شهد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ 39 عرض الفيلم التونسى "الجايدة"، وهو الفيلم الذى تدور أحداثه قبل استقلال تونس وصدور مجلة الأحوال الشخصية، ويتناول قصص نساء تونسيات يتعرضن للقهر من رجالهن ويرسلهن القاضى الشرعى إلى ما يسمى بـ"دار جواد" وهى دار توضع فيها النساء للتهذيب من وجهة نظر المجتمع، وتتولى ذلك البيت امرأة يطلق على وظيفتها اسم "الجايدة"، وهو الفيلم الذى أجادت فيه مخرجته سلمى بكار النائبة السابقة فى تونس وأبطاله فى توصيل كل مشاعر النساء ممن عانين من القهر والظلم إلى الجمهور.
"اليوم السابع" استقبل صناع الفيلم التونسى، وهم، المخرجة سلمى بكار والأبطال خالد هويسة وسهير بن عمارة ورحمة الباجاوى مهندسة الديكور فى ندوة صحفية للحديث حول الفيلم والجدل الذى أثاره بعرضه فى المهرجان وفى تونس، وإلى نص الندوة..
كيف وجدت ردود الأفعال واستقبال الجمهور حول الفيلم وحالة الجدل ومحاولات نقد الفيلم من منظور دينى بالمهرجان ؟
سلمى بكار:
تعودت فى أفلامى كشف المستور والتحدث فى المسكوت عنه، ولكنى كنت قلقة من الجمهور المصرى لأنى أعتبر السينما المصرية متقدمة على بقية السينمات العربية، والجمهور المصرى يتذوق الفن والسينما ويتعاطى معها ويفهم اللغات السينمائية، وحقيقة كنت سعيدة بردود الأفعال، ولن يعترض على العمل سوى شخص واحد حاول الحكم على الفيلم من منظور ديني، وقلت له إننى أدافع عن أفكارى وكلنا أحرار، فأنا لدى سلام نفسى وتصالح مع الذات وفى جنوب تونس كان هناك أيضا من يفكر نفس فكر هذا الرجل.
ما هو المحرك الأساسى وراء تقديمك فيلم "الجايدة"؟
سلمى بكار:
الدافع الأساسى هو تنشيط الذاكرة الجماعية للشعوب، لأنى أشعر أنه أحيانا تفقد الشعوب الذاكرة وتمحو التاريخ وهناك بعض الحكام يحاولون محو ذاكرة شعوبهم، وكأن الحكام لديهم مشكلة مع الماضي، والعمل يعتبر استكمالا لثلاثية قدمتها من قبل تناولت فيها فترة الثلاثينات ثم الأربعينات، و"الجايدة" يتناول فترة الخمسينات قبل 8 أشهر من الاستقلال وصدور مجلة الأحوال الشخصية فى تونس، والتى كانت منعرج كبير فى حياة المرأة التونسية وبعدها تغير وجه تونس، وأصبح المجتمع التونسى منفتح على العالم وعلى اللغات والثقافات، وصدر وقتها عدد من القوانين جعلت المرأة التونسية فى مكانة متقدمة وفريدة فى نوعها، ونحن فخورين بأن المرأة التونسية كان لها حق الانتخاب قبل المرأة السويسرية على سبيل المثال، إضافة إلى أن التجربة السياسية التى عشتها كنائبة فى الفترة من 2011 وحتى 2014 تغيرت نظرتى للقصة التى بدأت الكتابة فيها منذ 2007، وأعددت بحثا فى الأحكام الشرعية التى كان يتم تأويلها للحكم على هؤلاء النساء ووضعهن فى "دار جواد".
هل كان الخوف من الإسلاميين وسطوتهم جزء من المحرك بالنسبة لك لتقديم الفيلم؟
سلمى بكار:
فى البداية لم يكن الأمر كذلك، لأننى عملت على الفيلم منذ 2007 ووقتها لم يكن هناك خوف على مكتسبات المرأة التونسية، ولكن وقت كتابة العمل فى 2007 كان السيناريو يقف لدى صدور مجلة الأحوال الشخصية، ولكن بعد دخولى عالم السياسة فضلت إضافة الفترة الصعبة التى مرت على تونس بصعود الإسلاميين وتدخلهم فى وضع الدستور وأعدت الكتابة مرة أخرى، وضفرت بها ما مرر به من أحداث إلى القصة.
هل كانت هناك صعوبة فى التحضيرات للفيلم سواء فى اختيار الممثلين أو تنفيذ العمل؟
سلمى بكار:
اختيار الممثلين لم يكن عملا صعبا، لأن السيناريو فى مرحلة الكتابة الأولى كان فى مخيلتى الممثلات ممن جسدن أدوار البطولة بالعمل، ومنهم وجيهة الجندوبى والتى جسدت شخصية بهجة، والتى شاركت أيضا فى الكتابة، أما باقى الأبطال فالأسرة الفنية فى تونس جميعها تعرف بعضها، وبالتالى لم يكن لدى صعوبة فى اختيار الأبطال.
كيف جاءت مشاركتك بالفيلم وما الذى جذبك لقبول الشخصية؟
سهير بن عمارة:
أنا والمخرجة سلمى بكار نعرف بعضنا جيدا، وكنا نتمنى العمل سويا، لأنها تحب الممثلين وتحرص عليهم وتتقرب منهم بشكل كبير، وحقيقة "يابختنا بيها"، وقبل التصوير عرضت على "بكار" الشخصية وفرحت بها جدا لأنها لمستنى وكان مشهد انتحار الشخصية هو أول فكرة كتبتها، وأعتبرها شخصية مثيرة وبها الكثير من التحولات والتركيبات النفسية واستهوتنى لأننى لم أقدمها من قبل أو حتى أقدم شخصية تقترب منها، وتعتبر بالنسبة لى مغامرة جديدة، لأنها تظهر شيئا مختلفا عما داخلها فهى تظهر كمحبة للحياة وروحها خفيفة لكنها تحمل داخلها ألما كبيرا، وهى أكثر الشخصيات بالفيلم تراجيدية ووصلت لنتيجة أنها فى كل الحالات محبوسة وجسدها يتسبب لها فى الوجع، فاختارت التحرر على طريقتها والانتحار، وبالفعل لم أتردد لحظة فى قبول الدور، رغم أن به جرأة وبعض الممثلات يخفن من ذلك ، إلا أننى كان لدى ثقة كبيرة فى "بكار" لأنها تجيد كيفية إخراج المرأة فى صورة رائعة بأعمالها.
كيف استطعت تجميع كل توليفة النساء فى المختلف ليعبرن عن أغلب نساء تونس؟
سلمى بكار:
حقيقة الشخصيات لم تكن مكتوبة بالكامل، وبالتالى هناك شخصيات نسائية كتبت أثناء الشروع فى تصوير العمل، وعلى سبيل المثال شخصية تفاحة هى ليست ممثلة بالأساس بل هى مطربة تغنى الأغانى الفلوكلورية وتمزجها بالحداثة، وشاهدتها فى أحد المهرجانات ووقتها قلت لها إننى أريدها معى بالفيلم ووافقت، البنت الثانية والتى جسدت شخصية "جمعة" هى بنت الثورة التونسية ونشأت فى دار أيتام ولا تعرف والدها أو والدتها، ووقت اعتصام الرحيل تبناها المعتصمون ووجدتها مناسبة للشخصية والتى أرسلتها فى الفيلم زوجة أبيها إلى "دار جواد" لأنها لا تعرف هى فتاة أم شاب بسبب طبيعة شكلها، فكل من كانت غريبة عن المألوف كانت ترسل الى "دار جواد"، حتى الفتاة السمراء والتى يعتبرها المجتمع "عبده" أرسلت الى دار جواد لأنها عشقت شقيق سيدها الأبيض، وبالتالى اعتبرها سيدها غير مألوفة ويجب تدخل "دار جواد" لأن السمراء لا يحق لها عشق الرجال من أصحاب البشرة البيضاء رغم أن شقيقه كان يعشقها.
ألا ترين أن الفيلم أيضا أظهر جانبا من قهر المرأة للمرأة؟
سلمى بكار:
هذه حقيقة، فالمرأة الكبيرة أو الأم هى التى تحمل العادات والتقاليد وتحافظ عليها وتبثها فى نفوس أولادها، فتقول للبنت إنها لا تخرج وليس لها الحق فى الحب ولا الحرية، بينما تقول للولد اخرج وافعل ما تريد حتى ولو خطأ، ولكن ذكر أيضا بالفيلم الأم "بهجة" وهى توصى ابنتها بأن تقرأ وتتعلم لأن العلم هو السبيل الوحيد لجعل المرأة حرة.
لماذا فضلت اختتام الفيلم برسالة مباشرة من خلال شخصية النائبة؟
سلمى بكار:
هذه جريمة سلمى بكار لأنى لم أستطع نزع نفسى كمخرجة من سلمى بكار السياسية، وأردت وضع تجربتى السياسية التى ألمتنى كثيرا وأخذت سنوات من عمرى حرمتنى فيها من رؤية ابنتى.
وهل وجدتم صعوبة تصوير العمل خاصة وأن أحداثه تدور فى الخمسينات والحياة وشكلها اختلف فى تونس كثيرا عن تلك الفترة؟
مهندسة الديكور رحمة الباجاوى:
الصعوبة كانت فى وجود بيت نصور به يشبه شكل "دار جواد" كما كان فى مخيلة المخرجة سلمى بكار، فبحثنا عن بيت يقارب الشكل الذى يشبه "دار جواد" بالسيناريو ولم نجد مكانا مناسبا سوى قبل التصوير بأيام قليلة، وكانت بكار تريد بيتا يكون به غرفة واحدة فقط فى الطابق الثانى، وهو الأمر الذى تطلب وقتا كبيرا للوصول إلى طلبها، أما الإكسسورات فلدينا فى تونس يحافظون على التراث، وكان هناك سهولة فى التعامل مع بعض محالات الأنتيكات والتى وفرت لنا كافة الاكسسوارات المطلوبة، وحتى الأكل والحلويات التى كانت بالفيلم قدمناها كما كانت فى الخمسينات.
ألم يقلقك تقديم مشهد لزنا المحارم داخل الفيلم خاصة فى أول مشهد من العمل؟
خالد هويسة:
هذه الملاحظة جديدة على مسامعى ولن ننظر للدور من هذا المنظور من قبل، فشخصية "الطيب" والتى قدمتها بالعمل اعتبرها محورية فهو رجل كريم ومنفتح على العالم الغربى ولديه علاقات مع الأجانب وزوجته فى نفس المستوي، وردة فعلها على خيانته لزوجته مع شقيقتها كانت كبيرة، ورغم محاولته التصالح معها، لأنه يحمل لها محبة كبيرة إلا أنها رفضت ذلك، فهو لديه شيزوفرينا، رغم انفتاحه إلا عندما حدثت تلك الأزمة بينهما خرجت ثقافته الذكورية ولم يتعامل معها بحكمة وذكاء و كان أسلوبه به قوة ونعرة شرقية بامتياز ومر معها بمراحل الى أن وصل الأمر الى حد العنيف والاغتصاب أيضا، وهو بالمناسبة أمر يجرم عليه القانون فى تونس.
من وجهة نظرك كيف ترى الوضع فى عربية العربية؟
سلمى بكار:
أول صورة خرجت لى بعد أن أصبحت نائبة كنت صوت 43 سيدة من الإخوان فى تونس، وكنا نتناقش معهن وكان يحدث صدام كثيرا، ولكن كان هناك احترام ولياقة فى التعامل وكان لدى أمل كبير فى مناقشة ما تحتاجه بلادى ونبنى تونس من جديد بشكل صحيح ، لكنى فوجئت بإستخدام الدين فى المصالح السياسية ولم أجد إرادة حقيقية للبناء وبالتزامن مع فوز الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى انتخابات مصر أصاب الإخوان فى تونس بالخوف الشديد، وكنا وقتها فى اعتصام الرحيل وكنا نراهم "وشهم أصفر ورايحين وجايين على الحمام"، اليوم هناك فى تونس خليط يسعى وراء المصالح وكيف يستغلون الشعب وثروات البلاد وهذا يبث فى نفوسنا إحباط كبير، لكن أنا متيقنة أن المجتمع المدنى والمرأة التونسية لديها الوعى والإرادة لتدافع عن الوطن وعن الحقوق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة