خالد عزب يكتب: مصر فى الأساطير العربية.. بحث غير تقليدى

السبت، 16 ديسمبر 2017 06:00 ص
خالد عزب يكتب: مصر فى الأساطير العربية.. بحث غير تقليدى غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن المجلس الأعلى للثقافة فى مصر كتاب فريد فى بابه وموضوعه للدكتور عمرو منير، الكتاب عنوانه "مصر فى الأساطير العربية" وهو يعد من حيث الموضوع به جرأه من مؤرخ، ذهب إلى ما يهمله المؤرخون، ويعيد به قراءة ما يهمله المؤرخون المعاصرون.
 
img033
 
 
قدم الكتاب فاضل الربيعى بمقدمة جاء بها "إن التعرف إلى عالم العرب القديم (أى عالمنا الثقافى الذى نرغب فى دراسته) بشكل منهجى، ومنظم قد لا يكون ممكنًا دون عمل دراسى دؤوب، يعيد بناء فكرتنا عن قيمة وأهمية هذا الخزان اللغوى والشعرى والإخبارى الهائل الذى تركه لنا القدماء، إن الأنثروبولوجيا العربية الجديدة التى ندعو إلى إعلان قيامها، وتأسيسها والشروع فى وضع خططها الدراسية، تقوم على ثلاثة مرتكزات كبرى: قواميس اللغة، والشعر الجاهلى، والمرويات الإخبارية، وفى هذا الخزان العظيم بمرتكزاته الثلاثة، معارفُ لم نتمكن بعدُ من فهمها بعمق كافٍ، وثقافة قوية لم يتسن لنا بعد تعرف طبيعة قوتها وسحرها الخفى، ولا طاقتها المتفردة على الاستمرار بقوة زخم مدهشة، انطلاقًا من هذه الفكرة، يمكننى أن أقرأ بمتعة خاصة مؤلفات  الدكتور عمرو منير، وأن أرى فيها تطويراً منهجيًا خلاقًا لفكرتى عن المدرسة الأنثربولوجية العربية الجديدة، وبشكل أخص وأكثر تحديدًا، يمكننى أن أرى فى مؤلفه هذا- وهو يقرأ بعمق وذكاء مرويات الإخباريين الكلاسيكيين عن مصر- نقلةً نوعية تقطع كليًّا مع المدرسة التقليدية، فهو يحلل بجرأة ونباهة ودون ازدراء كلَّ شاردة وواردة فى نصوص الإخباريين، وكيف يجب أن نقرأ المرويات الإخبارية القديمة، دون أن نبدى أكبر قدر ممكن من التفهم لأشكال السرد القديم؟ أى السرد الذى يمزج، بسبب قوة التقاليد الثقافية، بين الأسطورى والتاريخى؟ ما يقوم به الدكتور  عمرو منير هو فى صميم هذا العمل.
 
بدأ المؤلف كتابه بعبارة مختارة بدقة من مقدمة ابن خلدون هى: "وإن فحول المؤرخين فى الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها، وسطروها فى صفحات الدفاتر وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل، وهموا فيها وابتدعوها، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها، واقتفى تلك الآثار الكثيرُ ممن بعدهم واتبعوها، وأدَّوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا رفضوا تُرَّهات الأحاديث، ولا دفعوها. فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح فى الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق فى الآدميين سليل، والتطفل على الفنون عريض وطويل، ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل، والحق لا يُقاوم سُلطانُه، والباطل يَقذِف بشهاب النظر شيطانهُ، والناقل إنما هو يملى وينقل، والبصيرة تنقد الصحيح إذا تمقُل، والعلم يجلو لها صفحات الصواب ويصقل..".
 
ويرى المؤلف أن هناك ثمة علاقة جدلية بين الموروث الشعبى والتاريخ، فالموروث الشعبى مادة من مواد التدوين التاريخي، التى تساعد على تفسير الظواهر التاريخية وفهمها، والتاريخ بدوره يشترك معه فى دعامات ثلاث: الإنسان، الزمان، المكان.
 
وهكذا، فإن مادة المؤرخ ومصادره تشمل فى ما تشمل الموروث الشعبى بكل أجناسه وإبداعاته التراثية للشعوب، سواء كانت بدائية أو متحضرة، أى كل ما تم إنجازه عن طريق استخدام الأصوات والكلمات، فى أشكال غنائية شعرية، أو نثرية متضمنة الاعتقادات الشعبية أو الخرافات والأساطير والعادات والتقاليد والرقصات والتمثيليات وغيرها، مما تنم به عن أساسيات التفكير وما تفصح عنه النظرة إلى علاقة الإنسان مقترنًا بيئته فى إطار من المعتقدات والعادات والتقاليد، التى تحمل رؤية العصر الذى يصوره. كما تكشف عن وجدان الإنسان الذى يحيا فيه، كما يصور هذا الإنسان بقضاياه التى يتعامل معها فى سياق فنى محكم وببساطة وعمق آسرين، وفوق كل هذا فهو يأتى فى مواجهة ما يكتبه المؤرخون المحترفون، سواء فى العصور السابقة أو فى عصرنا الحالي، من مؤلفات تعكس آراء أولئك المؤرخين وتفسيراتهم.
 
فقد مكث المؤرخون ردحًا من الزمن، يتجاهلون نتاج العامة الثقافى بروح من التعالى والغطرسة، التى جعلتهم يضربون عرض الحائط بما ظنوه ضربًا من العبث والخرافة، التى تناسب عقول العامة وإدراكهم. بيد أن التطورات التى ألمت بمجال الدراسات التاريخية دفعت بالمؤرخين إلى الاعتراف المتزايد بما طال السكوت عنه فى (الموروث الشعبي)، الذى يقدم إلينا رؤية جمعية للحقيقة التاريخية، إذ إن الجماعة فى رؤيتها للحدث التاريخى تقفز فوق التفاصيل، وعلاقات الزمان والمكان، ولا تهتم سوى برسم صورة كلية حُبلى بكل الرموز الاجتماعية والثقافية، كما تحرص على بلورة موقفها التاريخى إزاء الحدث، وهذه الصورة الشعبية غالبًا ما تحمل وعى الجماعة بذاتها، وتختزن فى طيات أحداثها الخيالية كثيرًا من المضامين التاريخية، ولهذا تبرز أهمية اعتماد المؤرخ على (الموروث الشعبي)، إلى جانب مصادره التقليدية، ذلك أن المزاوجة بين هذين النوعين من المصادر يساعد المؤرخ على استيعاب الظاهرة التاريخية ورسم صورة كلية لها.
 
لذا تأتى هذه الدراسة الموسومة بـ (مصر فى الأساطير العربية.. دراسة فى كتابات الرحالة والمؤرخين المسلمين)، فى محاولة لإثارة الوعى أو قُل "عودة الوعي" بتراثنا الحضارى، وهى تصدر عن رؤية تلتمس فى الماضى التفسير الشعبى للتاريخ، أو ما يمكن أن نسميه بـ "البعد الثالث" للدراسات التاريخية، أى التفسير النفسى والوجدانى ورؤية الجماعة الإنسانية لذاتها وللكون والظواهر والأحداث من حولها.
 
والمتأمل فى موضوعات الدراسة يلمس خيطًا أو عقدًا فريدًا يربط فصولها، إذ إنها تعالج فكرة محددة، فحواها أن التاريخ والموروث الشعبى وجهان متوازيان، يُفهم أحدهما بواسطة الآخر، مما يسَّر على الباحث أن يتخذ المنهج التاريخى والتحليلى فى رصد الأساطير والحكايات الشعبية والخرافية فى كتابات الرحالة والمؤرخين القدامى، وما نفذ إلى النصوص المتعلقة بمصر من مضامين فكرية ذات محتوى أسطورى موروث من المرحلة الغيبية السابقة التى كانت تشكل آراء التاريخ وموضوعاته، وعلى الرغم من صياغتها صياغة تاريخية فنية على يد الرحالة والمؤرخين فإن أصولها لم تُستغلق، مستفيدًا من أشتات المعلومات الدينية والتاريخية الممزوجة بالحكايات الشعبية والخرافات والأساطير المتناثرة عن مصر فى بطون الكتابات التاريخية والجغرافية.
 
ولقد اتخذت الدراسة من "مصر" محورًا بوصفها نموذجًا طيبًا يمثل العنصر الثابت –نسبيًّا- فى أركان العملية التاريخية (المكان)، فضلاً عن أنها اكتسبت فى مخيلة الرحالة والمؤرخين والكُتاب أبعادًا ودلالات اقتربت من الأسطورة والخيال، وأخذ هذا التصور يتمتع فى تلك المخيلة بصفةٍ تكاد تكون "نمطية" تنطوى على الصدق حينًا، وعلى الكثير من التصورات والأوهام الغامضة فى أحيان أخرى، ولعل هذه التصورات التى راحت تتضخم عبر العصور هى التى اجتذبت باقة من أعلام الشرق والغرب، أدباء ومؤرخين وفلاسفة ورحالة وشعراء وغيرهم، فأقبلوا بأقلامهم وريشاتهم مشوقين إلى روائع الماضى فى مصر، بما تحمله من دلالاتٍ جغرافيةٍ وتاريخيةٍ تمثل نمطًا فريدًا مفعمًا بالعلوم والفنون والسياسة والحكم، ومحورًا للعلاقات القائمة بين إفريقيا وآسيا.. بين أوروبا والشرق بين ذاكرة الماضى والواقع الفعلى، ومسرحًا لأهم الأحداث التاريخية العالمية.
 
هذه الدلالات كلها كانت الأرضية التى أسندت إليها مبادئ الدراسة الموزعة على تسعة فصول رئيسية، ومسبوقة بمقدمة، ومودعة نتائجها فى خاتمة، تلاها ثبت بالمصادر والمراجع المعتمدة، حيث أُفرد الفصل الأول للحديث عن أبعاد العلاقة بين التاريخ والأسطورة ومدلولهما، وجاء الفصل الثانى منها عن الأساطير والحكايات المرتبطة بأصل اسم مصر، وأصول المصريين أنفسهم، وما حملته تلك الحكايات الخيالية عن اعتزاز المصريين ببلادهم، وعن تنازع نسبة أصولهم إلى الحاميين، أو اليونانيين أو العرب، والكشف عن أن هذه الاتجاهات الثلاثة فى "الموروث الشعبى" كانت ترضى حاجة ثقافية/ اجتماعية لشرائح بعينها فى المجتمع آنذاك.
 
وخُصص الفصل الثالث لعرض المادة الفولكلورية التى تدور حول "فضائل مصر"، باعتباره نوعًا من التأليف نشأ بداية من القرن الثالث الهجرى جمع بين التاريخ والأساطير والموروث الشعبى، وكان إفرازًا للتفاعل القائم بين ما جاء به الإسلام، واللغة العربية، والموروثات الثقافية المحلية فى كل من أمصار دار الخلافة. أما الفصل الرابع فيتناول الأساطير والحكايات التى تناولت الحضارة المصرية القديمة وإنجازاتها، التى تشى بمدى إعجاب أصحاب هذه الحكايات وجمهورهم بإنجازات الحضارة المصرية القديمة التى بقيت رغم عوادى الزمن. وتم تخصيص الفصل الخامس للحديث عن الأساطير والحكايات التى تناولت الدفائن والكنوز المصرية القديمة وفراعنة مصر، التى كان الحديث فيها عن الكنوز بحمل بعضه شيئًا من الحقيقة، على حين حمل البعض الآخر رائحة المبالغة. كما حاولنا أن نكشف عن صورة ملوك مصر القدامى التى تاهت فى كتابات الرحالة والمؤرخين التى حفلت فى بعض موضوعاتها بالخيال الواسع. وعرضت فى الفصل السادس لأساطير أصول المدن المصرية القديمة، بما تحويه من أخبار العجائب والغرائب، والذى يدل على مدى إعجاب الرواة وانبهارهم بإنجازات الحضارة المصرية القديمة، وهو الأمر الذى بدا واضحًا من خلال تلك القصص الخيالية عن الأعمال الإعجازية لملوك مصر القديمة.
 
الفصل السابع جمع بين الحديث عن عمران مصر وما دار عنه من حكايات شعبية، إضافة إلى الحديث عن العجائب الموجودة على أرض مصر، على نحو يكشف عن حجم الخيال الذى غلَّف تاريخ مصر، ويكشف عن عجز الرواة عن الوقوف على تاريخها الحقيقى، التى كانت تحاول أن تقدم إجابات "تاريخية" عن حضارة تليدة مضت، ولكن آثارها ما زالت ماثلة أمام عيون الناس، التى تنسب الكثير من منجزات هذه الحضارة إلى أعمال السحر والخوارق. بيد أن بعض هذه الحكايات كانت تحمل ظلاً أو نواةً من الحقيقة التاريخية فى غالب الأحوال.
 
ودرست فى الفصل الثامن الأساطير والحكايات التى تناولت النيل ومصادر المياه فى مصر. حيث أحب المصريون بلادهم وعشقوا نيلهم، وصاغت أساطيرهم وحكاياتهم الشعبية هذا الحب وهذا العشق صياغةً جميلةً ومثيرةً، أكدت أن حياة المصريين ووجودهم اعتمدا على النهر النبيل اعتمادًا مطلقًا، وأن إحساسهم بهذا كان كبيرًا للغاية. وأُفرد الفصل الأخير عن الموروث الشعبى المتعلق بالشخصية المصرية التى ظلت عُرضة للأخذ والرد وتضارب الآراء والتحليلات عند المؤرخين عبر عهود مختلفة، والتى جاءت كتاباتهم متسمةً ببعض المبالغة أحيانًا والواقع أحيانًا أخرى. وتلك هى مفردات الخطة التى اهتديت إلى وضعها، آملاً أن تكون مستوفية موضوع الدراسة من الجوانب كافةً، ومتكفلة بتحقيق النتائج المرجوة لى فى هذا المجال، وهى أيضًا خطوة لا تخلو من نقصٍ ضرورى، يدعونى إلى المزيد من الحرص على البحث والتنقيب والتأمل والتسلح بطموحٍ ورغبةٍ فى الفهم والتساؤل.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة