سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 3 ديسمبر 1882.. عرابى يحضر إلى المحكمة بشال أبيض للاستماع إلى الحكم عليه.. وزوجة محاميه الإنجليزى تهديه باقة ورد

الأحد، 03 ديسمبر 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 3 ديسمبر 1882.. عرابى يحضر إلى المحكمة بشال أبيض للاستماع إلى الحكم عليه.. وزوجة محاميه الإنجليزى تهديه باقة ورد عرابى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 3 ديسمبر (مثل هذا اليوم) عام 1882، حين بدأت المحكمة العسكرية جلستها لمحاكمة أحمد عرابى، ولأن الموعد لم يتم الإعلان عنه، لم يزد عدد الذين دخلوا القاعة عن أربعين شخصا بينهم عشرون صحفيا وأكثرهم إنجليز، حسبما يؤكد «داود باشا بركات» فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة» مضيفا: «كان جميع أعضاء المحكمة بأثوابهم العسكرية ونياشينهم وسيوفهم، فجلسوا فى المكان المعد لهم فى صدر القاعة، وبعد جلوسهم أمر الرئيس «محمد رؤوف باشا» بإحضار المتهم أحمد عرابى، وكان عرابى قد وقع وهو فى سجنه وثيقتان كتبهما المحامى عنه الإنجليزى «برودلى»، الأولى تشمل اعترافه بأنه مذنب، والثانية تتضمن القسم بشرفه العسكرى بأنه لا يغادر المكان الذى تعينه الحكومة الإنجليزية لإقامته.
 
كان للحكومة الإنجليزية دور رئيسى فى اختيار محامى إنجليزى للدفاع عن عرابى، فوفقا لأحمد شفيق باشا، أحد معاونى الخديو توفيق، ثم رئيس ديوان ابنه الخديو عباس حلمى الثانى فى مذكراته، عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»: «كلفوا قنصلهم العام السير مالت تبليغ الحكومة المصرية بأن حكومة الملكة تطلب أن يكون المحامون عن عرابى ورفاقه إنجليزا، وأن يراقب سير المحاكمة ضابط إنجليزى كبير، فرفضت الحكومة المصرية هذا الطلب، واستمرت المخابرة دائرة بين الحكومتين حتى فوجئنا بتلغراف إلى الحكومة المصرية فيه: «إذا لم تقبل الحكومة المصرية طلب الحكومة الإنجليزية فلا يسعها أن تتحمل تبعة ما يترتب على رفضها من النتائج السيئة».
 
دخل «عرابى» قاعة المحكمة بين صفين من الجنود ببنادقهم والحراب فيها، وفقا لوصف «بركات» مضيفا: «تحولت إليه الأنظار فسار إلى المكان المعد لجلوسه، وهو ثابت الجأش لا يبدو أى شىء على وجهه، وكان يلف عنقه بشال أبيض وهو يلبس بنطلونا عسكريا، فلما جلس فى مكانه وقف المحاميان إلى جانبه، وبعد أن أخذ كل واحد مكانه بسط رئيس المحكمة ورقة فى يده، وقال:
 
«يا أحمد عرابى باشا، أنت متهم أمام هذه المحكمة العسكرية بناء على تقرير لجنة التحقيق بجريمة العصيان على صاحب السمو الخديو، فانت بعصيانك قد ارتكبت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 96 من القانون العسكرى العثمانى، والمادة 95 من قانون الجزاء العثمانى، فقل يا أحمد عرابى باشا: هل أنت مجرم أو غير مجرم؟» يصف «بركات» كيف تصرف عرابى بعد أن وجه إليه رئيس المحكمة سؤاله:
 
أسر المحامى برودلى إلى عرابى أن يقف ويتكلم، ويضيف بركات: «وقف عرابى، وقال، إن المحامين عنى سيتكلمون باسمى، ثم أخذ المستر برودلى بتلاوة الوثيقة التى وقعها عرابى فى الصباح، وفيها يعترف باقترافه الذنب المتهم به، وكانت بالفرنسية فبعد تلاوتها ترجمها سكرتير المحكمة إلى العربية، وبعد تلاوتها أعلن رؤوف باشا اختلاء المحكمة للمداولة، وتأجيل الجلسة إلى الساعة الثالثة».
 
قبل أن تحل الساعة الثالثة مساء امتلأت قاعة المحكمة بالناس لأن الخبر كان قد ذاع، وشهد الحضور نساء محجبات، وكان الشارع الذى تقع فيه المحكمة مكتظا بالناس، كما احتشد الطريق بالذين يبكون ويصيحون من أجل عرابى، ووسط هذا الزحام وكما يقول «بركات»: «أمر رئيس المحكمة الكاتب بتلاوة الحكم وهو يقضى بقتل أحمد عرابى، وبعد تلاوته ناوله الرئيس ورقة أخرى فتلاها، وإذا هى الأمر العالى الصادر بالعفو واستبدال الحكم وهذا نصها: «بناء على ما رأت الحضرة الخديوية من استعمال ما لها من حق العفو عن أحمد عرابى أمرت بما هو آت»: «أولا-الحكم الصادر على أحمد عرابى المقتضى جزاؤه القصاص وقع تبديله بالنفى المؤبد من الأقطار المصرية وملحقاتها، ثانيا- هذا العفو يبطل ويقع إجراء الحكم على أحمد عرابى بالقتل إذا رجع إلى الأقطار المصرية وملحقاتها».
 
لم يستغرق تلاوة الحكم سوى ثلاث دقائق، ويؤكد «بركات»، أنه بعد تلاوته ازدحم الإنجليز حول عرابى يصافحونه ويهنئونه وتقدمت امرأة المحامى نابيه (محامى عرابى الإنجليزى)، وهى بأثواب السهرة وبيدها طاقة من الورد الجميلة فقدمتها لعرابى، فضج المصريون وعلا صفير الأجانب من غير الإنجليز، ولكن عرابى كان قد خرج وعاد إلى معتقله، وخرج القضاة مسرعين إلى منازلهم، وغضب الأوربيون الذين حضروا المحاكمة من تصرف زوجة المحامى «نابيه»، وحسب «بركات»: «تلقت فى اليوم ذاته علبة غلافها أبيض عليها صور دموع سوداء، وفيها أكليل من أكاليل المقابر، وكتبوا عليه: «تذكار من أهالى قتل 11 يونيو و12 يوليو فى الإسكندرية ومن أصدقائهم».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة