يرتكب تنظيم داعش الإرهابى، أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية، فى الأراضى العراقية، وذلك بالتفنن فى النيل من آدمية العراقيين، والتنكيل بهم بشتى الطرق، ولاسيما أبناء الطائفة الأيزيدية الذين تم استهدافهم بشكل كبير.
«لمياء حجى بشار»، فتاة عراقية من الطائفة الإيزيدية، فقدت عينيها الاثنتين، واحترق جسدها جراء انفجار لغم خلال هروبها من عناصر تنظيم داعش الإرهابى فى الموصل، الفتاة ذات الـ19 عاما تنحدر من قرية كوجو التابعة لمنطقة سنجار التى تعرض رجالها للإبادة الجماعية ولا تزال عظامهم فى مقابر جماعية، تحت سيطرة التنظيم الإرهابى، الذى قام بسبى جميع نساء وأطفال القرية، وقد سلم البرلمان الأوروبى الفتاة الإيزيدية لمياء حجى بشار، ونادية مراد، جائزة ساخاروف فى مدينة ستراسبورج بفرنسا، منتصف ديسمبر الماضى.
واستولى تنظيم «داعش» على قرية كوجو فى الثالث من أغسطس عام 2014، واحتجز أهلها لمدة أسبوعين، أعقبها إعدامات جماعية بحق رجال القرية، ومن بينهم والد وأقارب الفتاة الإيزيدية لمياء حجى، وتم إعدام كبار السن وسبى الفتيات الصغيرات لاغتصابهن من قبل التنظيم المتطرف، وبيعهم فى أسواق النخاسة الداعشية.
«فى البداية، سمعت صوت الرصاص يقضى على حياة والدى وإخوتى بعد ذلك تم اختطافى وبيعى فى سوق النخاسة».. بتلك الكلمات وصفت الفتاة الإيزيدية الجرائم التى ارتكبها التنظيم المتطرف بحق أسرتها، إضافة لتعرضها للضرب والاغتصاب بواسطة مقاتلين فى صفوف داعش.
وكشفت الفتاة الإيزيدية، عما شاهدته عندما نقلها التنظيم المتطرف إلى منطقة حدودية بين سوريا والعراق، مؤكدة أنها شاهدت الذل بجميع أنواعه، وذلك من خلال بيع الأطفال فى أسواق النخاسة واستغلالهم جنسيًا، وإجبارها خلال تلك الفترة على العمل فى تصنيع القنابل التفجيرية، موضحة أنها اغتصبت من 40 إرهابيًا بشكل متعاقب إلا أنها لم تستسلم للتنظيم المتطرف أبدًا.
ووصفت الفتاة الإيزيدية عناصر تنظيم داعش الإرهابى قائلة: «هؤلاء الرجال أكثر من وحوش.. لكنى بقيت قوية لأننى كنت أرغب فى تحدى الحياة التى فرضوها على».
وأكدت لمياء حجى، أن التنظيم الإرهابى لجأ إلى بيعها فى سوق النخاسة بسبب ما وصفته «عنادها وإزعاجها» لهم، موضحة أن محاولاتها الأربع فى الهروب من داعش فشلت ما أدى لإحالتها من قبل التنظيم المتطرف لما تسمى بـ«محكمة الشريعة» فى الموصل، مشيرة إلى أن القاضى حكم بقتلها أو قطع أرجلها كى لا تهرب مرة أخرى، لكن أحد «الدواعش السعوديين» طلب بيعى كى يستفيد ماليًا، وتم بيعى إلى طبيب جراح عراقى يدعى «إسلام».
وأكدت تعرضها لأبشع طرق عبر الجلد بالسياط والعصى على يد التنظيم الإرهابى، بسبب محاولاتها المتكررة للهرب، مشيرة لنقلها مع شقيقتها وفتيات إيزيديات أخريات من الموصل إلى مدينة الرقة، حيث جرى عرضهن فى سوق النخاسة مرة أخرى، مضيفة «اشترانى أمير سعودى داعشى أنا وشقيقتى، وأخذنا إلى مقره.. كان مقاتلو داعش يلعبون ويتسلون بنا ويوجهوا لنا كلمات جارحة، ويتحرشون بنا وعاد هذا السعودى فى المساء واغتصبنى وشقيقتى فى ليلة واحدة».
وبسؤالها عن كيفية هربها من التنظيم الإرهابى، أكدت الفتاة الإيزيدية أنه عقب بيعها لطبيب عراقى داعشى يدعى «إسلام» يعمل مدير مستشفى الحويجة مكثت عنده لفترة طويلةو وقام بشراء صديقتها كاثرين وكان عمرها 18 عامًا، وطفلة عمرها 9 سنوات قام باغتصابها أيضًا، مؤكدة تكليفه لهن بتنظيف المستشفى وخدمة زوجته كالعبيد حتى تمكنت «لمياء» من الحصول على هاتف محمول، وقامت بالاتصال بعمها الذى نسق لها مع أحد المهربين العرب فى تلك المنطقة والذى ساعد فى تهريبها رفقة صديقتيها الاثنتين وعائلة عربية أخرى للهروب لكردستان العراق مقابل 7500 دولار.
وأكدت الفتاة الإيزيدية وفاة صديقتها كاثرين والطفلة الصغيرة جراء انفجار لغم تسبب أيضا فى إصابتها «لمياء» بجروح بليغة ما أدى لفقدانها عينيها واحتراق جسدها وفقدانها للوعى، مشيرة لمساعدة المهرب لها فى الوصول لحدود كردستان، حيث جرى نقلها لمستشفى أربيل ومن ثم إلى ألمانيا لإجراء عدد من العمليات أدت لعلاج عينها اليسرى، إضافة لإخضاعها للعلاج بالليزر لتجميل الحروق والجروح التى شوهت وجهها.
وبسؤالها عن رأيها عن دعوة مصر عبر مؤسساتها المختلفة لتجديد الخطاب الدينى لمواجهة الفكر المتطرف فى المنطقة، أكدت الفتاة الإيزيدية أن مصر كانت دومًا منبع الوسطية ومركزًا حضاريًا للعرب جميعًا، فقد استطاعت النهوض بالعرب من تخلفهم فى الماضى، موضحة أنها تعلمت اللغة والثقافة العربية من خلال مشاهدتها للأفلام والمسلسلات المصرية التى كانت دومًا تدور أفكارها عن صراع بين الخير والشر وينتصر الخير فى نهايتها.
وأضافت الفتاة الإيزيدية: إذا سألتنى عن الفرق بين هذه الأديان سأقول لك لا أعرف سوى أن من يتكلمون باسم المسلمين يقتلون غير المسلمين والشيعة والسنّة يقتلون بعضهم.
وناشدت الفتاة الإيزيدية الدولة المصرية مساعدة الضعفاء فى رفع الظلم عنهم، ووقف إراقة الدماء بصفتها أكبر دولة عربية، مشيرة لقوة مصر فى العالم الإسلامى لوجود الأزهر الشريف وآلاف الكُتاب والمثقفين والفنانين والعلماء ورجال الدين، مؤكدة أن مصر تستطيع أن تتغلب على ثقافة الكراهية، مضيفة «لولا هذه المأساة لكنت الآن طالبة مراهقة فى المدرسة، تهتم بدروسها وتصفيف شعرها مثل كل الفتيات فى عمرى ولكن جرائم داعش كبرتنى 50 عاما فقررت أن أكون صوت كل المظلومات والمظلومين فى العالم».
وتابعت الفتاة الإيزيدية بالقول: أؤمن أن الله خلصنى من داعش كى أكون صوت من لا صوت له.. صوت النساء والأطفال الذين ظلموا فأنا لا أدافع عن النساء الإيزيديات فقط، بل كل فتاة وامرأة تعرضن لهذه الأعمال الوحشية.
واتهمت لمياء حجى العرب بالتخاذل، لأنهم سمحوا للمتطرفين بالانتشار وللشر أن ينتصر على الخير داخل مجتمعاتهم، إضافة لسماحهم بإبادة الأقليات وعدم تحركهم لفعل شىء من أجل السلام.
وقالت لمياء حجى، فى رسالتها للإنسانية، إن الطائفة الإيزيدية تعرضت لـ 73 محاولة إبادة على مر التاريخ، وبالرغم من ذلك فقد سامح أجدادها القتلة والمعتدين، لأن هدفهم التعايش السلمى والعيش المشترك، داعية لمحاسبة المجرمين الذين اغتصبوا الفتيات باسم الدين الإسلامى، وأضافت متساءلة: «هل سيتخلى رجال الدين المتطرفين عن تطرفهم؟ وهل ستترك القنوات الإعلامية لغة التحريض وتوزيع الأحقاد وزرع الكراهية بين الشعوب؟».