أرسلت الأميرة «إنجى» أرملة «سعيد باشا»، والى مصر الراحل، خادمها الأمين إلى الإنجليزى «برودلى» محامى أحمد عرابى، وسلمه رسالة من الأميرة وبعض الهدايا الثمينة، وفقا لتأكيد «برودلى» فى كتابه «كيف دافعنا عن عرابى وصحبه؟» ترجمة: عبدالحميد سالم، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة».
كانت الرسالة بتاريخ 15 ديسمبر «مثل هذا اليوم» عام 1882، أى بعد 12 يوما من إصدار المحكمة العسكرية حكمها بنفى «عرابى» إلى جزيرة سيلان، وكانت صاحبتها الأميرة إنجى، وهى، بوصف «برودلى»: «واحدة من أكثر النساء حبا للخير وأكثرهن شهرة فى مصر»، وشملت الرسالة تقدير إنجى للمحامى الإنجليزى لدفاعه عن عرابى، ويؤكد: «لم يكن سرا أن أعلنت أميرات الأسرة الخديوية باستثناء أم الخديو توفيق وزوجته، تعاطفهن القوى مع عرابى»، ويضيف، أن الوقائع الرسمية ذكرت أنه عقب ضرب الإسكندرية «11 يوليو 1882»، وهبت «أم الخديو إسماعيل» المسنة، وابنته الأميرة «جميلة هانم» خيولا للجيش كهدايا مجانية، وتشكلت اتحادات تحت رعايتهما لنجدة وإغاثة الجرحى فى كفر الدوار وإعداد إمدادات من الأتيال والضمادات ليستخدمها الجراحون فى الجبهة.
يذكر «برودلى» نص رسالة الأميرة إنجى إليه بما فيها من أخطاء، ويعتذر عما فيها من إطناب فى مديحه: «جانب بهى الشيم سنى الهمم الموسيو برودلى الأفوكاتو المحترم.. بعد إهدائى لجنابكم واجبات الثناء بكل احترام كما هو لايق بالمقام.. بما أن هذا القطر المصرى قد شرف بوجودكم وآمال السعادة بطلعتكم البهية ونور ذاتكم المرضية، فحصل عندنا وعند عموم أهالى هذا القطر مزيد المسرورية من حسن وداد وصداقة مساعى جنابكم الخيرية التى أوجبت إظهار العدل والإنصاف بأنفاس جنابكم الطاهر، فلا برحت أيام السعادة إلى جنابكم ناظرة ولا زلنا مؤملين بمشيئة البارى تعالى مرور العدل ديما على هذا النسق الذى هو قدركم، ولما انشهرتوا به من المساعى الحميدة والفعل المبرور الذى خلد فى قلوب الأهالى السرور حملنى بالتشكر لجنابكم، وإظهار ممنونيتى لنحوكم حتى يبيضو تاريخ دولة إنكلترا المتصفة بالعدل والكرم وعلو الشرف من القدم لا زالت السعادة محاظة بها مع بقاء عزها، حيث أنها هى الواسطة فى إزالة الكروب، ولما أشكر خصوصا الجناب المحتشم جناب المسيو بلنت «إنجليزى صديق عرابى» الذى له اليد والباع الطويل فذلك لكونه أجرى المساعى واهتم بقصد تشريفكم لهذا الوطن حفظكم الله وإياه من كل سوء، وكذا نتشكر جناب مندوبكم الذى قام بتأدية رسالة البشارة، وشرف سرايتى وأبلغ بما يسر الجميع وزادنى سرور بإظهار الحقائق، وعلى ذلك لا يمكن تأدية كمال الممنونية والتشكرات الكفيلة بالنسبة لشهرتكم بالمساعى الحميدة التى خلدت لجنابكم ذكرا جميلا لا ينكر».
بعد أن تلقى «برودلى» هذه الرسالة، ذهب إلى الأميرة إنجى لأنها «تود أن تحدثه حديثا غير متحفظ عن المشاعر الحقيقية للأسرة الخديوية فيما يتصل بأسباب ونتائج الأحداث الراهنة فى مصر»، وينقل «برودلى» اعترافاتها له: «إن كل فرد منا يتعاطف سرا، من بادئ الأمر مع عرابى، لأننا كنا نعرف أنه لا يسعى إلا لخير المصريين، واعتقدنا مرة أن توفيق كان أيضا فى جانبه، ولكن عندما اكتشفنا أنه يقصد خيانة مصر، كرهناه من قلوبنا»، وأضافت «إنجى»، أنها تحدثت مع توفيق عن سوء مسلكه مرتين فى منتهى الوضوح، ولكن لم ينصلح حاله بأية صورة، وأنه ذهب إلى الإسكندرية، وبعدها سمعت أنه انحاز تماما إلى الإنجليز، وتقول: «استقر رأينا جميعا منذ هذه اللحظة أن نتطلع فقط إلى «عرابى» للدفاع عن البلد، وعقدت اجتماعات من كل كبراء مصر فى القاهرة حضرها الأمراء إبراهيم وكامل وأحمد، واستقر الرأى بالإجماع على تفويض «عرابى» باستئناف الحرب».
يضيف «برودلى»، نقلا عن الأميرة، أنها كتبت إلى عرابى خطابا عرضت فيه أن تتزوجه باعتباره منقذا لمصر، فرد عليها بأن تهتم بشؤونها وتبقى فى دارها، ويؤكد أنه فور عودة «توفيق» من الإسكندرية بعد هزيمة عرابى فى 13 سبتمبر 1882، بعث أولا فى طلب الأميرة وعنفها لمكاتباتها لعرابى، ولكن أمها أعلنت فى شجاعة أنها هى التى كتبت الخطاب وختمته بخاتم ابنتها فكان مآلها الطرد، ويذكر «برودلى»، أن الأم عنفت بصوت عال الأغا الذى وشى بهما عند الخديو، وضربته فوق رأسه بكرسى فجرى بعد ضربه، وهو يدمى إلى سلم توفيق ليعلن عن شكواه، وينقل «برودلى» عن الأميرة قولها له: «فى النهاية صدرت لنا جميعا الأوامر بالذهاب إلى القصر، وكثيرات من السيدات كن يصحن خوفا، ولكن أم توفيق عنفتنا بصوت عال، وقالت إن «عرابى» سيستلمه الإنجليز ليقتلوه قتلا بطيئا بالمخاذير، وأمسكت بقائمة فيها أسماء كثيرات منا سجلن لينفذ فيهن حكم الإعدام».