كانت الساعة العاشرة صباحاً فى أحد أيام شهر أكتوبر عام 1987 حين وقفت أمام باب فيلا الفريق أول محمد فوزى، الذى شغل منصب وزير الحربية فى أخطر مراحل تاريخ مصر، وهى المرحلة التى تلت نكسة 5 يونيو 1967، وقبل أن أدق الجرس، فوجئت بمن يفتح الباب مرتديا بذلته، فأدهشنى الموقف وزادت دهشتى بترحيبه بى قائلا: «أهلا يا ابنى» عمره فى هذا التاريخ 72 عاما، سار أمامى بخطوات منتظمة بدت لى كما لو أنه مازال فى خدمته العسكرية التى بدأت بدخوله الكلية الحربية عام 1934 وتخرج فيها بعد عامين بترتيب الثالث فى الأقدمية العامة، وكان عددها 21 طالبا، وتخرج فيها معه 10 ضباط فقط.
أبديت دهشتى له من فتحه الباب بنفسه قبل أن أدق الجرس، وترحيبه بى قبل أن أقدم نفسى، فضحك قائلا: «ذهبت إلى الباب حسب الموعد المحدد، وشعرت بحركتك، وصوتك فى أذنى من وقت حديثك معى فى التليفون لتطلب حواراً صحفياً».
أكدت هذه الملامح العابرة لى صدق الصورة الشائعة عنه حول انضباطه وصرامته، وقدرته العسكرية، وهى الأشياء التى قادت جمال عبدالناصر إلى اختياره بعد النكسة مباشرة ليعيد بناء القوات المسلحة المصرية.
استثمرت مشاعره الأبوية نحوى لأسأله عن البدايات، فقال: «جدى كان من جيش عرابى، وأبى هو البكباشى «أمين فوزى» المتوفى يوم 26 مارس 1926 وكان عمرى وقتها 11 عاماً «مواليد 5 مارس 1915» ووالدتى هى السيدة فاطمة زهدى توفيت يوم 7 يوليو 1932، حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1930 من مدرسة العباسية الابتدائية، وكان ترتيبى الرابع فى مصر كلها، والتحقت بمدرسة فؤاد الأول الثانوية فى العباسية، ونلت فيها شهادة الكفاءة ثلاث سنوات، ثم حولت إلى مدرسة القبة الثانوية فى كوبرى القبة، وأخذت منها شهادة البكالوريا بمجموع كبير، والتحقت بالكلية الحربية عام 1934 وكان اسمها «مدرسة الحربية»، يضيف: «التحقت بـ«الأورطة الثانية بيادة» بناء على رغبتى، وكانت فى «قشلاق المعادى» وهى نفس الكتيبة التى كان فيها والدى رحمه الله».
فى التاريخ العسكرى لـ«فوزى» أنه شارك فى حرب فلسطين 1948، وانضم إلى الكلية الحربية كمعلم برتبة «مقدم أركان حرب فى 15 يناير 1949»، وعمل فيها لفترة طويلة «كبير المعلمين» وترقى حتى وصل إلى درجة لواء فمدير للكلية، ثم رئيسا لأركان الجيش فى مارس 1964، ولطول بقائه فى قيادة الكلية الحربية اكتسب لقب «أبو العسكرية المصرية الحديثة».
كان الحدث العسكرى الأكبر فى حياته يوم 11 يونيو 1967 بعد النكسة بستة أيام، ففى الساعة الثانية من بعد الظهر، وحسب مذكراته «حرب الثلاث سنوات 1967 - 1970» عن «دار المستقبل العربى - القاهرة»: «اتصل بى الرئيس عبدالناصر وأخطرنى بأنه تم تعيينى قائداً عاماً للقوات المسلحة، وسألنى عن مدى تحملى لمثل هذه المسؤولية من الآن؟، فأجبته بموافقتى على تحمل هذه المسؤولية، ثم أخطرنى بأن هذا أول قرار يصدره، وسيعلنه فى الإذاعة الساعة الثانية والنصف بعد ظهر نفس اليوم، وحدد لى الساعة السابعة مساء فى نفس اليوم موعدا للقائه فى منزله ومعى تقرير عام عن الموقف، كما طلب منى آخر كشف معدل عن ضباط القوات المسلحة، وكان هذا أول لقاء لى على انفراد مع رئيس الجمهورية، حيث بدأ فى دراسة وتكرار أسماء أصحاب الرتب العظمى فى القوات المسلحة «ألوية، عمداء»، وأخذ يسألنى عن سمعة وكفاءة وقدرة كل منهم، وسألنى فى نفس اللقاء عمن أرشحه ليكون رئيسا للأركان العامة، فذكرت اسم الفريق عبدالمنعم رياض دون تردد، أو انتظار تفكير».
بدأ «فوزى» و«رياض» فى إعادة بناء القوات المسلحة، ومع إعادة البناء خاض الجيش المصرى حرب الاستنزاف المجيدة التى خسرتها إسرائيل وتسعى إلى محوها من الذاكرة، كما كانت بروفة لحرب 6 أكتوبر 1973، التى بدأت وهو يقضى عقوبة السجن على أثر استقالته يوم 14 مايو 1971 ضمن الصراع مع الرئيس السادات الذى تقدم فيه العديد من الوزراء والمسؤولين باستقالة جماعية، فقدمهم السادات إلى المحاكمة بتهمة تدبير انقلاب، ولما سألته عن شعوره أثناء هذه الحرب التى أعد جيشها بينما هو فى السجن، صمت وكأنه يعيش لحظتها واكتفى بالقول: «كنت حاسس بكل جندى وضابط».
ورحل فوزى يوم 16 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 2000.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة