى للبنك الدولى، وعدد من سفراء الدول الأجنبية، والدكتور محمد بدر محافظ الأقصر، والدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الاعلى للآثار وعدد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حيث نجحت البعثة فى الكشف عن مقبرة لـ"أوسرحات" مستشار أو قاضى المدينة فى الأسرة 18 بعصر الدولة الحديثة، ومقبرة "أمنمحات" صائغ الذهب للإله آمون بالأسرة 18 أيضاً.
وأضاف الدكتور خالد العنانى، أن التصميم الطبيعى لأى مقبرة فرعونية يتكون من صالة أو فناء فى مدخل المقبرة يكون عبارة عن فناء مربع الشكل توجد داخله لوحة تحمل إسم صاحب المقبرة ومعلومات عنه فى نبذة بسيطة، بجانب تمثال مزدوج لصاحب المقبرة وزوجته وأبنائه وغيرها من تلك الامور المعتادة فى المقابر الفرعونية بتلك المنطقة، مؤكداً أن تلك المنطقة تعتبر واحدة من أكثر المناطق التى يوجد بها مقابر فرعونية لم تكتشف حتى الآن ويجرى العمل فيها لإظهارها للعالم أجمع.
وأضح وزير الآثار، أن هذه الاكتشافات التاريخية والمقابر التاريخية تساعد بصورة كبير على دعم الصورة الذهنية لمصر والأقصر، وتقوم بعمل ترويج عظيم لمصر وقدوم السياح من مختلف دول العالم لمتابعة ومشاهدة تلك الاكتشافات الجديدة، وهو ما تقوم بها البعثة الأثرية المصرية بصورة كبيرة مؤخراً فى منطقة جبانة دراع أبو النجا، مؤكداً أن كل مقبرة جديدة تخرج تساعد فى الاستدلال لمقابر جديدة بمحيطها، حيث ستشهد الأسابيع المقبلة استمرار العمل بكل قوة فى نفس المنطقة لإخراج المزيد والمزيد من المقابر التاريخية.
فيما أكد الدكتور مصطفى وزيرى رئيس البعثة الأثرية المصرية بالأقصر، أن فريق البعثة يضم 78 من رجال الآثار والمرممين والعمال، انطلقوا منذ شهر نوفمبر العام الماضى بدعم وقرار من الدكتور خالد العنانى وزير الآثار، والذى وافق على عودة عمل رجال البعثة المصرية فى المعابد والمقابر بالأقصر من جديد، بعد توقفها فى 14 فبراير عام 2012، أى ما لا يقل عن 5 سنوات ونصف من التوقف، ونجحت بالفعل البعثة المصرية فى اكتشاف 4 مقابر أبهرت العالم أجمع.
وقال الدكتور مصطفى وزيرى لـ"اليوم السابع"، أنه فى مقبرة "أوسرحات" بالأسرة 18 التى تم الإعلان عنها فى 18 أبريل العام الجارى، عثر على مئات التماثيل الصغيرة من الطين المحروق وغير المحروق، وتوابيت بها مومياوات وأقنعة تعود لصاحب المقبرة مدهون عليها الألوان بصورة محفوظة منذ آلاف السنين، وفى واجهة المقبرة تم وضع مجموعة من "الفازات" وهى عبارة عن أدوات فخارية تزين المنازل والمقابر فى العصور الفرعونية القديمة، وكذلك تم وضع عدد من التماثيل الصغيرة من الطين المحروق وغير المحروق، والتى عثر على حوالى 1050 تمثالا منها حتى الآن، وجارى اكتشاف المزيد، حيث أكد الدكتور مصطفى وزيرى أن تلك التماثيل الصغيرة يتم عملها بصورة تشمل أن يكون لكل متوفى ومدفون بالمقبرة 365 تمثال بعدد أيام السنة، ولكل 10 تماثيل يوجد تمثال قائد لهم، وكل تلك التماثيل لها قائد عام عبارة عن تمثال أكبر جزءاً بسيطاً، فبالتالى كل شخصية مدفونة يتم عمل لها حوالى 401 تمثال، ومكتوب خلف كل تمثال باللغة الهيروغليفية أو الهيراطيقية وذلك بلغات قديمة مختلفة.
وفور دخول المقبرة على الجانب الأيمن توجد طاولة عليها مجموعة من الأقنعة والمساكات الفرعونية، كما توجد قدم بشكل مميز للغاية منقوش أسفلها نقوش فرعونية وهو من النوادر فى العصور الفرعونية النقش أسفل الأقدام، كما يوجد قطعة مكتوب عليها اسم صاحب المقبرة، وكذلك تماثيل صغيرة عليها بقايا قشرة من الذهب، فهو يدل على أن المدفون فيها مستشار كبير للمدينة، وقطعة من الكتان لصاحب المقبرة يقود الأبقار ويقوم بعمل أحد الطقوس الجنائزية، أما فى الغرفة الداخلية للمقبرة فيوجد بها 6 توابيت مختلفة الأحجام، والتى تم عمل لها المرحلة الأول ليتم نقلها بآمان للمراحل التالية، كما يجرى عمل فحوصات لتحديد نوع المومياء وعمرها بالكامل فور الوفاة، ويتواجد بجوارها "جرة" كبيرة بداخلها جزء من المواد المستخدمة فى التحنيط كملح النايترون وغيرها.
وأوضح الدكتور مصطفى وزيرى، أن المقبرة بها فتحة على غرفة تضم 6 توابيت خشبية بها المومياوات، وفى نهايتها بئر بعمق 7 أمتار يقود نحو الجهة الجنوبية، والمقبرة تضم ما يلى: (توابيت خشبية فى حالة رائعة من الحفظ ومومياوات فى حالة جيدة، وأوشابتى من الخشب عليه بقايا ذهبية، وماسكات وأقنعة عليها الألوان كما أنها دهنت عليها بالأمس، 1050 تمثالا، حتى الآن من الطين المحروق والطين غير المحروق، وتم وضع عينه منها بمدخل المقبرة).
وقال وزيرى أنه تم استكمال الحفائر من جديد فى تلك المقبرة لاستكمال عمليات الاكتشاف حيث أن المقبرة فتحت من الأسفل على مقبرتين آخريين يجرى دخولهما واحدة على اليمين والثانية على اليسار، وذلك للكشف عن باقى جماليات وسحر الحضارة الفرعونية القديمة على أرض الأقصر، وبالفعل نجحت البعثة الأثرية المصرية فى الكشف عن مقبرة "أمنمحات" صائغ الذهب للإله آمون فى 9 سبتمبر من العام الجارى.
ويقول رئيس البعثة المصرية أن مقبرة "أمنمحات" عثر بداخلها على غرفة تضم تمثالا مزدوجا له ولزوجته، وهى "أمونحتب" وابنهما "نب نفر"، وتم العثور على أكثر من 100 تمثال أوشابتى، وتوابيت خشبية ملونة ومومياوات وماسكات خشبية وتمثال أوشابتى صغير عليه رقائق ذهب، وإكسسوارات ذهبية لزوجة صاحب المقبرة، كما تم العثور على "أختام جنائزية" لأربعة أشخاص لم يتم الكشف عن مقابرهم حتى الآن، وهم (رورو – ماعتى – منجى – بتاح مس)، موضحاً أن المنطقة التى تم اكتشاف المقبرة فيها يوجد أسفلها "تابوت" لسيدة فى العقد الخامس من عمرها تعود للعصور الوسطى، وهى أقدم من المقبرة بحوالى 500 سنة، وكانت مصابة بإعاقة فى يدها اليسرى، ودفنت بجانب تلك المقبرة، وعندما مات ابنها وعمره 30 عاما، تم عمل تابوت له بجوارها، والابن الثانى 20 عاما، تم دفنه مع شقيقه فى نفس التابوت بمسند رأس مشترك.
ويقول مدير آثار الأقصر، إن مدخل المقبرة مربع صغير ومساحته متوسطة الحجم فيوجد بمدخلها ما يسمى "نيش" به تمثال مزدوج لصاحبها وزوجته، ولوحة قرابين مكتوب عليها اسم شخص آخر أغلب الظن أنه أحد أقارب "أمنمحات"، كما يوجد داخلها بئر بعمق 8 أمتار، يوجد داخله كميات من المومياوات والعظام، مما يدل على إعادة استخدامها فى عصر الأسرات 21 و22 والتى كانت فترة ضعيفة فى العصور الفرعونية، ولم يكن لها القوة لحفر مقبرة كباقى العصور، وذلك أمر متعارف عليه فى العصور التى يطلق عليها "عصور الانتقال" الضعيفة فى التعامل.
أما المقبرتين الأخيرتين فتم الإعلان عنهما أمس السبت 9 ديسمبر 2017، فيقول الدكتور مصطفى وزيرى أمين المجلس الأعلى للآثار، أن أولهما هى المقبرة رقم 161 والتى من المرجع أنها تعود للفترة من عصر الملك أمنحتب الثانى وحتى تحتمس الرابع، حيث تم تأريخها من خلال الأسلوب الفنى المتبع فى النقوش ومقارنتها مع العديد من مقابر الأفراد بجبانة طيبة التى تعود لنفس الفترة، واسم صاحب المقبرة غير معروف على وجه الدقة، حيث لم يتم العثور حتى الآن على اسم أو لقب له داخلها، مضيفاً أنه من حيث تخطيط المقبرة فهى تبدأ بفناء دعمت جوانبه بجدران من الحجر والطوب اللبن ويوجد به بئر فى الجنوب يصل عمقه لحوالى 6 أمتار وينتهى بأربعة حجرات جانبية، أما مدخل المقبرة فيوجد به واجهة من الحجر الرملى خالية من النقوش ويؤدى إلى صالة مستعرضة تنتهى بنيشة وغالبا هذا هو التخطيط الاساسى للمقبرة، ولكن تمت إعادة استخدامها فى العصور اللاحقة، حيث تم كسر النيشة وتم الحفر لعناصر معمارية اخرى لم يتم الانتهاء منها حتى الآن.
أما عن النقوش الموجودة بالمقبرة، فيقول الدكتور مصطفى وزيرى فهى عبارة عن منظر الوليمة أو الحفلة ويبدأ بمنظر لشخص يقدم قرابين وزهور للمتوفى وزوجته واعلى هذا المنظر جزء من منظر ينتهى بكلمة "sn.f" بمعنى أخوة، ومن المحتمل أن يكون هذا الشخص هو شقيق صاحب المقبرة، ويلى ذلك مناظر المدعوين فى اربعة صفوف منهم صف به 3 رجالة خلفهم 3 سيدات وأمام الرجل الأولى يوجد نص يعنى حافظ الصالة، مؤكداً أن القطع الأثرية التى تم الكشف عنها داخل المقبرة هى عبارة عن اجزاء خشبية لعدد من التوابيت اهمها قناع خشبى كبير يمثل جزء من التابوت ذو الشكل الاوزيرى وقناع خشبى صغير وملون وجزء من قناع خشب مطلى بلون ماء الذهب فى حالة سيئة من الحفظ، وعدد 4 أرجل لكراسى خشبية خاصة بالأثاث الجنائزى وقطعة خشب تمثل الجزء السفلى لتابوت بالهيئة الاوزيرية عليها منظر للآلهة إيزيس ترفع يديها.
وأوضح الدكتور مصطفى وزيرى، أن المقبرة الثانية هى رقم 150 وتقع فى جنوب مقبرة أوسرحات، وتعود إلى نهاية الأسرة 17 وبداية الأسرة 18، حيث عثر على خرطوش يحمل اسم الملك "تحتمس الأول" على سقف الصالة الطولية للمقبرة، ونظراً لعدم وجود نصوص تحدد صاحب المقبرة على وجه الدقة، فهناك احتمالين أولهما أنها تخص شخص يدعى "حجوتى مس" بمعنى صادق الصوت، حيث أن احد النصوص محفورة على واجهة الصالة الطولية من المقبرة ينتهى باسمه، والثانى أنها تخص شخص يدعى "ماعتى" وكان يشغل وظيفة الكاتب للملك، حيث تم العثور على اكثر من 100 ختم جنائزى فى الفناء والصالة المستعرضة منها 50 ختما يخص ماعتى وزوجته محى.
وأضاف أمين المجلس الأعلى لللآثار، أنه بالنسبة للتخطيط المعمارى للمقبرة 151، يوجد بها 5 مداخل فى الناحية الشرقية تفتح على صالة مستعرضة مهدمة يوجد بها بئران، الأول بالناحية الشمالية لم تنتهى فيه اعمال التنقيب والثانى فيوجد فى الجنوب وتم الانتهاء منه، ثم يليها صالة طولية تؤدى لصالة مستعرضة اخرى تنتهى بنيشة، وداخل هذه الصالة يوجد بئران آخران احدهما بعمق 10 متر والثانى بعمق 7 متر، ويوجد بداخلها حجرة دفن لسيدة تدعى "إيزيس نفرت" من المرجح أنها أم صاحب المقبرة، وعثر بداخلها على تمثال أوشابتى من الخشب عليه كتابات مجهول صاحبها، بالإضافة إلى صندوق من الخشب غير كامل به 36 تمثال اوشابتى خالى من النقوش، وتمثال اوشابتى لإيزيس نفرت بارتفاع 60 سم، اما القطع الأثرية التى تم العثور عليها بالمقبرة 151، فهى 100 ختم جنائزى وأقنعة خشبية ملونة و450 تمثال مصنوع من مواد مختلفة مثل الخشب والفخار والفيانس، وصندوق عليه شكل تابوت خشبى مكون من صندوق وغطاء من الداخل كان مخصص لحفظ تمثال اوشابتى متوسط الحجم، ومومياء محنطة وملفوفة بالكتان تأخذ الشكل الاوزيرى داخل الرديم بالصالة الطولية، وتبين أنها تعود لشخص ذو مكانة كبيرة وجارى تحديد اسم صاحبها.