تعرضنا لضغوط فى قضية عيسى حياتو و«بى إن سبورت» ولم أسمع من أى جهة فى الدولة جملة «بلاش تفتحوا الملف دا»
قطاع التأمين هو الأكثر إبراما للاتفاقات المسبقة بين الشركات
السوق المصرى يمتلئ بالمخالفات والتشوهات والممارسات الاحتكارية لعدم وجود وعى بالقانون
9 شركات اتفقت على تقديم عروض مالية موحدة فى المناقصات لمدة 3 سنوات
رحيلها عن جهاز حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية، بعد انتهاء أول مدة لها فى رئاسة الجهاز صاحبه كثير من اللغط.. إنها الدكتورة منى الجرف الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والرئيس السابق لجهاز حماية المنافسة، والتى كانت تفضل عدم الحديث عن رحيلها من الجهاز أو العودة للمشهد مرة أخرى وكذلك ما شهده الجهاز من قضايا مهمة على مدار مدة رئاستها.
منى الجرف
لكن منى الجرف اختصت، «اليوم السابع»، بأول حوار صحفى لها بعد الرحيل عن الجهاز، بل أول حوار منذ تقلدها منصب رئاسة جهاز حماية المنافسة، لتكشف كواليس مهمة جدا حول عدة قضايا أبرزها أزمة حقوق بث المباريات الأفريقية وقضية اتفاق الشركات والمنتجين فى أزمة الدواجن وقضية مناقصات توريد أجهزة قسطرة القلب، مبدية تحفظها على الحديث عن تفاصيل كثيرة فى قرار رحيلها، لكنها فى الوقت نفسه أكدت عدم إجبارها على الاستقالة كما روج البعض، مشيرة إلى أن قرار عدم الاستكمال لدورة جديدة يخص رغبتها فى العودة للتدريس..وإلى نص الحوار..
ما هى أكثر قضية نظرها جهاز المنافسة وسببت لغطاً كثيراً حولها؟
- قضية أزمة حقوق بث المباريات، وهى القضية المعروفة إعلاميا بقضية الاتحاد الأفريقى وقناة بى إن سبورت القطرية، لأنها كانت قضية تمس قطاعا عريضا من المجتمع، والكثير كان يقف ضدنا فى هذه القضية بعد تحويل عيسى حياتو رئيس الاتحاد الأفريقى السابق إلى المحاكمة، فكان لدينا تخوف كبير، ولذلك سعينا إلى أن تكون الأدلة التى سنقدمها شديدة الوضوح، وإثبات المخالفة فيها كان واضحا جدا.
هل تعرضتم لضغوط فى قضية الاتحاد الأفريقى وبى إن سبورت؟
- لا هذا لم يحدث من أى جهة فى مصر، لكن تعرضنا لضغط من الإعلام، فكان هناك رجال من الصحافة ضدنا بشكل واضح جدا، وكانوا يقولون «إزاى تتعاملوا مع عيسى حياتو بهذه الطريقة ودا بيتعامل كمعاملة رئيس الجمهورية وليس من حقكم الدخول فى قضايا الكورة والاتحاد الأفريقى»، وكان تعاملنا مع هذه الضغوط بشكل فنى بحت، وكان لنا اتصالات بالخارجية لمعرفة هل لنا سيطرة على رئيس الاتحاد الأفريقى أم أنه يتعامل معاملة سيادية أو خلافه.
ما هى أكثر قضية استغرقت وقتا فى البحث عن أدلة لإثبات المخالفة؟
- قضية إحالة 9 شركات كانت تقوم بتوريد الأجهزة الطبية إلى المستشفيات الحكومية، خاصة الأجهزة المستخدمة فى عمليات قسطرة القلب والموردة للمستشفيات الجامعية، وأتوقع صدور حكم قضائى قريبًا فيها.
نود التعرف على تفاصيل هذه القضية؟
- ملخصها أن 9 شركات تستورد أجهزة قسطرة القلب وتوردها للمستشفيات الجامعية، منها مستشفى أسيوط الجماعى وتوريد آخر لمستشفى معهد ناصر للقلب ومستشفيات أخرى، ووفقا للقانون فإن الاتفاق فى المناقصات الحكومية مُجرم، وكانت قضية فى منتهى الصعوبة، واكتشفنا أنه بعد نجاح عروض الشركات فى العرض الفنى، وجدنا فى العرض المالى دخول الـ9 شركات بقيمة مالية واحدة، رغم استيراد الشركات للأجهزة من دول مختلفة، حيث وجدنا شركة تستورد من الاتحاد الأوروبى وأخرى من الصين ومن الهند وهكذا، وفى النهاية كل الشركات قدمت نفس السعر، وكل البنود فى المناقصة والتى تصل إلى 30 بندا وجدناها فى جميع الشركات بنفس السعر ولمدة 3 سنوات، ورغم أنها شركات تتعامل مع أسواق مختلفة أى الاستيراد ليس من دولة واحدة.
وأثبتنا مخالفتهم لأنهم سعوا لاستغلال قانون المناقصات والمزايدات المادة 28 والتى تقول «لو تساوت العروض المالية تقسم المناقصة على المتقدمين».. إذن هم يحددون السعر بصورة جماعية، لنجد سعرا عاليا عن المعروض فى المستشفيات الخاصة، ويتم التقسيم عليهم فالجميع مستفيد من الشركات من عملية تحديد السعر، وهو ما نجحنا فى إثبات قيام الشركات به على مدار 3 سنوات»، حتى لو حدث وتساوت العروض صدفة فى مرة واحدة، لكن ليس واقعيا أن يحدث ذلك لمدة 3 سنوات لنفس الشركات».
وهذه القضية الأكثر استنفادا للوقت والجهد، لأن دراسة الأرقام وتتبع مناقصات الشركات والحصول على صور من المناقصات كان أمر صعب، لكن ساعدنا بشكل كبير عميد كلية الطب فى أسيوط وحصلنا منه على صور المناقصات، وهى من القضايا التى تم إحالتها إلى النيابة مباشرة ورفضنا فيها التصالح أو خلافه، واتخذنا قرارا فى مجلس إدارة الجهاز بعدم التصالح فى قضايا الصحة.
ماذا استنتجتم من قضية شركات المستلزمات الطبية؟
- أولا، ظهر لنا أن المناقصات الحكومية تحتاج عين ورقابة، وكذلك أن هذا النوع من القضايا صعب إثبات المخالفة فيه، وكذلك قضايا الصحة والخدمات تحتاج مزيدا من الرقابة، وقمنا بعمل ورش عمل لنعرف الجهات الحكومية التى تقوم بعرض المناقصات، لننمى الوعى لديهم، خاصة فى ظل تقديم عروض متساوية، وهذا لابد أن يجعل القائمين على المناقصات الحكومية أكثر وعيا، ويطرحون تساؤلات حول وجود أمر غير منضبط، وعملنا التوعية بحيث لو ورد إليهم شركات تدخل مناقصات بنفس القيم ونفس الأسماء.
«بلاش تفتحوا الملف دا» هل سمعت هذه الجملة من أى جهة؟
بكل أريحية وبنسبة 100% لم أتعرض لهذا طوال 4 سنوات، ورغم أنى توليت الجهاز فى 2012 فى ظل وجود بلبلة حول الأجهزة الرقابية، ففى الفترة من2005 إلى 2010 كان الجهاز يدرس القضايا ولا يحيلها للنيابة مباشرة، حيث كان يتم إرسالها إلى وزير التجارة والصناعة ليكون هو صاحب الكلمة فيها بإحالتها للنيابة من عدمه، لكن عدلنا القانون ليكون مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة هو صاحب القرار بأغلبية، وهو ما رفع الحرج عن الوزير وجعل القضية فنية بحتة، وفى النهاية نحن جهة جمع الأدلة فى ظل وجود خبراء كبار فى الجهاز وبعد ذلك تحال للنيابة.
كيف ترى مطالبات البعض بتعديل القانون ليسمح بالحبس فى قضايا المنافسة؟
- بالطبع مع تعديل القانون، لكنى أرفض الحبس فى القضايا الاقتصادية إلا فى القضايا شديدة الخطورة، وفى الخارج هناك تراجع كبير للحبس فى قضايا المنافسة بل إنها تعد نادرة، وقانون المنافسة يعتبر حديثا، لأنه موجود منذ 12 عاما فقط، بمعنى أنه قانون حديث، ومازال الوعى بالقانون قليل، ففى أوروبا أومريكا القانون موجود من 100 عام، لذلك لابد أن نترك فرصة للمجتمع لاستيعاب هذا القانون وكذلك من يطبقونه، وعلى مدى 12 سنة لم يخرج إلا حكمين قضائيين فقط وهى قضية الأسمنت وقضية الحديد، رغم إحالة عدد كبير من القضايا للمحاكمة.
نحتاج توسيع الوعى لمجتمع الأعمال بهذا القانون، وكذلك مستوى العاملين فى الجهاز، وكذلك مستوى وكلاء النيابة المحققين فى القضايا الخاصة بالمنافسة، وكذلك مستوى القضاة والمحامين ونحتاج قاعدة كبيرة من الخبراء فى قضايا المنافسة، والظروف الاقتصادية فى مصر خلال السنوات الماضية لا تسمح بوضع تحدٍّ جديد أمام المستثمرين سواء محليين أو من الخارج، مكنش ينفع فى ظل هذه الظروف نقول للمستثمرين «اللى هيخالف قانون حماية المنافسة هيتسجن» وهذا ما كان يثير القلق لديهم فالوقت غير ملائم لقصة الحبس.
هل العقوبة الحالية فى قانون حماية المنافسة رادعة؟
- عدلنا العقوبة فى القانون الجديد فلم تعد هناك غرامة مطلقة، لكن أصبح لدينا نسبة من الإيرادات فى القضية محل المخالفة لتحقيق العدالة، وهى نسبة الـ10 أو الـ12% وستكون تلك النسبة مناسبة لشركة صغيرة، وهذا الرقم هو معيار احتياطى والمعيار الأصلى هو نسبة من الإيرادات، لكن يمكن أن يكون هناك صعوبة فى الحصول على أرقام الإيرادات، لذلك وضعنا قيمة، وهى فى حالة عدم إثبات حجم الإيرادات فإن هناك معيارا احتياطيا وهى 10 أو 12%.
ما هو مقترحك لتسريع نظر قضايا المنافسة ولاحتكار؟
- أرى أننا بحاجة إلى لجنة قضائية خاصة تبت فى القرارات مباشرة اختصارا للوقت، لأننا حاليا مجرد جهة جمع معلومات واستدلالات وتحال للنيابة ثم تجرى تحقيقات ثم تحال إلى المحكمة، وهى دورة وقت طويلة جدا، لذلك لا يشعر المجتمع بتأثير فى السوق، وانتهينا من مقترح بالرقابة المسبقة على صفقات الاندماج والاستحواذ، وتم إرساله إلى وزير التجارة والصناعة، بعد حوار مجتمعى من الغرف التجارية واتحاد الصناعات والبنك المركزى وهيئة رقابة سوق المال.
هل هناك عدم دراية من مجتمع الأعمال بدور جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار؟
- طبعا هناك عدم وعى حاليا، لكن عملية التوعية مستمرة من خلال ورش العمل وحلقات نقاشية مع مجتمع الأعمال واتحاد الصناعات والغرف التجارية، وشاركنا فى 3 دورات تدريبية على قانون المنافسة إلى جانب دور الإعلام فى توضيح المفاهيم، حتى ينمو الوعى باستيعاب قانون حماية المنافسة، ولدينا مجموعة قوية من رجال الأعمال لكن ليس لدينا مجتمع أعمال قوى، وكان هناك 30% من الشكاوى التى تصل للجهاز فى غير محل عمل الجهاز، منها ما يتعلق بحماية المستهلك وحقوق الملكية الفكرية وقضايا إغراق وقضايا تموين وحاليا انخفضت تلك النسبة إلى 11% وهو ما يعنى أنه أصبح هناك دراية بعمل الجهاز.
ما هو القطاع الاقتصادى الذى تنشط فيه قضايا الاحتكار والمنافسة؟
السوق المصرى ملىء بالمخالفات، وقطاع التأمين هو الأكثر من حيث الاتفاقات المسبقة فيه، فكانوا بيقولوا لنا فى الجهاز «إحنا بنتفق علشان نحمى المنافسة بينا ولا يقع ضرر علينا أو منضرش بعض»، وهو خطأ كبير وضد قانون حماية المنافسة، ومنذ السبعينات نتحدث عن حماية المنافسة والقانون ظهر فى 2005 أى بعد 35 سنة، فالسوق ملىء بالتشوهات والممارسات الاحتكاية لعدم وجود وعى بالقانون، فالشركات ترى أن الاتفاق على سعر موحد أصبح أمرا طبيعيا، والمنافسة فى السوق المصرى محدودة.
ما هى أكثر قضية نظرها الجهاز واكتشفتم أنها توقع ضررا مباشرا على المواطن؟
- كل قضايا مجال الصحة، فبخلاف قضية الـ9 شركات الموردة لأجهزة قسطرة القلب، فهناك قضية أخرى وهى قيام 4 شركات لتوزيع الأدوية بالاتفاق على الخصومات فى سياسية البيع، وهى الخصومات الممنوحة للصيدليات، ورصدنا تحيز الشركات الأربعة للصيدليات الكبيرة والسلاسل على حساب الصيدليات الصغيرة، والقضية حاليا فى المحكمة الاقتصادية، وكشفنا اتفاق الشركات الأربعة فى اجتماع لهم أن يعطوا خصما أكبر لمن يشترى أكثر من السلاسل والصيدليات الكبيرة، فالصيدليات الصغيرة أصبحت عاجزة عن الحصول على أنواع معينة من الأدوية، وهو ما خلق قيدا على الصيدليات الصغيرة، والتى بدأت تعانى من عدم قدرتها على العمل. كنت أشعر بافتراء الشركات فى قضايا الصحة فهذه القضية من أفضل القضايا التى نظرها الجهاز.
بعد تعويم الجنيه ارتفعت أسعار السلع.. هل رصدتم اتفاقات لرفع الأسعار؟
- بعض أنواع القضايا نجد فيها صعوبة بالغة، فمثلا اتفاق شركات كبرى على رفع سعر سلعة ما، فتجد شركات أخرى ترفع السعر دون أن تكون طرفا فى الاتفاق الذى جرى، فإثبات ذلك صعب للغاية، ووضعنا ميزة للشركات وهى عدم تحويل القضايا للنيابة حال تعاون الشركة مع تحقيقات الجهاز، وهى وسيلة لجذب الناس، والشركات الكبيرة لا تكتب محضر اتفاق، فاتفقات الاحتكار قد تكون بكلمات مشفرة، وليس كل ارتفاع فى سعر السلعة يكون باتفاق.
ورصدنا اتفاقا خلال 2013 بين شركات منتجة لخفض أسعار الدواجن باتفاق مسبق، لوقف المستورد حتى لا تكون هناك منافسة ويتم رفع السعر لاحقا، وحصلنا على محضر باتفاق الشركات وجدنا فيه تفاصيل الاتفاق والقضية حاليا منظورة فى المحكمة، وحتى الخفض مجرم قانونيا، لأنه خفض مؤقت للسعر بهدف إقصاء منافسين أو عدم دخول منافسين للسوق، وبعدها يتم رفع الأسعار، ليتم تقسيم السوق بين منتجين بعينهم.
ما هى أصعب لحظة فى الأربع سنوات؟
- العمل فى جهاز رقابى هو عبارة عن تحدٍّ كبير، لكن مذاكرة القضايا وكل التفاصيل الفنية قبل الدخول إلى اجتماعات مجلس الإدارة كانت تحديا أكبر، وذلك لأنى أقوم بالتصويت على القضية قبل تحويلها إلى المحاكمة، ومشكلتى الأكبر هى عملية التعيين فى الجهاز فقد كانت قضية صعبة، واجتذاب الخبرات الفنية كان تحديا كبيرا.
لو طلب رئيس الحكومة دورة أخرى لكِ فى رئاسة الجهاز هل تقبلين ذلك؟
- أديت دورى للنهاية، وأرضى عما قدمته، وقد لا يعتبر ذلك أفضل ما يكون لكن فى الظروف والتحديات الكبيرة فى الجهاز وخارجه هو أداء جيد، والناس سمعت أكثر عن الجهاز وعن القضايا التى ينظرها، والجهاز فى حاجة إلى شخص متحمس لاستكمال المسيرة.
وما هو توقعك لاسم الرئيس الجديد للجهاز؟
- لا يمكن أن أصرح بأى اسم، رغم أننى أعلم أسماء شخصيات يمكن أن يكون لها دور قوى فى الجهاز الفترة المقبلة، لكنى أتحيز للاقتصاديين، حتى لو أن الجهاز فى حاجة إلى شخص ذو خلفية قانونية لكن الأهم أن يكون شخص على دراية قوية بالقضايا الاقتصادية وتأثير الممارسات على الأسواق والاقتصاد والاستثمار وعلى المواطن، وهو ما يحتاج شخصا اقتصاديا.
هل تم قبول الاستقالة بمجرد التقدم بها.. وهل عرض عليك وزير التجارة الاستمرار فى منصبك؟
- رغبت فى العودة إلى التدريس والطلاب، وعملى فى الجامعة «وحشنى جدا» ووجودى فى الجهاز حرمنى من هذا الدور، لذلك فضلت عدم الاستكمال، أما المهندس طارق قابيل، وزير التجارة فشخصية تستحق الاحترام والتقدير، وعملت معه عامين فلم أجد منه إلا الدعم والتشجيع، ولم يحدث أى تدخل فى عمل الجهاز أبدًا، حتى أنه كان يقول لى «اضربى بعنف حتى يستشعر المجتمع بدور الجهاز»، وهو شخص مؤمن بالمنافسة.
هل حدث صدام مع أى جهة إدارية أو تنفيذية فى الدولة؟
- كان يحدث بعض التعارض بين الجهات أو الأجهزة التنفيذية وهو أمر طبيعى، بسبب اختلاف فى وجهات النظر فكل جهة لها أهدافها فكيف يمكن التنسيق مع الجميع، وطبيعى أن تكون الأهداف متعارضة، وهذا يحدث دائما مع مجتمع الأعمال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة