لا أدرك أى قيمة سياسية لفكرة مقاطعة زيارة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، أفهم طبعا أن يقوم الأزهر والكنيسة بالمقاطعة كرسالة تتعلق بالأخلاق والقيم والتعبير عن الغضب كرسالة «جانبية»، خاصة أن زيارة نائب الرئيس الأمريكى للمؤسستين الدينيتين هى زيارة شرفية فى المقام الأول وليس لها أى تأثير سياسى، لكن لا أفهم من يطالبون القاهرة برفض استقبال مايك بنس أصلا، فضلا عن هؤلاء الذين يطالبون بإغلاق سفارتى الولايات المتحدة وإسرائيل فى حزمة واحدة داخل القاهرة، ما هذا السفه والسخف والضعف وقلة العقل؟
نحن لنا حقوق فى القدس تدعمها الشرعية الدولية، ولا سبيل لحقوقنا إلا بالعمل السياسى والتفاوض والحوار والعلاقات الدبلوماسية، أما التنطع على الإدارة المصرية وتصوير المشهد بأن مقاطعة نائب الرئيس الأمريكى هى فعل «وجوبى» ردا على قرار ترامب بخصوص القدس، فلا أرى ذلك إلا من قبيل السذاجة والعبث اللذين أصبحا صبغة لصيقة بكثير من النخب السياسية المصرية، وقوى المعارضة على وجه الخصوص.
سلاح المقاطعة السياسية أثبت فشله المزمن عبر التاريخ، حتى البلدان الأعظم قوة فشلت فى التأثير على البلدان الأضعف بسلاح المقاطعة، الولايات المتحدة نفسها أخفقت فى كوبا وأخفقت فى إيران، ولم يؤد سلاح المقاطعة إلى تغيير يخدم المصالح الأمريكية العليا لا فى هذه الحالات ولا فى غيرها.
الحل هو الحوار، والتباحث، والحل لا يكون أبدا على حساب المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية الأخرى التى تربط مصر مع بلدان العالم، المقاطعة هنا تخدم الولايات المتحدة وإسرائيل ولا تخدم مصر، قل لى أنت من يمكن أن يتحدث باسم القضية الفلسطينية وباسم الحق العربى فى القدس أكثر من مصر، قل لى أيضا ما هى الدولة الوحيدة تقريبا التى لا تستخدم القدس فى التجارة السياسية الرخيصة أو فى التجارة الدينية لخدمة مصالح استخباراتية ونوازع توسعية داخل الإقليم؟
مصر هى الدولة الوحيدة القادرة على الحفاظ على قضية القدس نابضة بالحيوية، وقد برهنت القاهرة على ذلك تاريخيا، كما برهنت أيضا فى الموقف المصرى المتقدم فى الأمم المتحدة وداخل مجلس الأمن، رغم الفيتو الأمريكى الغاشم ردا على مشروع القرار المصرى.
نحن لا نحقق شيئا بالمقاطعة، فى حين نستطيع أن نحقق الكثير بالدبلوماسية والحوار وباستخدام الأدوات السياسية الفعالة، أما المقاطعة فليست أكثر من فعل ساذج لعقول مضللة.
المقاطعة ليست سلاحا سياسيا، لكنها سلاح تخاذلى يفتقد المنطق والحجة، ويفتقر للقيمة والإنجاز، وهؤلاء الذين يطالبون مصر بمقاطعة الزيارة هم أنفسهم الذين طالبوا هذا الشعب من قبل بمقاطعة الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية، ثم وجدوا أنفسهم فى زاوية صغيرة داخل هذه الأمة لا يسمعون إلا أنفسهم، ويتوهمون أنهم قادرون على التأثير والحركة.
لا تصدروا خيبتكم للأمة.