قرية السجاعية إحدى قرى مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والتى تبعد عن المدينة بأكثر من 15 كيلو متر باتجاه مركز قطور، وهى قرية من القرى الفقيرة التى يسعى أهلها على لقمة عيشهم سواء بالزراعة أو بالعمل فى شركة غزل المحلة أو فى بعض المصالح الحكومية، القرية التى عرفت مؤخرا بقرية الزواج العرفى، نظرا لقيام أهالى القرية بتزويج بناتهن الصغار دون السن القانونية، ظنا منهم أن بناتهن إن لم يتم زواجهن فى سن 12 وحتى 15 سنة يكون مصيرها العنوسة وقد فاتها قطار الزواج.
أحمد درويش مأذون قرية السجاعية
"الذنب مش ذنبى"، وناديت فى أهل قريتى بوقف زواج الفتيات الصغيرات "بهذه الكلمات بدأ أحمد درويش وشهرته "عادل" مأذون قرية السجاعية بمركز المحلة حواره لـ"اليوم السابع" بعد إخلاء سبيله من سراى النيابة العامة بكفالة 20 ألف جنيه بتهمة زواج القاصرات .
القصة لم تبدأ من اليوم، ولم تنته بالقبض على مأذون قرية أو محاكمته، فالأمر يتعلق بأعراف وتقاليد قرية، تلك القرية التابعة لمركز المحلة بمحافظة الغربية قرر أهلها أصحاب الدخل الضعيف والرزق المحدود زواج بناتهن فى سن صغيرة، فحين تبلغ الطفلة 15 عاما يدق العريس باب أبيها لتجد نفسها زوجة ومسئولة عن أسرة ومنزل، فبدلا من أن تلعب الطفلة مع أقرانها من نفس العمر تدخل فى دوامة الحياة، تلك القرية التى يحكمها عرف موحد لا يفرق بين أسرة متعلمة أو أسرة تسعى على قوت يومها باليومية، فالمتحكم الرئيسى فى تلك القرية مبدأ أن البنت إذا وصلت لمرحلة التعليم الإعدادى ولم يدق العريس على باب أبيها فأصبحت "عانس" أو "بايرة" كما يطلق عليها أهالى تلك القرية .
المأذون احمد احمد درويش
ومع تشديد القوانين بتحديد سن الزواج 18 عاما، لجأ الأهالى إلى الزواج العرفى لإكمال زيجة هؤلاء الفتيات الصغار، فيذهبون إلى مأذون القرية أو يلجأون إلى المحامين لكتابة عقود عرفية بالزواج، وضمانا لحق تلك الطفلة من وجهة نظرهم، يوقع الزوج "العريس" على إيصالات أمانة لحين بلوغ تلك الطفلة السن القانونية، وحينها يتم الذهاب إلى المأذون مرة أخرى لتوثيق عقد الزواج بصورة رسمية، ولكن هذه المرة يتم كتابة عقد الزواج بأن تلك الطفلة لم تعد البكر الرشيد ولكنها تكون امرأة "ثيب" وتحضر شهادة طبية من طبيب النساء والتوليد أنها لم تعد بكرا ولكنها متزوجه، والكارثة الكبرى أن هذه الطفلة "الزوجة" عند إنجابها لا تستطيع أن تثبت طفلها أو تحرر له شهادة ميلاد مثل أقرانه، ويظل هذا الطفل "ساقط قيد" لحين تحرير عقد الزواج الرسمى بعد عدة سنوات حين بلوغ أمه السن القانونية ويعقبها تقنين وضع هذا الطفل.
أحمد درويش مأذون قرية السجاعية مواليد 1 يوليو 1975 لدية ثلاثة أطفال "أحمد وهدى وجنى" حاصل على ماجستير فى القانون ويعد لرسالة الدكتوراه، فهو ابن عائلة تعمل بالمأذونية منذ عام 1886 منذ أن تولى جده الأكبر شحاتة درويش مأذونية القرية، وظلت تلك العائلة تتوارث المأذونية حتى وصلت إلى "الشيخ أحمد" "الشهير بعادل" كما يلقبه أهالى قريته .
الزواج تم للفتاة فى 2014
قال أحمد درويش فى حوار خاص لـ"اليوم السابع"، أنا دورى إثبات العلاقة الزوجية فقط بعد إحضار الطرفين العقود العرفية وليس لى علاقة بزواجهم فى سن صغيرة، فهناك آلاف الحالات بالقرية التى تتزوج بهذه الطريقة، ويقول استلمت العمل كمأذون للقرية منذ عام 2005 وتوقفت عن كتابة عقود الزواج للفتيات الصغار منذ فترة طويلة بعد تشديد العقوبات على ذلك، ولكن أهالى القرية من أولياء أمور الفتيات الصغيرات أصروا على الاحتفاظ بالعقود العرفية لبناتهن وإثبات زواجهن فى عهدتى على سبيل الأمانة، لثقتهم بى وباسم عائلتى، وأنا ملتزم بالقوانين إعمالا بالآية القرآنية الكريمة "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم"، مؤكدا أنه خرج منذ ثلاثة أشهر لمسجد القرية مخاطبا الأهالى بالتوقف عن زواج بناتهن فى سن صغيرة لعدم قانونية ذلك، مطالبا أئمة المساجد بإشهار أى زواج يتم عن طريق الزواج العرفى بالمساجد ولكن أهالى القرية لم يستجيبوا.
وأكد مأذون القرية لـ"اليوم السابع"، أنه يتقاضى 150 جنيها فقط مقابل تحرير عقود الزواج قائلا "أنا اللى غلطان إنى احتفظت بأوراق الزواج الخاصة بالفتيات عندى لأنى ليس لى بها أى علاقة، ولكن الأهالى تركوها عندى بصفة الأمانة وليس لى ذنب، ويجب محاسبة الأهالى الذين يصرون على زواج بناتهن فى سن صغيرة، مشددا "بعد اللى حصلى أى حالة هتجيلى فى غير السن القانونى مش هوافق" .
المأذون احمد درويش
فى حالة من الحزن الشديد قال المأذون، "أنا كبير عائلتى وما حدث كان له أثر سيئ على أطفالى وعائلتى ولن ينفعنى أحد من أهالى الفتيات فى أزمتى، فلن أتعامل بحسن نية مع أحد، أنا أخطأت ولن أكرر ما حدث مهما كلفنى الأمر".
وفجر مأذون تلك القرية مفاجأة عن عقود الزواج بها، فالأهالى لا يكتبون مؤخر صداق فى تلك العقود سواء رسمية أو عرفية، مؤكدا أن مستوى دخل الأهالى فقير للغاية، وهو ما يدفعهم بعدم التشدد أو الإصرار على الزوج فى كتابة مؤخر صداق لبناتهم .
وحول ما أثير أنه عثر بحوزته وقت القبض عليه على شهادات ميلاد مزورة قال أحمد درويش "أنا لا يمكننى التأكد من مدى صحة هذه الشهادات من عدمه، وبدلا من محاسبتى فعلى جهات التحقيق محاسبة أصحاب تلك الشهادات والتى أحضروها لى لعقد الزواج، وأنا وظيفتى أن أعقد الزواج فقط وليس التحقق من صحة الأوراق ".
وثيقة تصادق الزواج
وعند إجراء الحوار مع مأذون القرية فى منزله الذى يقطن به برفقة أشقائه، كان يجلس معه أولياء أمور زوج وزوجة تزوجوا عرفيا منذ 4 سنوات، جاءوا لكتابة عقد تصديق على الزواج، فبعد 4 سنوات كاملة من حياة زوجية كاملة نتج عنها إنجاب أطفال يذهب الأهالى لتوثيق تلك العقود، وكان برفقتهم العديد من الأوراق وهى شهادة طبية من طبيبة نساء وتوليد تفيد بأن تلك الفتاة لم تعد بكرا، ولكنها "ثيب" ومتزوجة ويتم كتابة ذلك فى عقد الزواج الرسمى والذى يتم توثيقة فى المحكمة .
على الجانب الأخر، طالب محمد الأميرى مأذون قرية الجابرية مركز المحلة بضرورة منح المأذونين سلطة الضبطية القضائية للإبلاغ عن أى أب يقوم بزواج ابنته قبل بلوغ السن القانونية، وضرورة عقد دورات تدريبية للزوج والزوجة قبل عقد الزواج لرفع وعيهم وثقافتهم حول الحياة الزوجية، على أن تكون شهادة الحصول على تلك الدورات شرط أساسى ومن الأوراق المطلوبة لعقد الزواج بصورة رسمية .
بداية الواقعة، بدأت بمعلومة وردت للعقيد عمرو الحبال رئيس فرع البحث الجنائى بالأحوال المدنية بالغربية، والعقيد يكن الخولى مفتش الأحوال المدنية بالغربية والمنوفية بقيام مأذون قرية السجاعية بتزويج القاصرات دون السن القانونى، تم عرض المعلومات على اللواء زكى مختار مدير مباحث الأحوال المدنية، واللواء طارق الأعصر مساعد الوزير للأحوال المدنية، ووجهوا بسرعة فحص المعلومات والتأكد من صحتها.
وتم استئذان النيابة العامة لضبط وتفتيش منزل المأذون، وعقب تقنيين الإجراءات تحركت مأمورية قادها العقيد يكن الخولى بالتنسيق مع إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن الغربية بقيادة اللواء أيمن لقية مدير الإدارة والعقيد محمد عمارة رئيس فرع البحث الجنائى بالمحلة وسمنود والرائد عمر أبو بكر رئيس مباحث مركز المحلة.
وتم ضبط عدد من عقود الزواج لفتيات تحت سن 18 سنة، و31 شهادة ميلاد لبنات قاصرات تحت 18 سنة، وبعرضه على النيابة العامة قررت إخلاء سبيله بضمان مالى 20 ألف جنيه والاستعلام من الأحوال المدنية عن عمر القاصرات.
اليوم السابع فى منزل المأذون
إقرارات الزواج فى يد محرر اليوم السابع
صورة لإقرار زواج
دفتر إقرارات الزواج
اليوم السابع فى منزل المأذون
المأذون يتحدث لليوم السابع
كشف رسوم توريد عقود زواج
محمد الأميرى مأذون قرية الجابرية
محمد الأميرى يتجدث لليوم السابع
صورة من عقد تصادق الزواج
المأذون احمد درويش
المأذون يتحدث لليوم السابع
صورة من إقرار زواج
كتابة شرط أن الفتاة ليست بكرا وقت كتابة عقد الزواج الشرعى
المأذون يشير إلى عقد تصادق زواج
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة