عقود من الزمن مضت والقضية الفلسطينية هى الشغال الشاغل لكل عربى ومسلم ومسيحى أو أى إنسان على وجه البسيطة مؤمن بأن هناك أراضى مقدسة تُدنس تحت أقدام محتل غاشم، ولا تزال النماذج المضيئة من أبناء هذا الشعب المكافح ضد العدوانية الإسرائيلية والغطرسة الأمريكية تُبهر العالم بأسره وفى الأيام الأخيرة ظهر العديد من القصص البطولية التى تستحق كل احتفاء وتقدير وذلك منذ بداية الانتفاضة الثالثة ضد قرار الرئيس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وكما عودنا الشعب الفلسطينى أن القوس سيظل مفتوحًا ليتم ضم أيقونات جديدة إلى لوحة شرف نضاله ضد قوات الاحتلال، والمميز أن تلك النماذج تعبر عن الفئات المختلفة سواء ذوى الإعاقة أو ذوى الاحتياجات الخاصة أو حتى الأطفال أو النساء الذين قد يراهم البعض فئات تحتاج للرعاية إلا أنهم يثبتون العكس تمامًا، ويؤكدون حقيقة أن الشعب الفلسطينى بكل فئاته وطوائفه يستحقون كل إعجاب.
نحن باقون على العهد يا درة!
ولأن الشهيد محمد الدرة حى داخل كل طفل فلسطينى فإنه يولد كل يوم مثله المئات ممن لن يفكروا فى التضحية بحياتهم ومستقبلهم مقابل نصرة وطنهم، وآخر هؤلاء الفتاة عهد التميمى ذات الـ17 عامًا التى اعتقلتها قوات الاحتلال بعد صفعها لجنديين إسرائيليين مدججين بأسلحتهما أثناء وقوفهما بساحة منزلها، كما تم إلقاء القبض أيضًا على نور التميمى ابنة خالها، ووالدتها ناريمان.
واشتهرت عهد منذ نعومة أظافرها بجرأتها ومواجهتها للجنود الإسرائيليين رغم صغر سنها، وظهرت فى أكثر من فيديو وهى تتحلى بشجاعة منقطعة النظير، أحدهم يظهر مقاومتها لأحد الجنود الإسرائيليين كان يريد إلقاء القبض على شقيقها الأصغر، وحاليًا تقبع الطفلة الفلسطينية ووالدتها ناريمان وابنة خالها نور فى أحد سجون الاحتلال ويخضعن لمحاكمة غير شرعية، قابلها المجتمع العربى والدولى بإطلاق حملة تضامن للمطالبة بالإفراج عنها وكل الأطفال الفلسطينيين القابعين فى سجون الاحتلال.
من الجنيدى إلى عدوه: نُولد رجالا
فيما، يُعتبر الفتى فوزى محمد فوزى الجنيدى "16 عامًا" صاحب واحدة من أشهر الصور التى تعبر عن نضال الشعب الفلسطينى، فقد تم اعتقاله خلال مروره بالقرب من مواجهات فى منطقة شارع التفاح فى مدينة الخليل، وقام أحد الجنود بالاعتداء عليه ثم لحق به أكثر من 20 جنديًا آخر، واقتادوه إلى مكان احتجزه حافى القدمين ومعصوب العينين، وتعرض الفتى الفلسطينى للتعذيب من قبل أفراد قوات الاحتلال لدرجة أن معتقل "عتصيون" رفض استقباله بسبب صعوبة وضعه، وذلك وفقًا لمحاميه.
ويخضع الجنيدى المعروف بالفتى "منتصب القامة" حاليًا للمحاكمة، وأكد محاميه أن سلطات الاحتلال أخضعته للتحقيق مكبلاً بالأصفاد ولم يتم السماح لعائلته بحضور تلك التحقيقات أو محاميه أو يُمكنهم من التواصل معه.
الحديث عن عهد والجنيدى باعتبارهما نموذجين من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين يناضلون ضد قوات الاحتلال، ويمثلون أيضًا المئات ممن يقضون أجمل سنوات عمرهم خلف قطبان السجون الإسرائيلية الظالمة، ومن الحديث عن الأطفال إلى ذوى الإعاقة الذين كان لهم ممثلون عنهم فى المظاهرات والاشتباكات التى اندلعت منذ قرار ترامب الظالم بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
كراسينا المتحركة أقوى من دباباتكم
ويُعتبر الشهيد إبراهيم أبو ثريا من أبرز النماذج التى مثلت ذوى الإعاقة ودونت فى تاريخ الكفاح الفلسطينى ضد الاحتلال، فقد ارتقت روح الشاب البالغ من عمر 29 عامًا إلى بارئها منذ أيام بعدما أصابته رصاصة الغدر الإسرائيلية لتنهى حياته بعدما عاش لمدة 10 سنوات قعيدًا ويتنقل بمساعدة كرسى متحرك وذلك إثر غارة على قطاع غزة عام 2008.
وما بين بتر قدميه واستشهاده لم يتوان أبو ثريا للحظة فى الخروج لمظاهرات ضد المحتل فى كل الربوع، فلم يرهبه يومًا أسلحتهم أو مدافعهم، مؤكدًا أنه ينطق بصوت الحق فماذا يُخيفه منهم؟، ويكفى أبو ثريا ومن هم مثله على كثرتهم أنهم عاشوا أبطالا واستشهدوا عظماء ليتركوا إرثًا من الحكايات الخالدة لمن يفقه فى هذا العالم، وهزت مشاعرهم حادثة اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس قبل 12 عامًا، وسيتأكدون أن تلك الوقائع يحولها الفلسطينيون إلى روح إيجابية من أجل استكمال مسيرتهم ولا تنقص من روحهم المعنوية شيئًا.
افرحى يا أم الشهيد
وإذا تحدثت عن المرأة الفلسطينية فإنه لن تكفى مجلدات لسرد بطولات حرائر هذا الشعب، إذا تابعت أى مظاهرات أو احتجاجات عبر الشاشات ستجد تلك السيدات الطاعنات فى السن اللاتى رفضن ترك أبنائهن يخرجن لمواجهة الموت وحدهن، وقررن أن يكن بجانبهن وسط تلك المخاطر، فهكذا اعتدن وتربين وعشن ما بين انتفاضة وأخرى واستقبلن الغارات بدون أن تكسر عزائمهن أو أرواحهن المعنوية ففى كل بيت فلسطينى شهيدًا وآخر تحت الطلب، وخير دليل أن ناريمان والدة الفتاة عهد تقبع فى السجون حاليًا ولا يوجد اتهامات سوى أنها ربت ابنتها لتكون مقاومة لهذا الاحتلال الغاشم مهما حدث لها أو تم التنكيل بها.