أقام المجلس الأعلى للثقافة، مساء أمس الأحد، حفل توقيع ديوان حسن طلب، الذى يجمع دواوين الشاعر، بداية من الديوان الأول (وشم على نهدى فتاة- 1972) حتى (مرحى يا أبناء الفصحى- 2004)، بقاعة الندوات بمقر المجلس بدار الأوبرا، وذلك فى إطار سلسة حفلات توقيع كتب إصدارات المجلس التى يقيمها بصفة أسبوعية، وقد أصدر المجلس الأجزاء الثلاثة الأولى، والجزء الرابع قيد النشر .
بحضور الدكتور حاتم ربيع، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وبمشاركة نخبة من المثقفين والنقاد والكتاب المصريين والعرب، جاء على رأسهم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والشاعر حسن اللوزى وزير الثقافة اليمنى الأسبق، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومى للترجمة، والدكتورة منى طلبة أستاذة النقد الأدبى بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتور سعيد شوقى أستاذ النقد والأدب العربى الحديث بجامعة بنها، والدكتورة نجلاء فؤاد، أستاذة الأدب المقارن بقسم اللغة الفرنسية جامعة حلوان، ومن ليبيا حضر الروائى والناقد زياد على، ومن الجزائر الشاعرة والمترجمة الدكتورة حنين عمر، والكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ ناصف رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية.
كما حضر الحفل كوكبة من الشعراء من بينهم عاطف عبد العزيز وعماد غزالى، ومن الأكاديميين الدكتور فتحى أبو العينين أستاذ علم اجتماع الأدب؛ والدكتورة رشا صالح أستاذة النقد الأدبى، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الإعلاميين ومحبى الشعر، وقد أدار الحفل الشاعر أحمد الجعفرى.
قال الشاعر أحمد الجعفرى، أن أجمل ما بالحفل هو المصافحة المؤجلة منذ زمن طويل بين الشاعر الكبير حسن طلب، والدكتور جابر عصفور؛ وهى المصافحة التى كان ينتظرها الكثيرون؛ وقد شبه لقاءهما الليلة بلقاء السحاب الشهير فى الفن؛ ولكنه اليوم فى ساحة الشعر والنقد الأدبى، وتابع الحديث حول الشاعر حسن طلب، مؤكدا أنه يعد أيضًا أحد أعمدة الفلسفة، فلديه حجر فلسفة خاص به يصوغه بلغة تميزه، بحيث لو نسيت إحدى مخطوطات قصائده فى مكان ما ووجدها أحدهم، لعرف فى الحال أن هذا هو شعر حسن طلب، ونقل الجعفرى الكلمة للدكتور جابر عصفور طالبًا منه أن تكون كلمته عن الشاعر حسن طلب أساسا لمقالة يقرأها متابعوه بإحدى الصحف التى اعتاد أن ينشر مقالاته بها مثل الأهرام أو الحياة اللندنية.
أكد الدكتور جابر عصفور فى كلمته أنه من أشد المعجبين بشعر حسن طلب، أحد رواد السبعينيات فى الشعر المصرى؛ معتبرا قصيدته ( زبرجدة الخازباز) نقطة تحول فارقة، لأنها مثلت القطيعة بين جيل السبعينيات والجيل السابق عليه، ووضع الدكتور جابر يده على مجموعة من الخصائص المميزة لشعر حسن طلب؛ منها أولا: التمرد على النموذج الرومانسى لشعراء الخمسينيات الذين اتخذوا من القناع أداة فنية فى رؤاهم الشعرية، بداية من أدونيس وصلاح عبد الصبور وغيرهما؛ وخير مثال على هذا التمرد هو ( زبرجدة الخازباز) أى ذبابة الفاكهة التى حلت محل البطل الرومانسى التقليدى فى قصيدة القناع، وثانيا هذه الخصائص تحويل اللغة بحيث لم تعد مجرد أداة للتعبير فحسب؛ بل لا بد من الإلتفات إليها فى ذاتها كما أشار من قبل (الشكلانيون الروس) منذ مطلع القرن العشرين، وذلك هو ما يجعل حسن طلب شاعرا تراثيا حداثيا بامتياز، أما الخاصية الثالثة فهى : (الحدَّية) بمعنى الذهاب إلى ما وراء النهاية؛ أو ما بعد الحد الأقصى؛ وضرب مثلا على ذلك بديوان سيرة البنفسج؛ الذى يجمع بين أقصى حفاوة بزهرة البنفسج، وأقصى نفور منها، والخاصية الرابعة التى استند فيها الدكتور جابر إلى تراث المعتزلة؛ خاصة فكرة (التحسين والتقبيح) العقلى؛ والتى توجد لها شواهد كثيرة فى شعر حسن طلب؛ مما يجعله شاعرا مولعا بالتجريب، كما يبدو واضحا فى ديوانه (آية جيم) الذى لم يأخذ حقه نقديا باستثناء ما كتبته عنه الدكتورة سيزا قاسم.
وتابع، تأتى خامسا السمة الرمزية فى حسن طلب؛ وتشهد على ذلك رموزه المتعددة عبر مسيرته الشعرية، فالبنفسج رمز، والزبرجد رمز، والنيل رمز؛ مشيرا إلى أن هذا المنحى الرمزى هو أحد المظاهر الفنية التى تؤكد عبقرية حسن طلب الشعرية، والخاصية السادسة التى أسماها الدكتوبر جابر(المحاجة) فى شعر حسن طلب؛ لتعبر عن إحساس الشاعر الدائم بأن هناك قارئا معاندا يحتاج إلى مزيد من الإقناع؛ فكأننا أمام حجة تواجهها حجة أخرى؛ مما يجعل القارئ فى النهاية لا يجد أمامه إلا أن يقتنع بما يطرحه الشاعر؛ وهنا يصل الدكتور جابر إلى ما أشار إليه الفيلسوف الإسبانى "أورتيجا إى جاسيت" عندما تحدث عن تميز الفن الحديث بأنه ينزع الطابع الإنسانى عن الفن؛ بحيث يصير العمل الفنى هو مرجعية ذاته.
ويخلص الدكتور جابر عصفور فى نهاية حديثة، إلى أن شعرية حسن طلب تقوم على نوع من العقلانية؛ يذكرنا بتراث الشعراء الميتافيزيقيين الإنجليز؛ الذين استلهمهم صلاح عبد الصبور؛ والعقلانية المقصودة هنا؛ هى نقيض الاتباعية؛ على نحو ما يبدو فى عقلانية ت. س. إليوت، وكل هذه السمات أو الخصائص تجعل من حسن طلب شاعرا ذا قيمة كبرى.
وانطلقت الدكتورة منى طلبة فى حديثها، من ضرورة النظر إلى حسن طلب باعتباره شاعرا وفيلسوفا صاحب رؤية شاملة للمجتمع، وكذلك هو صاحب مشروع شعرى وثقافى شأنه شأن أبى العلاء المعرى، وهنا توقفت الدكتورة منى طلبة عند العمل الأشهر للمعرى: (رسالة الغفران) لتعقد مقارنة دالة بينه وبين ديوان حسن طلب (غاية المراد من زاد المعاد)، فكلاهما يقدم لنا خارطة للثقافة العربية؛ يتميز فيها أصحاب النزاهة المدافعين عن القيم العليا، وهم أبطال زاد المعاد: (نجيب سرور- على قنديل- صلاح عبد الصبور- شكرى عياد- جمال حمدان- رجاء النقاش- - محمود درويش)، عن سواهم من (أهل الغرض) أو أصحاب المصالح فى الثقافة المعاصرة؛ وأشارت الدكتورة منى إلى أن هذا الديوان الذى كتب بين عامى 1988-2008، يحمل نبوءة بما نعيشه اليوم من مأساة محاولة تهويد القدس بعد الاعتراف الأمريكى بها عاصمة للكيان الصهيونى؛ وهى تقصد بهذه النبوءة ما جاء فى قصيدة (فلسطين التى ستجىء) المهداة إلى روح محمود درويش.
ورصدت الدكتورة منى ظاهرة مهمة فى ديوان زاد المعاد؛ وهى محاولة تثبيت الهوية العربية عن طريق اللغة؛ وذلك من خلال استخدام اللغة العربية المعجمية دون إغفال لغة الحياة اليومية فى حياتنا المعاصرة؛ فهو شاعر تراثى ولكن من طراز فريد؛ فحركة اللغة فى شعره تتميز بأنها أفقية ورأسية فى ذات الوقت؛ فهو صاحب قدرة مميزة فى استخدام اللغة، تجعل قارئه يشعر بأننا أمام عازف ماهر يوظف الطاقات الصوتية الكامنة فى الألفاظ والأحرف: (آية جيم)؛ كما يوظف الطاقة الرمزية لإبراز التضاد بين الحجر الكريم (الزبرجد) وغيره من الأحجار الأخرى، واختتمت حديثها بأن هذا النص يعد فلسفية شعرية لها مكانتها البارزة فى مشروع الشاعر.
وانتقلت الكلمة إلى الدكتور سعيد شوقى، الذى يعرف شعر حسن طلب حق المعرفة؛ فقد ألف كتابا مهما عن قصيدته (زبرجدة الخازباز) تحت عنوان: (نسق إيقاع المعنى فى زبرجدة الخازباز)؛ وهو الكتاب الذى أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة العام الماضى، وقد حاول الدكتور سعيد أن يتتبع مسيرة الشاعر حسن طلب منذ بدايتها؛ رابطا ما بين التجارب الحياتية التى عاشها الشاعر من جهة؛ وتجاربه الشعرية من جهة أخرى؛ فمنذ محاولات الشاعر الأولى؛ يبدو تأثر الشاعر بالبيئة التى نشأ فيها بقرية الخزندارية مركز طهطا محافظة سوهاج؛ حيث تأثر الشاعر بثقافة والده الأزهرى؛ واطلع على مكتبته التراثية؛ فكان من الطبيعى أن يبدأ رحلته بالشعر العمودى؛ إلى أن انتقل من طهطا ليصبح طالبا بكلية الآداب جامعة القاهرة؛ واختار فى البداية قسم اللغة العربية؛ ولكن ما لبث أن تركه لينتقل إلى قسم الفلسفة الذى وجد نفسه فيه بعد أن استمع إلى محاضرات أساتذته الكبار التى جذبته لغتها الرفيعة.
وتابع: كان لهذه المرحلة الفضل فى انتقال الشاعر من القصيدة العمودية التى بدأ بها؛ إلى قصيدة التفعيلة التى ظل يكتبها إلى الآن؛ خاصة بعد أن تأثر بما كان يحضره من ندوات وأمسيات شعرية فى القاهرة؛ واقتنع بنصيحة الدكتور شكرى عياد التى رأى فيها أن الشاعر لا بد له من أن يعود إلى التراث؛ ولكن بشرط أن تكون فى جيبه (تذكرة العودة) حتى لا ينسى نفسه هناك فينفصل عن عصره، ثم تأتى بعد المرحلة الجامعية مرحلة التجنيد عقب النكسة؛ حيث أمضى الشاعر ست سنوات فى الخدمة العسكرية، خاض فيها حرب الاستنزاف ثم تجربة العبور 1973؛ وقد انعكست هذه المرحلة أيضا على شعره ونشاطه الثقافى عامة؛ فإذا به يخوض المعارك بالقلم هذه المرة؛ وهى معارك ثقافية كثيرة خاضها الشاعر بروح المقاتل عبر مسيرة تمتد من منتصف السبعينيات حتى اليوم.
وقبل أن يعطى الشاعر أحمد الجعفرى الكلمة للدكتورة نجلاء فؤاد؛ ألقى مقطعا طويلا يحفظه عن ظهر قلب من (زبرجدة الخازباز)؛ ثم تحدثت الدكتورة نجلاء فؤاد، التى تناولت ديوان (طهطا المهد طهطا اللحد)، مشيرة إلى أن الديوان تميز بنسيج نصى خاص، كما اعتمد الشاعر فى هذا الديوان على التصعيد الدرامى والخيال، بداية من الإهداء، وأوضحت أن قصائد هذا الديوان أشبه بلوحات فنية، وأن بنيته الفنية تقوم على مشاهد قصيرة موجزة وأخرى مطولة، تجعل المتلقى منغمسًا وسط الصراع الدائم الذى يبثه الشاعر خلال قصائد الديوان، إضافة إلى سطوة الحيرة فى ظل المعاناة التى تستشعرها الذات.
وتابعت الدكتورة نجلاء مؤكدة أن العاطفة نجدها دائمًا حاضرة بوضوح، بواسطة المكان الذى ينجذب له الخيال دائما مما يثير الشجن والحنين، فها نحن أمام ديوان شعرى، يمتاز بأبياته المفعمة بالحزن والأسى، يتولدان من خلال استمرار الفقد وتواصل الحرمان، ويرجع هذا إلى أن بعض الأرواح لا نملك إلا أن نصبح أسرى لشفافيتها، وفى ختام حديثها أعربت الدكتورة نجلاء فؤاد، عن سعادتها البالغة لوجودها بهذه الفعالية مشيرة إلى قيمة الشاعر حسن طلب الكبيرة، وفى السياق ذاته نوهت إلى أنها تعكف على كتابة عدة مقالات عن تجربة حسن طلب الشعرية، وستخرج للنور قريبا.
وقبل أن يعلن الشاعر أحمد الجعفرى عن فتح باب الحوار للحضور، تم عرض فيلم قصير يلخص أبرز المحطات فى رحلة الشاعر الفيلسوف حسن طلب، وأهم المشاركات والجوائز والتكريمات التى حازها الشاعر على الصعيدين المحلى والعالمى، ثم بدأ الحضور بإدلاء بعض آرائهم، وفى مقدمتهم الدكتور فتحى أبو العينين؛ الذى ألقى الضوء على قيمة مشروع حسن طلب الشعرى وأهميته، ثم ألقى الشاعر د. حسن طلب بعض قصائده لتكون خير ختام للحفل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة