فقط فى أسوان.. إكرام الميت سرقة تربته.. مافيا القبور تنبش الجبانة الفاطمية وتبيع القديمة لجدد وتدفن القتلى بلا تصاريح.. جمعية دفن الموتى: اللصوص تركوا الرفات للكلاب.. والمحافظ يوصى بإخطار الأمن "صور"

الخميس، 21 ديسمبر 2017 12:00 م
فقط فى أسوان.. إكرام الميت سرقة تربته.. مافيا القبور تنبش الجبانة الفاطمية وتبيع القديمة لجدد وتدفن القتلى بلا تصاريح.. جمعية دفن الموتى: اللصوص تركوا الرفات للكلاب.. والمحافظ يوصى بإخطار الأمن "صور" الجبانة الفاطمية
أسوان – عبد الله صلاح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"إكرام الميت دفنه" هذا هو الغالب عند الناس عندما يموت عزيز لهم، إلا أن "بيزنس المال" سيطر على العقول الضعيفة وغّير هذه القاعدة وتلاعب بقواعد الموت وانتهك حرمة الموتى بعد أن غاب الضمير وعبث بجثث الساكنين تحت التراب، وأصبحت الجبانات تجارة للحفارين يبيعون ويشترون فى القبور لمن يدفع أكثر.

"اليوم السابع" يخترق عالم الحفارين ويرصد الانتهاكات التى يرتكبها غائبو الضمير الإنسانى فى التلاعب بقبور الآمنين، وذلك داخل واحدة من أقدم الجبانات فى مدينة أسوان، وهى الجبانة الفاطمية، والتى يطلق عليها "السيد البدوى".

وقبل الخوض فى تفاصيل الكارثة الإنسانية، نوضح أهمية الجبانة الفاطمية بمحافظة أسوان، كما يوضحها الأثرى علاء الدين سليمان، كبير مفتشى آثار أسوان الإسلامية، بأن جبانة أسوان الفاطمية تعد ثانى أقدم جبانة فى العالم الإسلامى بعد "البقيع" بالمدينة المنورة، نظراً لأن تاريخ الجبانة راجع إلى بدايات القرن الأول الهجرى بعد الفتح الإسلامى لمصر مباشرة، عندما تم العثور داخل الجبانة على أقدم شاهد حجرى إسلامى مؤرخ بعام 31 هجريا باسم عبد الرحمن الحجزى أو الحجازى، وهذا الشاهد محفوظ حالياً فى متحف الفن الإسلامى بالقاهرة.

         الجبانة الفاطمية بأسوان
الجبانة الفاطمية بأسوان

قال الأثرى علاء الدين سليمان، إن الجبانة تحتوى على مجموعة من القبور التى ترجع للعصور المختلفة، وأطلق عليها اسم الجبانة الفاطمية نظراً لأن غالبية الشواهد داخل الجبانة تعود للعصر الفاطمى حيث القبب الفاطمية القديمة، مضيفاً أن الجبانة تبلغ مساحتها نحو 6 أفدنة كانت تمتد من منطقة العنانى بوسط مدينة أسوان، والتى تسمى حاليا باسم "الجبانة البحرية" حتى طريق السادات حالياً والمعروفة باسم جبانة "السيد البدوى"، ولكن مع امتداد العمران وشق الشوارع والطرق اندثرت معظم هذه الجبانة وبقيت منها مجموعتان فقط.

بينما الأثرى محمد أبو الشيخ، المشرف العام الأمنى على المناطق الأثرية بأسوان، يقول عن الجبانة الفاطمية: قبل 6 سنوات خصصت وزارة الآثار مبلغ 4 ملايين جنيه، لإنشاء جبانة بديلة على طريق غرب أسوان ووقف الدفن فى الجبانة الفاطمية، حفاظاً على القيمة الأثرية بالجبانة، والتى يوجد فيها قباب فاطمية تعود للقرن الخامس الهجرى، وذلك لأن استمرار الدفن فى الجبانة يؤثر على القباب الفاطمية ويشوهها نتيجة اقتراب القبور بشدة من القباب الفاطمية، بجانب أن البعثات الأثرية لا تستطيع القيام بأعمال الترميم للقباب بسبب تزايد أعداد القبور، علاوة على تأثير المياه الجوفية على الجبانة بسبب انخفاض منسوب الجبانة عن سطح الأرض.

وأوضح الأثرى محمد أبو الشيخ، بأن قرار وقف الدفن بالجبانة الفاطمية لم يفعل، لأنه يحتاج إلى اجتماع عام لجميع الجمعيات المختصة بدفن الموتى وأخذ قرار بنقل دفن الأموات إلى الجبانة الجديدة، مع وجود قوة أمنية تنفذ القانون على من يخالف ذلك القرار، مشيراً إلى ضرورة وجود حراسة أمنية بالجبانة التاريخية خاصة أن مسئولى الأمن الأثرى يتعرضون للمشادات مع الأهالى إذا حاولوا منع الدفن داخل الجبانة الفاطمية.

وحول سبب عزوف الناس عن الدفن فى الجبانة الجديدة، أوضح حمدى حجاج، رئيس جمعية الحمر بأسوان، بأنه لا بديل عن الدفن فى الجبانة الجديدة بعد تكدس القبور بالجبانة القديمة، ولكن يجب توفير بعض التسهيلات لتشجيع المواطنين على الدفن فى الجبانة الجديدة بغرب أسوان نظراً لبعد المسافة عن مدينة أسوان بما يزيد عن 10 كيلو متر، لافتاً إلى أن هذه التسهيلات منها تخفيض أجرة نقل جثمان المتوفى بسيارة الإسعاف من مدينة أسوان إلى هذه الجبانة والتى تصل لنحو 200 جنيه، وأيضا إلغاء الرسوم المقررة على الجمعيات الأهلية نظير انتفاعهم بالجبانة الجديدة، والتى تقدر بحوالى ألف جنيه سنوياً، وزيادة الإنارة داخل الجبانة من أجل تسهيل إجراءات الدفن ليلاً.

         الجبانة الجديدة غرب أسوان

الجبانة الجديدة غرب أسوان

وحول الحديث عن سماسرة الحفارين، التقى "اليوم السابع" بعدد منهم إلا أن القليل الذى وافق على الحديث رافضاً ذكر اسمه الحقيقى، وأباح باسمه الحركى فقط، فيقول "أبو عمر": منذ سنوات طويلة هذه الجبانة يسيطر عليها مجموعة من الحفارين ليسوا تابعين لمجلس مدينة أسوان ولكنهم لجأوا إلى الجبانة كمأوى لكل ضال.

وبدأ أبو عمر، الحديث عن قصته قائلاً: "قبل سنوات أتيت إلى محافظة أسوان فأنا من أبناء محافظة الجيزة، وبسبب المخدرات وشرب الخمر ضللت طريق الهداية وتحولت حياتى إلى شيطان يعيش بين الناس أفترش الطرقات أحاول التسول من المواطنين فى الشوارع للحصول على الأكل وشراء بعض الأقراص المخدرة، حتى أن يوماً من الأيام ساقتنى قدماى إلى منطقة الجبانة وصادف وقتها أناس يدفنون ميت لهم والنساء تبكى والرجال يصرخون حزناً على فراقه، فهنا وقع ذلك أثره فى قلبى وعلمت أن الدنيا فانية".

وأكمل الرجل حديثه: مع الوقت ومبيتى فى الجبانة بين الأموات ومرور الجنائز يومياً، بدأت أقف مع الناس وأساعدهم فى الدفن، وأدعوهم لقراءة الفاتحة بعد الفراغ من دفن الميت، وكان ذوى الميت يتركون لى بعض الأموال ويقولون لى "أحسنت يا مولانا"، بعد أن بدأت مظاهر اللحية والزهد فى هذا المكان الموحش.

"أبو محمد" أحد الحفارين، رفض الحديث فى بداية الأمر ولكن مع حديث زميله قبل أن يتكلم بالقليل ويكشف بعض أسرار "بيزنس الدفن" قائلاً: نحن لسنا تابعين لمجلس المدينة، ولكننا تواجدنا فى هذه المهنة بعد غياب العاملين الأصليين فيها، ونعلم جيداً أن الدفن فى جبانة السيد البدوى أصبح صعب جداً بسبب كثرة الدفن والقبور فى هذه الجبانة، ولذلك نوفر على أهل الميت الانتقال إلى الجبانة الجديدة غرب أسوان، ونحصل منه على مبلغ مالى يكون على حسب ما يدفعه أهل الميت وعادة ما يكون ما بين 400 إلى 800 جنيه.

وأوضح "أبو محمد"، بأن هناك بعض الناس الذين يأتون إليهم بجثث مقتولة فى أوقات متأخرة من الليل وليس فى الجنازة إلا عدد قليل وليس معهم أوراق رسمية لأنهم لم يذهبوا بالميت إلى المشرحة واكتفوا بإخطار الطبيب الشرعى بأنها وفاة طبيعية حتى يستخرجوا له شهادة الوفاة، وهؤلاء يدفعون 2000 جنيه وأحياناً أقل وأحياناً أكثر.

بعض أهالى الموتى الذين رصدوا جرائم بيزنس الدفن فى جبانة أسوان، كشفوا عن قيام بعض الحفارين بنبش القبور القديمة التى تحولت إلى هياكل عظمية ورفات، لحفر قبر لميت جديد يدفن مكانه ويحل محل المتوفى القديم، ومن هؤلاء المواطنين الذين اكتشفوا هذه الوقائع "أصولى مرعى" مدير عام بالمعاش، والذى أكد أنه تعرض إلى موقف غريب، أثناء توجهه فى شهر مايو الماضى لزيارة قبر والدته الحاجة "عطيفة محمد على" والتى توفت عام 1993، داخل جبانة أسوان القديمة، وأصابه الذهول من هول المفاجأة بعد أن اكتشف عدم وجود قبر والدته أو الشاهد الموضوع على القبر.

        الجبانة القديمة مملوءة بالقبور

الجبانة القديمة مملوءة بالقبور
 

وأشار "مرعى"، إلى أنه عثر على قبر آخر لسيدة غير والدته مدون اسمها على الشاهد الموضوع على القبر وتاريخ دفنها يرجع إلى شهر مارس من عام 2017، وحاول التقصى عن الحقيقة وسأل واستفسر عن الواقعة من المسئول عن الدفن، فوجد أن "الحفارين" قاموا بنبش القبور القديمة ومنها قبر والدته لإخراج رفات وعظام الموتى القدامى وإحلالهم بموتى جدد، وتكسب هؤلاء الحفارون نظير فعل هذا.

وتقدم نجل المتوفاة "عطيفة"، ببلاغ للمحامى العام لنيابات أسوان حمل رقم 608 لسنة 2017، وعلى إثره قرر المحامى العام تشكيل لجنة لمعاينة الجبانة، وأثناء قيام فريق النيابة بزيارة المكان وجد أن مسئول الدفن استرجع اللافتة القديمة للمتوفاة ووضعها على قبر مجهول، إلا أن ضابط الشرطة اكتشف زيف هذه الخدعة من خلال اكتشاف حداثة البناء لهذا الشاهد، وتم القبض على مسئول الدفن وقررت النيابة حبسه على ذمة التحقيقات.

موقف آخر يحكى عنه رمضان حسن، أحد المواطنين بمدينة أسوان، قائلاً: "يقوم بعض الحفارين بحفر قبور جديدة فى الممرات والفواصل الواقعة بين القبور، بسبب زيادة أعداد القبور داخل الجبانة، وانتشارها بشكل عشوائى خلال السنوات الأخيرة، فالقبور الجديدة يحفرونها فى أى موضع فارغ داخل الجبانة"، مشيراً إلى غياب ضمير بعض الحفارين لأنهم ليسوا موظفين خاضعين لمجلس المدينة، وبالتالى يصنعون فى القبور ما بدا لهم "على حد قوله".

ولفت "حسن" إلى أن هؤلاء الحفارين أصبحوا مافيا داخل جبانة أسوان القديمة، وزعوا أدوارهم وتقاسموا أرباحهم من الناس وأهل الموتى، ونسوا أن من يتاجرون فيهم هم أصحاب الأخرة وأرواحهم فى يد خالقهم وبقيت أجسادهم بين التراب لا حول لها ولا قوة.

جمال عجاج، رئيس جمعية دفن الموتى بمدينة أسوان، أكد أن الجمعية تقدمت بالعديد من الشكاوى للمسئولين، وكان آخرها الخطاب الموجه باسم الجمعية لمحافظ أسوان اللواء مجدى حجازى، فى مارس الماضى، لمحاولة لقائه وعرض صور الانتهاك التى تقع داخل جبانة أسوان القديمة لعدد كبير من القبور.

وتابع "عجاج" الحديث، بأن هناك جريمة تُرتكب فى حق الموتى وحرمتهم، وأصبحت الجمعية عاجزة عن حماية الموتى، بعد أن تم سرقة القبور وانتهاكها، ونبش عظام الجثث ورفاتهم وتركها هؤلاء الذين لا ضمير لهم فى العراء أمام الكلاب الضالة، مضيفا أن جبانة أسوان تعانى من اكتظاظها بالموتى وعدم توافر أى أماكن لدفن جديد، مما ترتب عليه قيام الحفارين الموجودين بالجبانة بتفريغ القبور من الجثث القديمة وبيع التربة لذوى الجثث الحديثة وبأسعار باهظة بغرض الربح غير المشروع، وغير عابئين بمصير الجثث القديمة، كما أن الأمر أدى إلى تناثر عظام الجثث القديمة والتى سرقت قبورهم.

وأضاف "عجاج"، أن المقر الإدارى لجمعية دفن الموتى تم استغلاله والتعدى عليه من قبل أصحاب المحلات، وعندما حاولت الجمعية إخراجهم من داخل مقر الجمعية، استغلوا مدخل الجمعية بالكامل بمساحة 4 متر × 2 متر، ولا يستطيع أى عضو بالجمعية الدخول إليه حالياً، تحت سمع وبصر مجلس مدينة أسوان وشرطة المرافق، مطالباً محافظ أسوان بسرعة إنهاء هذه المشكلات والبحث عن حلول شرعية وقانونية تحت مظلة قرارات حاسمة وفورية تحقيقاً لمصلحة المواطنين وتنفيذاً للصالح العام.

وحث رئيس جمعية دفن الموتى بأسوان، المسئولين بالمحافظة والهيئات الوقفية والخيرية، بسرعة المبادرة لتكريم المقبورين وصيانة القبور قبل اندثارها داخل جبانة أسوان القديمة.

الدكتور إيهاب عماد، وكيل وزارة الصحة بأسوان، أكد أنه جار مراجعة حالة الجبانات داخل محافظة أسوان، بما فيها جبانة أسوان القديمة، الواقعة أمام المعهد العالى للخدمة الاجتماعية، بالتنسيق مع المحليات والجهات الأمنية لرصد أى مخلفات فيها مع إصدار القرارات الخاصة بإزالة التعديات والعشوائيات وموارد المياه العشوائية بالجبانة، موضحاً بأن هناك رقابة مشددة من أجهزة الصحة لمتابعة الجبانات من خلال الحملات التفتيشية المكبرة للتأكد من طرق الدفن وفقا للمواصفات الصحية، ولمراعاة حرمة الموتى.

محمود عليان، رئيس مدينة ومركز أسوان، قال إنه التقى رئيس جمعية دفن الموتى، فى اجتماع ناقشا خلاله صور التجاوزات فى حق الموتى والقبور بالجبانة القديمة، وأوجه التعديات والإشغالات على مقر الجمعية، وأنه سيقوم بزيارة الجبانة على أرض الواقع، بناءً على توجيهات اللواء مجدى حجازى، محافظ أسوان، والذى أصدر قراراً بتشكيل لجنة متخصصة برئاسة رئيس مدينة أسوان، لمعاينة الجبانة والكشف عن ظواهر المخالفات، مع نقل الدفن إلى الجبانة الجديدة بعد غلق الجبانة القديمة والجبانة الفاطمية.

وفى سياق متصل، أوضح محافظ أسوان، أن مشكلة المياه الجوفية بالجبانة هى مشكلة المياه الجوفية فى أسوان عامة وسببها توقف آبار إنتاج المياه والاستغناء عنها بمدينة أسوان الفترة الماضية، بجانب توقف إنتاج آبار المياه التابعة لشركة كيما، علاوة على وجود تسرب من الأحواض السمكية ومصارف الرى غير المبطنة، فضلاً عن وجود تسرب من شبكات مياه الشرب والصرف الصحى.

وشدد محافظ أسوان، على أن المحافظة تقدمت شوطاً كبيراً فى حل مشكلة المياه الجوفية، داخل مدينة أسوان، من خلال تبنى مبادرة بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجى، لحل المشكلة لخفض المياه الجوفية بمدينة أسوان بمشاركة 6 جهات علمية، بالإضافة إلى الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، لافتاً إلى أن دراسات أكاديمية البحث العلمى توصلت إلى ضرورة إعادة تشغيل الآبار الموجودة سابقاً، بالإضافة إلى تبطين المفرخ السمكى التابع لهيئة الثروة السمكية حتى لا يصرف مياه غير نظيفة.

وأكد اللواء حجازى، أنه قرر تشكيل لجنة برئاسة السكرتير العام وعضوية هيئة الثروة السمكية ومديريتى الرى والزراعة، وشركة مياه الشرب والصرف الصحى، لمتابعة تنفيذ هذه الحلول، لخفض مستوى المياه الجوفية.

       بلاغ المحامى العام بأسوان
بلاغ المحامى العام بأسوان

 

  الإشغالات على جمعية دفن الموتى
الإشغالات على جمعية دفن الموتى

 

       التعديات تحاصر جمعية دفن الموتى
التعديات تحاصر جمعية دفن الموتى

 

    مذكرة استغاثة لمحافظ أسوان
مذكرة استغاثة لمحافظ أسوان

 

      مذكرة استغاثة لمحافظ أسوان
مذكرة استغاثة لمحافظ أسوان

 

      تضاعف عدد الجثث داخل القبور
تضاعف عدد الجثث داخل القبور

 

   تحقيقات النيابة
تحقيقات النيابة

 

   جنازة داخل الجبانة الفاطمية
جنازة داخل الجبانة الفاطمية

 

    آثار المياه الجوفية
آثار المياه الجوفية

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة