قرر آية الله الإمام «الخمينى» العودة إلى طهران، فتلقى رسالة خاصة من رئيس الوزراء الإيرانى «بختيار» والرئيس الأمريكى كارتر: «نرجو ألا تذهب إلى طهران كما تنوى لأنك إن فعلت ذلك فستراق دماء كثيرة».
كان «الخمينى» يقود ثورة الشعب الإيرانى من مقر إقامته بضاحية «نوفل لوشاتو» غرب العاصمة الفرنسية باريس، ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوى، وبلغت الثورة ذروتها بإجبارها «الشاه» على مغادرة البلاد يوم 17 يناير 1979 إلى مدينة أسوان جنوب مصر، وقبلها بنحو أسبوعين قرر الشاه تعيين «شابور بختيار» رئيسا للوزراء «4 يناير» فى محاولة لامتصاص الغضب، حيث كان «بختيار» من رموز المعارضة العلمانية لـ«الشاه»، ووفقا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «مدافع آيات الله - قصة إيران والثورة» (دار الشروق - القاهرة)، فإن «بختيار» بعث برسالة خاصة إلى «الخمينى» يطلب مهلة ثلاثة أشهر ينتهى خلالها من وعده بتنفيذ البرنامج الذى كان يريده كلاهما، محذرا من أن عودته ستؤدى إلى أن يقوم الجيش بمذبحة لا محالة»، لكن «الخمينى» رفض وقال لحاشيته ومساعديه فى المنفى: «ينبغى أن نذهب جميعا إلى طهران»، وكرر بختيار طلبه: «أعطنى مهلة لمدة شهرين» وعاد يلح: «ثلاثة أسابيع» وكان الرد أيضا هو الرفض.
كان الوضع فى إيران يزداد فوضى بعد رحيل الشاه، وجنرالات الجيش الإيرانى المؤيدين لـ«بختيار» لا يعرفون ماذا يفعلون لمنع تنفيذ الخمينى تهديده بالعودة حتى خطر لهم غلق المطارات بدءا من يوم 25 يناير 1979، وحسب «هيكل»: «كان معاونو الخمينى يواجهون صعوبة متوقعة فى العثور على طائرة تقلهم إلى الوطن، حتى قام أحد أثرياء الشيعة بإيداع ثلاثة ملايين دولار لتغطية أجرة طائرة نفاثة جامبو تابعة لشركة «ايرفرانس» والتأمين المرتفع عليها وعلى طاقمها من الرجال الفرنسيين الذين تطوعوا لهذه المهمة، وبما أن المطارات الإيرانية كان لابد من فتحها فى 30 يناير لأن إغلاقها المستمر سيؤدى إلى إيقاف الحركة التجارية للبلاد فقد تحدد أول فبراير (مثل هذا اليوم) 1979 موعدا لعودة آية الله.
استقل «الخمينى» الطائرة ليلة أول فبراير، وحسب هيكل: «توجه إلى الجزء العلوى، حيث توضأ وصلى من أجل أولئك الذين سيواجهون الموت، وأكل قليلا من الزبادى، وفرش الدوشك على أرضية الطائرة وخلد إلى النوم، وكانت حاشيته وكذلك فريق كبير من الصحفيين الذين كان يصل مجموعهم كلهم إلى مائة يشغلون الجزء الرئيسى من الطائرة (وقد منع الخمينى زوجته وزوجات مؤيديه من القيام بالرحلة معهم). كان هناك توتر شديد حتى إن بعض أفراد طاقم الطائرة تساءل: «هل سيطلقون علينا النيران؟» لكن لم يكن هناك أحد يملك الإجابة.
استيقظ «آية الله» فى الخامسة وتوضأ مرة أخرى وأدى صلاة الفجر وصلاة الشهادة، وتناول قليلا من الزبادى، وحسب «هيكل»: «كانت مناسبة للابتهاج الدينى العارم الذى قد لا يكون له نظير فى العصر الحديث، لو أن الإمام الغائب (حسب الاعتقاد الشيعى) قد عاد حقا بعد ألف ومائة عام (منذ استشهاد الحسين بن على فى كربلاء) لما كانت حماسة الناس أعظم من ذلك، كان الناس يصيحون: «إن روح الحسين تعود»، «لقد فتحت أبواب الجنة مرة أخرى»، «لقد حانت ساعة الاستشهاد».
وحينما رأت الحكومة والجيش أن كل سكان العاصمة فى حالة هيجان أعلنا أنهما غير مسؤولين عن استقبال الإمام أو عن أمنه، ربما لأنهم كانوا يعتقدون أنه حينما تحيط الملايين بالرجل العجوز الضعيف الذى بلغ الثمانين من عمره فإن فرصة بقائه على قيد الحياة قد تكون ضعيفة- الأمر الذى يرحبون به - والأفضل لديهم أن يقتل من جراء حب مؤيديه وليس بدبابات الجيش، لكن اللجنة المحلية استولت على زمام الأمور وقامت بدور الحراسة حول الخمينى، وأظهر الناس درجة مدهشة من النظام».
كانت الشوارع مكتظة إلى درجة أصبح من المستحيل معها أن يشق الخمينى طريقه، ويذكر هيكل: «تقرر أن يكمل رحلته بالهليكوبتر، وعلى الرغم من وجود تمرد فى قاعدة القوات الجوية، إلا أنه تم الحصول على هليكوبتر وطاقم لقيادتها، وطار الخمينى فوق رؤوس مؤيديه الذين كانوا يحيونه بحماسة شديدة إلى أن وصل إلى مقر الزهراء مقبرة الشهداء يزورها ثم إلى المدرسة الحسينية حيث تقرر أن يقيم هناك».
عدد الردود 0
بواسطة:
رهام
جميل
اكثر من رائع .