مما لا شك فيه أن الفتنة ليست بالأمر المستحدث بل هى منذ الأزل بل بدأت بابنى آدم ( قابيل وهابيل ) رغم امتلاك كل واحد منهما ما نسميه الآن نصف العالم ورغم ذلك وسوس الشيطان بين الأخوة ليقتل بعضهم بعضا، وكم هى القصص التى توارثناها والتى تتحدث عن الفتنة ويكفينا منها تحذير الله _ تعالى _ لنا فى كتابه العزيز فى آيات محكمات فى قوله ( والفتنة أكبر من القتل ) وقوله ( والفتنة أشد من القتل) .
بالإضافة لما أورده لنا التاريخ من ذكر للفتن وأقوال رسولنا الكريم فيها والتى مفادها جميعا أن نجتنب الفتنة ما استطعنا، فعندما ذكر رسولنا الكريم الفتنة يقول له أحد الصحابة ( وما المنجى منها يا رسول الله ) فيقول صلى الله عليه وسلم ( عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ) ولو عددنا ما حذر منه رسولنا الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) ما كان يكفينا مقال بسيط ، بل إنى أحاول أن أخذ ولو مقتطفات تنويرية تضيء لنا الطريق فى وقت تحالكت الظلمة من حولنا.
فالوطن العربى بشكل شبه كامل يموج فى فتن نسأل الله المنجى منها قد تحرك تلك الفتن دوافع خارجية للانقضاض على خيرات العالم العربى، أو لإضعافه ليبقى قابعاَ فى ذيل قطار التقدم والرقى ويكون فى هذا العالم عبارة عن مستهلك فقط حتى تتم السيطرة على عقله وغرائزه، أو تحركها المطامع الدنيوية التى حذرنا منها رسولنا الكريم بقوله ( إنما أخاف عليكم الدنيا ) فهى الفتنة الحقيقة والمتمثلة فى الدنيا والصراع عليها والسلطة وكرسى الحكم بأى حيلة أو سبيل حتى لو أزهقت الأرواح ودمرت البلدان، أو حتى تاجرنا بالدين وجعلناه ( سبوبة ) لجلب القلوب وتوجيه المجموع لمصلحة أفراد لأغراض دنيوية بحتة.
وكأنى أستمع لتساؤلك عزيزى القارئ المحترم بقولك وما هو العلاج المناسب لما نحن فيه ؟ أقول لك فى هذه الفتن التى أصبحت مثل الليل المظلم لن يصلحنا إلا ( العدل والقوة ) فبهما يتم القضاء على الفتن كما أن أحدهما لا يصلح لوأد الفتنة منفرداَ، فبالعدل يستوى الناس ويقنعهم الإنصاف، وبالقوة يُجبر من خرج عن النسق للعودة للمجموع حتى لو كانت القوة قاسية لأن القوة فى وقتها المناسب توفر الكثير من الخسائر فى حالة الميوعة فى اتخاذ القرارات الغير صارمة.
ولنعود بالذاكرة قليلاَ لنذكر حادثة الردة فى عهد ( أبو بكر الصديق ) رضوان الله عليه وقبل أن نبحر فى القصة أريد التذكير بصفات صاحب رسول الله ( وثانى اثنين إذ هما فى الغار ) وما له من مواقف عظيمة مع رسول الله وكيف أنه كان يمثل القلب المرهف الحنون وليست قصة أسرى بدر عنا ببعيد عندما أشار الفاروق عمر بن الخطاب على رسول الله بقتل الأسرى ثم يكون موقف أبا بكر بالترفق بهم وأن يكفيهم أن يعلموا المسلمين أو يفتدوا أنفسهم حتى يخلى سبيلهم فيميل رسولنا الكريم لرأى أبو بكر ذى القلب الطيب والحس المرهف.
لقد أوردت هذه القصة لتعرف أيها القارئ المحترم هذا التغير الذى أصاب أبا بكر رضوان الله عليه عندما أصبح خليفة لرسول الله وجاءت الردة وامتناع البعض عن دفع الزكاة والدخول فى مفاوضات أجبرت الفاروق عمر بن الخطاب ليتوسط لأبى بكر حتى يؤجل دفع الزكاة للعام القادم فالموقف خطير والناس فى بداية دخولهم الإسلام والعقيدة عند البعض مهزوزة فقد رأى عمر ذو القوة وكما قال عنه رسولنا الكريم ( إن الشيطان ليخاف من عمر ) أن صح عن رسول الله، رأى عمر اجتناب المواجهة حتى تقوى شوكة الإسلام .
لكن أبا بكر الصديق فى موقع المسؤولية ينتفض ويخرج على الناس بقول حاسم بقوله ( والذى نفسى بيده لو منعونى عقال بعير كانوا يؤتونه لرسول الله لقاتلتهم عليه ودارت رحى الحرب واقتلعت الفتنة من جذورها فى حرب حصدت أرواح أطهر الخلق بعد رسول الله وهم حفظة كتابه، فلو كان أبو بكر رضخ لهم لكانت الفتن انتشرت واستشرت حتى قُضى على دين الله فى الجزيرة العربية منبته الأول ولكن الله متم نوره، فكانت وقفة أبو بكر وحسمه وقوته فى الوقت المناسب طوق نجاة للجميع فى الوقت الذى لا يشك فى عدله أحد فهو من هو .
إذن لابد من قوة تعيد الأمور إلى نصابها ولكن لابد أيضا أن يساير هذه القوة العدل فإن الله ينصر الأمة العادلة وإن كانت كافرة، فبالعدل يستوى الجميع، وبالعدل ترتاح ضمائر الناس، وبالعدل والقوة يستقر ميزان الحياة وبدونهما نتحول إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف وتستشرى الفتن التى تقلب العمران والتقدم إلى خراب وتخلف، نسأل الله أن يمن على بلادنا بالأمن والأمان، والسخاء والرخاء وان يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين بل والعالم أجمع اللهم آمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة