الامير سلطان بن سلمان
مدهش ما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطنى بالمملكة العربية السعودية بقيادة صاحب السمو الأمير سلطان بن سلمان، فالهيئة تبذل جهدا هائلا فى الاكتشافات العلمية الأثرية لتراث وآثار الجزيرة العربية، وهو عمل، لو تعلمون، عظيم، إذ إننى أجد فى استراتيجيات هذه الهيئة النشطة والفاعلة خطوة متفردة لتأصيل وتوثيق التاريخ العربى والإسلامى، وحماية عقول الأمة من المزاعم التى يرددها بعض المستشرقين، أو التى يروج لها المرتابون من أبناء هذه الأمة، أو تلك القوى التى تسعى لضرب الأمة فى هويتها الدينية والعروبية.
عمل هذه الهيئة ليس مقصورا على الاكتشافات الأثرية لأغراض سياحية فقط، على أهمية صناعة السياحة فى خريطة مستقبل المملكة، لكن المفاهيم الاستراتيجية التى تسعى إليها هذه الهيئة أكبر من ذلك كثيرا فى تقديرى، فهذه الاكتشافات ترتبط بحضارة العرب قبل وبعد الإسلام، وتوجه الأمير سلطان بن سلمان لعصر ما قبل الإسلام يتضمن شجاعة علمية وثقافية وحضارية غير مسبوقة فى مواجهة بعض من يخاصمون التاريخ، أو أصحاب الفتاوى التى تعتبر أن المرحلة «الجاهلية» قبل الإسلام لا تستحق عناء البحث والدراسة، فالأمر هنا لا يرتبط بالسياحة والآثار فقط، لكنه يرتبط عضويا بتقديم تصور شامل وعلمى لتاريخ الدين الإسلامى نفسه وتوثيق الأحداث التى سبقت زمن البعثة، والوقائع التى شهدتها مرحلة التكوين والرسالة ونشأة الحضارة الإسلامية.
استمعت شخصيا لرؤية سمو الأمير سلطان بن سلمان، وأدهشنى المفاهيم التى يؤسس عليها عمله فى الهيئة، والرسالة التى يراها لدور هذه المؤسسة الوطنية السعودية، تصورت فى البداية أننى سأستمع إلى رؤية لمسؤول كبير مهتم بتطوير السياحة فى بلاده، لكن ما استمعت إليه هو رؤية لمثقف كبير برؤية حضارية متكاملة، وبمفهوم لدور الآثار والتراث أبعد كثيرا من كونها «منتجات سياحية» قابلة للتسويق.
سأقتبس لك هنا فقرة واحدة من محاضرة الأمير سلطان بن سلمان، لتعرف أننا لسنا أمام هيئة تهتم بالآثار «اقتصاديا وسياحيا» لكنها تهتم بالتاريخ والحضارة الإنسانية وفق منظور أوسع لخدمة الدين الإسلامى، وخدمة الحضارة الإنسانية على وجه العموم.
يقول الأمير سلطان ما يلى:
«الإسلام امتداد للأديان السماوية، وجوهره التوحيد الخالص لله تعالى، وهو دين الفطرة الذى اختاره الله سبحانه وتعالى للبشرية منذ خلقها الله، وأن اختيار الجزيرة العربية مهبطا للوحى ومهدا لرسالة الإسلام الخاتمة التى نزلت على النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، امتداد لذلك التدبير الإلهى، وأن مسار الحضارة فى الجزيرة العربية مرتبط بهذا الموضوع الأهم فى تاريخها، ولذا فإن الإسلام لم ينزل فى أرض مفرغة من الحضارات، بل إن كل ما وقع على أرض الجزيرة العربية من أحداث دينية وحضارية وإنسانية كان بمثابة مقدمات وبشائر هيأت وأفضت إلى بزوغ شمس الإسلام من هذه الأرض المباركة، لذلك فالعناية بآثار الحضارات الإنسانية على أرض الجزيرة العربية تعد فى نظرى من باب العناية بتاريخ الدين الإسلامى والحضاة العربية والإسلامية فى مكان قدر الله أن يكون مهيأ عبر مراحل تاريخية متعاقبة ليشهد انطلاق الإسلام دينا للبشرية جمعاء وفى لحظة تاريخية مقدرة منذ الأزل».
هذه الرؤية ليست من صنع عقل يفكر فى «بيزنس السياحة والآثار» لكنها من صنع ضمير مثقف ينظر إلى الإسلام فى سياق الحضارة الإنسانية الشاملة، ويعرف جيدا ما الذى يقوله المستشرقون والمشككون عن تاريخ هذا الدين، ويعرف أن عمله يصب فى النهاية لصالح الدين، ولصالح التوحيد، ولصالح الإنسانية.
كإنسان مسلم، أشعر بالفخر لهذه الرؤية، وأشعر بالبهجة لهذا العمل، وأتمنى أن تتوسع الهيئة فى نشر الاكتشافات الأثرية والدراسات العلمية التراثية فى جميع البلدان العربية، إذ إن الرسالة هنا تتعلق بالإسلام نفسه وبالمسلمين جميعا.
هيئة السياحة والتراث الوطنى السعودى
جبل عرفات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة