آن الآوان لكى أعرف طعم الراحة ويكفينى كما قلت دور واحد وفيلم واحد كل عام.. وبدأت أنفذ هذا القرار بدقة عندما بدأت أشعر بحركة الجنين فى أحشائى.. إنها أسعد لحظة فى حياتى تلك التى شعرت فيها بأول حركة للجنين فى بطنى.. إن حياة جديدة تولد داخلى.. شعور جديد لم أعرفه من قبل بدأ يستولى على قلبى وكل أحاسيسى.. شعور لا تعرفه إلا الأم.. إن الحلم الذى انتظرته طويلا بدأ يتحقق أخيرا.. ونسيت السينما والأفلام والاستوديوهات والأضواء بل نسيت العالم كله ولم أعد أفكر ولا أهتم إلا بطفلى وتجربتى الأولى مع الأمومة.. وبدأت أعد الأيام والشهور وأرقب حركته داخل أحشائى وأنتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي سيخرج فيه الجنين إلى الوجود.. ومضت سبعة أشهر ولم يعد باقيا سوى شهرين.. وتمنيت أن يمر هذان الشهران فى لحظات.. أن أغمض عينى وأفتحهما فأجد طفلى بين يدى ألاعبه وأطعمه وأختضنه أوقبله بحب.. حب الأمومة الذى لا يدانيه حب آخر فى العالم.
وساعة الغروب وأنا ممدة فوق سريرى أحلم بطفلى القادم.. كنت أسمع صوت عازف الناى الذى كان يختار هذا المكان بالذات على النيل وهذا الوقت بالذات مع الغروب لكى يقدم ألحانه الؤثرة جدا.. وكان صوت الناى يختلط بأحلامى فيجعلها رائعة أكثر.
ومع منتصف الليل شعرت فجأة بآلام مبرحة.. ونقلونى بسرعة إلى المستشفى وغبت عن وعيى ولم أعد أشعر بشىء.. وعندما أفقت كان بطنى ساكنا هادئا لا حركة فيه.. وكدت أصرخ لكن الذهول قيد لسانى.. ما هذا الكابوس المزعج.. ما هذا الحلم المخيف.. هل هذا صحيح أم أننى أحلم.. رب اجعله خيرا.
ولم أفق من ذهولى إلا فى اليوم التالى، عندما عدت إلى البيت.. تمددت فوق السرير والحزن يعتصر قلبى ومن حولى صلاح وأختى وبقية الأهل.. وفى نفس الموعد سمعت صوت الناى.. لكن صوته اليوم حزين.
هذا جزء مهم يعبر عن الحزن الذى عاشته الفنانة الراحلة شادية، والذى ورد فى مذكراتها التى وردت عبر 15 حلقة تم نشرها فى أوائل الثمانينيات تضمن المشوار الفنى التى استطاعت من خلالها إحداث ردود فعل واسعة، ومؤخرا تمت إعادة نشرها مرة أخرى من خلال "كتاب اليوم" للناقدة الفنية إيريس نظمى والتى تشير فيها إلى أن شادية كانت ملكة الحب أحبت وعشقت وتعذبت وبكت بالدم والدموع.
دخلت قلبها لأبحث عن الرجل الذى يحتل قلبها الآن ولم أجد رجلاً لكنى وجدت شجرة!
اسمها الحقيقى فاطمة كمال الدين شاكر صاحبة موهبة متكاملة حلقت بها فى سماء الفن ورسمت نبرات صوتها الرقيق الفرحة فى قلوب عشاقها وقدمت الضحكة والبسمة، ورغم أنها أثرت الابتعاد عن الأضواء فى السنوات الأخيرة من حياتها، إلا أن أعمالها الفنية مازالت عالقة فى أذهان كل عاشق للفن الجميل.
حبى الأول من الصعيد
تقول شادية أول قصة حب فى حياتى حدثت عندما كان عمرى 17 عاماً، وقفت لأغنى ووقعت عيناى على شاب أسمر وسيم وأحسست أن نظراته قد اخترقت قلبى وبعد انتهاء الحفل فوجئت به يتقدم نحوى ويهنئنى وبعد فترة أرسل خطابا يعبر فيه عن حبه لى ويطلب أن يعرف موقفى من طلب الزواج؟ فوافقت لكن السعادة عمرها قصير فقد استدعى حبيبى فجأة للدفاع عن الوطن فى حرب فلسطين، حبست دموعى حتى غاب عنى وظللت أبكى وصدقت مشاعرى فذهب ولم يعد، فقد استشهد فى ميدان القتال، سقط حبيبى شهيداً واسمى يلف حول أصبعه فى دبلة الخطوبة.
قصتى مع عماد حمدى
بدأت الأقاويل تنتشر عن قصة حب فى قطار الرحمة، حكايات خيالية عن علاقتى بعماد حمدى داخل قطار الرحمة يحكونها بلا رحمة، وحتى الحكايات الحقيقية التى حدثت لا يحكونها كما وقعت بل يضيفون عليها ويلغون فيها وكان لابد أن يأتى ذلك اليوم الذى تقع فيه رسائلنا العاطفية المتبادلة فى أيدى من لا يرحمون، وبدأوا يهددون بنشر خطاباتنا على صفحات المجلات والصحف إنهم يريدون أن يحولوا قصة حبنا إلى فضيحة فكان لابد أن نتحرك بسرعة لندافع عن هذه العلاقة، وقررنا أن نضع نهاية سعيدة، وكان قرار الزواج لكن السعادة عمرها قصير لقد قضيت مع عماد أربع سنوات ذقت فيها حلاوة الحياة، ومرارتها لكن الغيرة كانت العيب الوحيد لعماد حمدى فعندما تدخل الغيرة قلب الزوج تبدأ المشاكل والمتاعب وتهرب السعادة من البيت ووجدنا أن الفراق هو الحل الوحيد.
حكاية غرامى مع فريد الأطرش حكاية طويلة
هآن ذا أعيش مطلقة بلا رجل أواجه الحياة وحدى ووسط هذا الضباب ظهر فريد الأطرش فى حياتى ووجدته مثالاً للرجل "الجنتلمان" الذى يعامل المرأة باحترام وبدأ حب فريد يملأ قلبى بعد أيام وشهور البؤس التى أعقبت طلاقى من عماد حمدى ولم أغضب من الصحافة والصحفيين، لأنى لم أخجل من قصة حبى لفريد وأمضيت معه أيام حلوة لم يكن يكدرها سوى غيرة المقربين إليه الذين لاحظوا انشغاله وانصرافه عنهم بسبب انشغاله الشديد بى.
إن فريد حياته غير مستقرة لا يتصورها بلا أصدقاء فكل سهرات الأسبوع يقضيها مع أصدقائه ولم أقدر على الاستمرار فى هذه الحياة فالاستقرار بالنسبة له شئ صعب بل مستحيل ولكن بالنسبة لى فهو شىء ضرورى وبدأت أشعر بأن حياتنا لا يمكن أن تستمر بهذه الصورة وحاولت أن أهرب من حب فريد الأطرش وانتهزت فرصة سفره إلى الخارج وتركت الشقة التى كانت فى عمارته بكل ذكرياتها الحلوة.
زواجى من عزيز فتحى أكبر خطأ فى حياتى
كان زواجى السريع من عزيز فتحى نوعاً من الهروب من حب فريد الأطرش وظننت أن ارتباطى برجل آخر هو الحل الوحيد، وكان قرارا من أكبر الأخطاء التى ارتكبتها فى حياتى، فلم أفكر فى نتائج هذا الزواج السريع الذى كان بالنسبة لى درساً قاسياً فآخر شىء يمكن أن أتصوره أنى سأطلب فى بيت الطاعة وأصر عزيز فتحى إصراراً عجيباً على ذهابى إلى بيت الطاعة ولم تكن هذه المرة الأخيرة بل تكرر ذلك مرات كثيرة لأن النزاع استمر خمسة أشهر.
أنا ومصطفى أمين
فى هذه الفترة تعرفت بالكاتب الكبير مصطفى أمين الذى أعتبره مسئولاً عن حياتى الجديدة حياة المرأة العاملة الناضجة.
دعوة من رئاسة الجمهورية وصلت الكاتب الكبير لحضور إحدى حفلات العشاء مع الرئيس جمال عبد الناصر لكن الكاتب الكبير لم يستطع إخفاء دهشته فالدعوة ليست موجهة له وحده بل موجهة أيضاً لزوجته "شادية".
ورفع الكاتب الكبير سماعة التليفون ليتحدث إلى الرئيس "عبد الناصر" ليقول له إنه ليس متزوجاً فرد عليه الرئيس، بل أنت متزوج شادية فرد "لا أنا لست زوجها" قال له: معلوماتنا تؤكد ذلك.. قال: ومن الذى حصل على هذه المعلومة.. قال الرئيس: المخابرات" صلاح نصر"!.
وضحك الكاتب الكبير وهو يقول كنت أرجو فقط من مخابرات صلاح نصر قبل أن تزوجنى أن تأخذ رأيى.
وتقول شادية فى نهاية مزكراتها إنها لو عاد بها الزمن إلى الوراء فكانت ستسير فى نفس هذا الطريق، طريق الفن رغم كل العذاب والأشواك إن عذاب الفن هو حياة الفنان وبدون هذا العذاب لا تكون لحياة الفنان معنى، وهذا القلق هو سر نجاح الفنان وبقائه، هكذا كنت دائما أحاول أن أعزى نفسى وأخفف عنها إما أن أكون إماً سعيدة بأمومتها وإما أن أكون فنانة سعيدة بأفلامها وأغانيها ويبدو أنه شىء صعب أن أجمع بين الهدفين.
مع صلاح ذو الفقار
اتصل بى صلاح ذو الفقار ليعرض على فيلم "أغلى من حياتى" وقلت له "لا مانع من قراءة السيناريو، وبعد ذلك سأحدد موقفى".
وسافرنا إلى مرسى مطروح لاختيار الأماكن التى تصلح لتصوير المناظر الخارجية، وهناك ساعد جمال الطبيعة وقصة الفيلم الرقيقة على نمو الحب بيننا، وتحت شمس أسوان الدافئة اكتملت قصة حبنا.