تسير قطر على نهج حليفتها إسرائيل فى محاولة بسط نفوذها بالقارة السمراء، ففى هذا الإطار استأنف تميم جولته لأفريقيا والتى تشمل 6 دول هى مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وغينيا والسنغال، طامحا فى شراكات اقتصادية معها من ناحية وزعزعة العلاقات الخليجية الأفريقية من ناحية أخرى، مستغلا فى ذلك سلاح المال وغدق التبرعات الخيرية على دول أفريقية فقيرة ، فأعلنت المتحدثة باسم الخارجية القطرية أنه ينتوى خلال زيارته لبوركينا فاسو التبرع بـ 13.8 مليون دولار مستشفى لعلاج السرطان وفى المقابل يطمح فى توقيع اتفاقيات للتعاون في مجالات الصحة والتعليم والأمن الغذائي.
ليست هذه المحاولة الأولى لقطر لبسط نفوذها بقارة أفريقيا بل سبقها عدة إرهاصات ، وكانت قد كشف تقارير غربية حجم المساعدات الإنسانية التى أرسلتها قطر لعدد من الدول الأفريقية، من خلال المؤسسات الخيرية التى دشنتها الدوحة خصيصا لهذا المجال، وكانت الدول التى حظيت على نصيب الأسد من المساعدات هى السودان وغانا ومالى، التى تتلقى تمويلات بحجة دعم قطاعات كالصحة والتعليم وغيرها وفى الواقع تذهب تلك الأموال لجماعات متطرفة.
قطر وإسرائيل ..علاقة حميمة
وفى ظل توتر علاقتها مع اشقائها العرب لم تحاول قطر إخفاء دفء علاقتها بإسرائيل، والاحتماء بها ، بل سعت لتوطيدها من خلال محاولات تميم لقاء اللوبى الصهيونى بالولايات المتحدة ، طامحا فى دعمه فى مواجهة مقاطعة العرب له ، وهذه العلاقة لم تكن وليدة اللحظة بل ضاربة فى جذور التاريخ فبعد انقلاب حمد على والده الشيخ خليفة آل ثاني عام 1995، استفادت الدوحة من عملية السلام التي كانت جارية بين الفلسطينيين وإسرائيل، لتعلن افتتاح مكتب تجاري لإسرائيل في العاصمة القطرية.
نتنياهو
وتم افتتاح هذا المكتب التجاري في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز عام 1996، كما تم التوقيع آنذاك على اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب، وكانت الدوحة تتذرع بأن علاقاتها بإسرائيل ساهمت في حل قضايا وإشكالات كثيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
أفريقيا مطمع الإسرائيليين والقطريين
"أفريقيا" أضحت تترنح بين أطماع الإسرائيليين والقطريين، حيث يعتبر موقع القارة السمراء في العالم الأهم على الصعيد الجغرافى والسياسى، لأنها تتوسط الممرات الملاحية بين القارات الخمس، فهى تطل على: مضيق جبل طارق، قناة السويس، مضيق باب المندب، رأس الرجاء الصالح، ويحيط بها جزر تطل على المحيطين الأطلسي والهندي.
تميم
هذا الموقع أهّلها لأن تكون همزة الوصل بين قارات العالم،التي تسيطر على حركة المواصلات العالمية بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، لذلك فإن لأفريقيا دوراً محورياً في الأمن الإقليمي وفي الحراك السياسي والاقتصادي والثقافي للدول المحورية في هذه القارات.
ونظراً لسيطرة الدول الأفريقية على الممرات الملاحية، التي تربط قارات العالم، كان لها أهمية بالغة في تأمين صادرات دول الخليج، التي تعتمد بنسبة 90% على عائدات النفط، إلى العالم، وكذا الواردات من السلع والخدمات، إلى جانب الأهمية السوقية في مواجهة أي تحرك عسكري في المنطقة، وقد استغلت إسرائيل العدو الأيديولوجي للعرب هذا الجزء، وكذا إيران الخصم التاريخي التي تحركت باتجاه أفريقيا سياسياً وثقافياً واقتصادياً، ثم وظفت ذلك كله في تحقيق مكاسب عسكرية.
وفي معرض الحديث عن العلاقات الخليجية الأفريقية، فقد أدركت ذلك قطر أهمية هذه العلاقة في بعدها الاستراتيجي، حيث نشطت قطر على تخوم القارة السمراء خلال السنوات العشر الأخيرة، و حاولت التغلغل عبر مشاريع سياسية وتنموية، وأهم ملامح الحراك القطري في أفريقيا ، حيث أصبحت قطر إحدى أكبر الدول الداعمة مالياً لمؤتمرات المانحين في أفريقيا، كما حدث في النيجر والصومال.
رصدت مبالغ كبيرة لصندوق دعم التنمية فى جزر القمر ، وبلغت الاستثمارات القطرية لدى الخرطوم نحو 4 مليارات دولار.
النفوذ القطرى فى أفريقيا
ينظر أغلب المراقبين الأفارقة لشأن القارة السمراء، بكثير من التوجس والريبة للحضور القطري المكثف والمتنامي في المنطقة الأفريقية، حيث لا تكاد تخلو دولة أفريقية من تواجد قطري ظاهره الاستثمار، وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار.
أمير قطر
بدأت الحكاية قبل عقدين من الزمن، مع وصول الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة لسدة الحكم في قطر منقلباً على والده، حيث اشتهرت السياسة القطرية حينها بالرحلات الأميرية المكوكية، لمختلف أصقاع العالم خاصة المنطقة الأفريقية، تلك الزيارات التي كان يطلق عليها بعض الأفارقة "جولات الشنط"، إشارة إلى المليارات التي تضخها قطر في بعض النخب والجهات الحكومية والسياسية، في أي بلد أفريقي يزوره الأمير القطري، أو ساعده الأيمن وزير خارجيته السابق حمد بن جاسم.
وقد امتطت قطر صهوة المال السياسي والاستثمار الاقتصادي بأرقام فلكية تفتح الشهية الأفريقية للوصول لأهدافها المعلنة وغير المعلنة، مسنودة بالذراع الإعلامي الطويل، الذي تهش به على هذه الدولة أو تلك نبشاً في شؤونها الداخلية لتثير لها القلاقل والإشكاليات السياسية، إذا لم ترضخ للمطالب القطرية.
وقد بدأت الدوحة بسياسة لي الذراع في المنطقة الأفريقية المغاربية، من خلال بث قناة الجزيرة القطرية لعدد من التقارير المشوهة للوضع المغاربي، خاصة في المغرب وتونس والجزائر وأخيراً موريتانيا.
كما وجهت قطر ترسانتها الإعلامية لغزو وابتزاز المنطقة الأفريقية ممثلة في قناة الجزيرة الفضائية، حيث لم تكتف بالبث العربي بل أطلقت قناة باللغة السواحلية تستهدف قرابة 100 مليون نسمة في جنوب وشرق أفريقيا، وتعمل منذ سنوات على إطلاق قناة ناطقة باللغة الفرنسية تبث من العاصمة السنغالية داكار، لاستهداف سكان غرب القارة السمراء.
تحت غطاء "عصا الجزيرة الغليظة" خاصة للأنظمة الأفريقية التي تواجه معارضات سياسية قوية، تمكنت قطر من تذليل الطريق أمام مآربها الاقتصادية والسياسية الغامضة، فحصلت على عقود استثمارية في هذه الدولة وتلك، لكن هذه المشروعات الاستثمارية سرعان ما تسحبها الدوحة بدون سابق إشعار للطرف الثاني كما حصل مع موريتانيا بعد دخولها في مشروع "معدني كبير"، وأحياناً تتحفظ الدولة المضيفة على التحركات القطرية من وراء المشروع فتطردها بصمت، ويبقى وراء الكواليس الدبلوماسية ما وراءها، كما حدث مع مشروع "الديار" القطرية في موريتانيا.
ويعتقد مراقبون للشأن الأفريقي أن اهتمام قطر بضخ استثمارات هائلة في المنطقة الأفريقية يدعو للتوجس من المآرب القطرية المنشودة وراء بسط نفوذها في هذه المنطقة من العالم، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن جهاز "قطر" للاستثمار ضخ في السنوات الأخيرة ما يربو على 30 مليار دولار في المنطقة، خاصة في السودان وإثيوبيا ومالي وكينيا وجنوب أفريقيا وموريتانيا، حيث تساهم قطر بنسبة (25%) في رخص استغلال النفط والغاز في منطقة "تاودني" الموريتانية.
أما في دولة مالي، فقد أعلن وزير المناجم عن منح قطر عدة مشروعات تعدينية، وكشف ممثل الاستثمارات القطرية في مالي أن قطر تسعى لأن تكون دولة مالي "قاعدتها" في منطقة غرب أفريقيا، حيث تخطط لبناء سكة حديدية، تربط السودان بتشاد ومالي والكاميرون ونيجريا ويمتد لغاية المحيط الأطلسي.
هذا النفوذ القطري المريب في المنطقة الأفريقية، يؤكد أن أغراضه السياسية خطيرة على المنطقة، خاصة إذا نظرنا لحصاد هذا النفوذ في بعض الدول التي تم تنفيذ السيناريوهات المشبوهة فيها، كتونس وليبيا ومالي مثلاً، كما تشير تقارير إعلامية واستخباراتية إلى دور قطري مشبوه في دولة مالي
وبحسب دراسة من معهد الدراسات الأمنية الأفريقية، تسعى قطر من خلال تغلغلها في أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي تحديداً، لبسط السيطرة على أحد أهم المناطق التي تؤثر على الملاحة البحرية في المنطقة، فقد تدخلت في صراعات بين كل من السودان وأريتريا، والصومال وإثيوبيا، وأريتريا وجيبوتي، ويرى محللون أن المكانة المرموقة للمملكة لدى حكومات القارة وفي نفوس الشعوب الأفريقية عموماً، تزعج القطريين ويسعون من خلال تبديد مليارات الدولارات لشرائها أو إثارة الفتنة وعدم الاستقرار في البلدان التي لا تتجاوب مع الحلم القطري الطفولى.
كيف استغل تميم الدول الفقيرة؟
وتحت مظلة "العمل الإنسانى" ظهرت قطر فى "القرن الإفريقى" بحجة الوساطة لحل النزاعات بين الدول الأفريقية الفقيرة هناك تارة والاستثمار تارة أخرى، ومن ثم التغلغل لتعيث فساداً وتنشر إرهابا، وكانت قد كشفت تقارير عدة أن قطر أكبر دولة تمول الجماعات المتطرفة والإرهابية فى منطقة القرن الأفريقى.
وحسب تقرير أمريكى، فإن واشنطن ترى أن قيادات من تنظيم "القاعدة" فى شبه القارة الهندية و"حركة الشباب" الصومالية، تلقوا دعماً من رجال أعمال وشيوخ قطريين ومقيمين فى قطر، وتؤكد الدراسة أن حركة الشباب الصومالية المتطرفة، تلقت تمويلاً من رجل الأعمال القطرى المطلوب دولياً عبد الرحمن النعيمى، بمبلغ 250 ألف دولار.
إسرائيل في أفريقيا
وقد سبقت إسرائيل قطر فى محاولات فرض النفوذ بالقارة السمراء حيث كانت دول القارة السمراء من الدول الداعمة للعرب في صراعهم مع إسرائيل، من هنا عكفت إسرائيل على دراسة كيفية اختراق القارة، وتحييدها في الصراع الدبلوماسي، إن لم نقل جعلها تنحاز لحسابها، وهو ما لم يغفله المخطط الإسرائيلي، حيث استغلت إسرائيل حالة الضعف الاستراتيجي التي تتسم بها المنطقة العربية، وراحت تبحث عن أدوات جديدة لإحياء وتدعيم أدوارها الإقليمية.
الجاليات اليهودية في أفريقيا كانت مدخلاً للتغلغل، ففي القارة الكثير منها، كالسفارديم والأشكناز والفلاشا الإثيوبيين، والجالية اليهودية في جنوب أفريقيا تعد واحدة من أغنى الجاليات في العالم، وطبقاً لأحد التقديرات فإن مساهمة يهود جنوب أفريقيا في خزانة الدولة العبرية تأتي في المرتبة الثانية بعد مساهمة يهود الولايات المتحدة.
بناء على ذلك شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تطوراً كبيراً، ففي عام 1997 بلغ عدد الدول الأفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل 48 دولة، وتحاول إسرائيل ترسيخ نفوذها عبر المساعدات الاستخبارية والتدريبات العسكرية والمساعدات الفنية، بنقل المهارات التقنية وغيرها عن طريق برامج تدريبية معينة، وتزويد الدول الأفريقية بخبراء إسرائيليين، والتجارة خصوصاً في مجال السلاح والألماس.