سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 ديسمبر 1904.. وفاة الشاعر محمود سامى البارودى.. والشيخ محمد عبده إماماً للمصلين عليه

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 ديسمبر 1904.. وفاة الشاعر محمود سامى البارودى.. والشيخ محمد عبده إماماً للمصلين عليه محمود سامى البارودى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى صحوة الموت وعلى فراش مرضه الأخير، استجمع الشاعر محمود سامى البارودى ما بقى له من قوة، وضم إليه قيثارة الشعر يودعها ويغنى عليها اللحن الأخير، فيقول: «أنا مصدر الكليم النوادى/ بين الحواضر والبوادى/ أنا فارس أنا شاعر/ فى كل ملحمة ونادى»، ثم يقول لزواره المقربين إليه: «هل سمعتم بإنسان شكر الله على العمى، أنا ذلك الشاكر، فقد جنبنى الله رؤية الاحتلال»، «راجع: محمود سامى البارودى.. شاعر النهضة، تأليف على الحديدى، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة».
 
وفى يوم 12 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1904، حسبما يؤكد «الحديدى»: «اهتزت مصر من الأسى والفجيعة، وقد فقدت فى البارودى ابنًا من أعز أبنائها، ورائدًا لنهضة أصيلة فى الشعر، وفنانًا بعث الروح فى الأدب العربى كله، ومجاهدًا ثائرًا حاول أن يخلص وطنه من ظلم الاستبداد ويمنحه الحرية والاستقلال»، وجاءت الوفاة وعمره 65 عامًا «مواليد 6 أكتوبر 1839»، وبعد خمس سنوات من عودته إلى مصر، فى أول سبتمبر 1899، بعد أن قضى 17 عامًا فى المنفى، مرت ثقيلة عليه وعلى كل زعماء الثورة العرابية، التى انتهت بهزيمة جيش عرابى فى «التل الكبير» يوم 13 سبتمبر عام 1882، وعوقبوا بالنفى إلى جزيرة سيلان، وكان هو واحدًا منهم «راجع: مذكرات أحمد عرابى، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة».
 
«آمن البارودى بالثورة، فدفع لها عمره وأمواله كنموذج للوعى حين يغير الإنسان»، بتعبير صلاح عيسى فى كتابه «الثورة العرابية» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة»، وحسب «الحديدى»: «حين تم القبض عليه وإيداعه السجن، ظل على موقف الشرف والإباء الوطنى، كريم الأصل والعنصر، فلم يطعن الثورة من الخلف، ولم يغدر بزملائه، ولم يستجب للوقيعة بينه وبين عرابى أمام لجنة التحقيق»، ويضيف: «شغف بقراءة التاريخ والشعر، واستهوته قراءة شعر الفرسان والعيش معهم فيما يقرأ، فيحملون الزمن بخيالهم وتصويرهم».
 
انتشل الشعر العربى من ركوده الذى استمر قرونًا بسبب الاحتلال العثمانى، ومع إبداعه الشعرى بحث عما ينتشل مصر من كبوتها السياسية فأسس «الحزب الوطنى» مع آخرين فى عهد إسماعيل باشا، وطبقًا لكتاب «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر» عن «مكتبة الآداب، القاهرة، تأليف ألفريد بلنت، مراجعة الشيخ محمد عبده»: «هو أول من فكر فى قلب نظام الحكم فى مصر وتغييره إلى جمهورية، وأغراه إسماعيل أن يترك الحزب الوطنى، وعرض عليه المال لكنه رفض، وأنفق جميع إيراده الضخم على الحزب».
 
أصبح وزيرًا للحربية ورئيسًا للوزراء، ومن قيادات الثورة العرابية، والمنفى بفشلها حتى الستين من عمره، وفى المنفى هاجمته العلة والمرض وكاد يصاب بالعمى، وقررت جمعية الأطباء فى سرنديب ضرورة عودته إلى وطنه، لأنه سيصاب بالعمى إن ظل فى الجزيرة.. ويؤكد «الحديدى»: «تقدم بالتماس إلى الخديو عباس الثانى ليسمح له بالعودة، وألقى الشيخ محمد عبده بكل ثقله ومساعيه لينقذ صديقه، وتتكلل المساعى بالنجاح، ويعود يوم 12 سبتمبر عام 1899، وتواكب المواطنون ومن بقى من رفقاء الجهاد لتحيته».
 
يؤكد «الحديدى» أن عشاق الأدب والشعراء وأهل الفكر والعلماء توافدوا عليه لتهنئته، وتحولت داره فى باب الخلق منذ عام 1901 إلى منتدى للأدباء والشعراء والمفكرين، وتردد عليها شعراء، أشهرهم إسماعيل صبرى، أحمد شوقى، خليل مطران، حافظ إبراهيم، حفنى ناصف، محمد إبراهيم هلال، حامد خلوصى، حسن حمدى، عبدالمحسن الكاظمى، مصطفى صادق الرافعى، والشيخ محمد عبده، ومحمد رضا، وغيرهم.
 
فى هذه الندوة، وحسب «الحديدى»: «أخذت مدرسة النهضة ترسى قواعدها، وفى هذه الدار واصل تنقيح ديوانه الشعرى لطبعه، وكان يملى على كاتبيه- الشيخ ياقوت المرسى، والشيخ عطية حسنين- بعد أن كف بصره فى أيامه الأخيرة ما شاء من تغيير وتنقيح، وظل يرتب الديوان حسب قوافيه حتى أكمله فى 5313 بيتًا غير قصيدة «كشف الغمة فى مدح سيد الأمة»، وعدد أبياتها 447 بيتًا، وكذلك شغل نفسه بمختاراته، فاختار ثلاثين ديوانًا، وانتخب منها ما راق لفظه، ودق معناه، وخلا من الحشو والتعقيد، ورتب أسماء الشعراء على حسب مكانتهم، وبدأهم ببشار بن برد، رائد الشعر العباسى، لكن المرض سلط عليه فى منتصف عام 1904 ولم يطبع فى حياته، وطبعته زوجته أمينة يعقوب سامى فى عامى 1909 و1911».
 
فى الثانية من بعد ظهر الثلاثاء 13 ديسمبر 1904 خرج مشهده من داره فى باب الخلق، وأمّ المصلين عليه الأستاذ الإمام محمد عبده، ويقول صاحب «المنار» محمد رشيد رضا إنه لم يرَ الشيخ محمد عبده صلى على ميت- غير البارودى- إلا مأمومًا. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة