"هيه، هخ، حيه"... لغة التعامل مع الأغنام، وهى تتهادى بحثا عن "الكلأ" بين غرود رمال "شبه جزيرة سيناء"، ومسار أوديتها الجافة على حواف الجبال، وراعيها مسرع الخطى مرة ويمشى وراءها أخرى بعصاه يحملها فى يده، يحمل "مخلاته" التى هى مستودع مؤنه البسيطة من أدوات المعيشة، يحدد مسار أقدام "حلاله" ويقطع الطريق على اتجاهها إذا ما ابتعدت عن منطقة رعيها المحددة.
الراعى "محمد حمدان"، مازال يتمسك بالحفاظ على مهنة الرعى فى شمال سيناء، ويفتخر أنه ورثها عن آبائه وأجداده وأنها من المهنة التى مارسها الأنبياء والرسل.
يبدأ "أبو حمدان"، يومه مبكرًا بإطلاق سراح أغنامه من محبسها الليلى بجوار محط رحاله فى قرية مصفق غرب العريش، والسير بها فى مناطق نمو أعشاب موسمية خضراء وأهداب وريقات تنمو على أغصان أشجار صامدة فى المكان.
20 عامًا
ويقول الراعى أنه أمضى حتى الآن 20 عامًا من سنوات عمره التى قاربت الخمسين، وهو وراء أغنامه ينتقل بها من مكان لآخر فى مرات يزداد عددها وفى أخرى يقل، وأن الرعى بالنسبة له مهنة يفتخر أنه ورثها عن آبائه وأجداده وهى مصدر رزقه، وأنهم يطلقون على الأغنام والماعز مجتمعه اسم "الحلال" من الرزق الحلال الطيب، ويتفاءلون بمشهد مقدمها ومنظرها إذا ماعادت نهاية كل يوم بعد ساعات طويلة من الرعى، ويسمون الأغنام منفردة باسم "النعاج" وتسمى الأنثى "نعجة" والذكر "كبش"، وصغارهن "حملان"، والماعز تسمى بمسماها "ماعز" للأنثى و"تيس" للذكر، وصغارهن "زلطان" وفى الشتاء يحرصون على توفير مكان مبيت لها فى عشش محصنة بالبلاستيك لمنع اختراق المطر لها، بينما يضعون الصغار من الأغنام والماعز ليلا فى حفرة يتم حفرها تحت الأرض وسقفها بالبلاستيك فى حدود عمق نصف متر فى متر عرضا، وتسمى "زرب" ويقولون "زرب الزلطان أو الحملان" أى ضعها لتبيت ليلتها والهدف حفظها فى مكان دافئ بعيدا عن الصقيع الذى قد يودى بحياتها وعلى وجه الخصوص من لا يتعدى عمرها أيام قليلة.
الأخضر من العشب
وأضاف أن للرعى فوائد على الأغنام فهى تلتقط الأخضر من العشب البرى واوارق الشجر الطبيعى بعيدا عن الأعلاف، وأثناء فترة الرعى يظهر هذا على صحة الحيوان ونموه، لافتا إلى أن فترة الرعى المناسبة هى فترة ما بعد سقوط المطر، وكل الرعاه فى شمال سيناء يعرفون أشهر الأماكن للرعى، وبشكل تلقائى وراثى يشدون رحالهم مع غنمهم للمناطق التى تشهد سقوط مطر يطلقون عليه مسمى "بدرى"، حيث ينمو فيها العشب مبكرا قبل حلول "الأربعينية" وهى مدة تعرض المنطقة لصقيع يستمر 40 يومًا تحت الأرض و40 يومًا تالية لها على سطحها، وخلال هذه الفترة التى تبدأ من شهر ديسمبر يتوقف نمو الأعشاب، وبعدها يعم الخضار المنطقة، حيث تنعم بأجواء دافئة خلالها تظهر المسطحات الخضراء، وتنمو براعم الشجر فى فترة تمتد من أواخر شهر فبراير حتى شهر إبريل وهو أفضل أوقات الرعى على مدار العام كله.
مناطق الرعى
ومن أشهر مناطق الرعى فى سيناء بحسب خبرة الراعى "أبو حمدان"، سهول ووديان وسط سيناء فى "أم شيحان"، و"الجفجافة" فى العمق من سيناء، ومناطق "وادى العريش"، و"جعل" حتى "جلبانة" غربا، وقال إنهم فى تلك المناطق "يلاحقون الربيع" وهى الأعشاب البرية التى تنمو بشكل موسمى، وتعتبر مناسبة للحلال ومنها عشبة "العاذر"، "البخترى"، "الشيح"، "الثمام"، "السبط"، "الصما" وغيرها من الأعشاب كثيرة الأنواع والتى تختص كل منطقة بنوع منه ينمو على أرضها.
وأضاف أن هناك فترات تتوقف فيها حركة الرعى، وهى فصل الصيف، ومطلع الشتاء، وخلالها يتم تعويض غذاء الحلال بما فى السوق من أعلاف يتم شراؤها إضافة إلى "الخضرة"، وهى البرسيم وقشر البسلة الخضراء، لافتا إلى أن الراعى يستخدم للغذاء والتعليف ما يسمى "العليق" وهو مقدار محدد من الشعير يعطى بغرض التعليف بشكل يومى فى توقيت محدد.
يوميات المرعى
وحول يومياته فى المرعى يشير "أبو حمدان"، أن هناك رعيا فى منطقة تجاور منزله، وخلالها يطلق أغنامه مبكرا، ويعود بها فترة القيلولة، ويستأنف الرعى عصرا حتى مغيب الشمس، ومناطق رعى أخرى يرحل إليها، ويمكث فيها من أسبوع لأسبوعين، وهذه تتطلب أن يقيم فيها عشه تقيه البرد أو الشمس، وينطلق بحلاله مع إشراقة أول ضوء شمس، ويجوب وراءها المناطق الشاسعة وهى ترعى بحثا عن العشب، ويحمل معه قليل من الخبز وحبات الطماطم أو وعاء به "مش" فى "مخلاته"، وهى أداة حمل المؤن والماء، وبعض من الشاى والسكر و"تنكة" و"كوب"، لإعداد الشاى على نار الحطب،وأثناء فترة الظهيرة يستريح لتناول غداءه، وفى تجواله وراء اغنامه مابين الحين والأخر يختار الأماكن المنخفضة ويجلس لعمل كوب شاى على نار الحطب، ويعود ليلا لمكان مبيته حيث يعد طعامه.
أنواع الأغنام
وأشار إلى أن من أنواع الأغنام فى شمال سيناء بالنسبة للماعز "البلدى" وهى شبه انقرضت لعدم إقبال التجار عليها، وأصبح السائد تربية "الشامى" وهى أغنام نموها أسرع ونسبتها من اللحوم أكبر ومن أنواع الأغنام ماتسمى "عسافى"، وأخرى "رحمانيات" و "مارينا " وهى نعاج تمتاز بأنها سمينة.
مواسم البيع
وأوضح أن مواسم البيع المناسبة، هى ما بعد تربية الصغار حيث ولادتها تبدأ فى شهر ديسمبر حتى يناير، وتصبح صالحة للبيع بعد انتهاء فترة الفطام فى شهر مارس وإبريل، وكل راعى يحدد ما سيقوم ببيعه أو بقائه للتربية، وهناك تجار حلال يحضرون للشراء، أو يذهب هو بنفسه للبيع فى الأسواق الشعبية الأسبوعية المنتشرة فى كل مدن شمال سيناء، ولدى كل راعى وصاحب غنم ما تسمى " الربايط " وهى التى تربى وتعلف من الأغنام والماعز وتعد للبيع بسعر أغلى بعد أن تصبح سمينة وصالحة للبيع فى مواسم البيع مثل فترة قبيل عيد الأضحى أو عودة الحجاج، وبعضهم يقوم بذلك لتجهيزها لمناسبة سعيدة قادمة لنحرها وتناول طعامها مثل الأفراح أو عودة غائب أو ميلاد طفل.
وقال إنه يعتز بمهنته، ويتمنى أن يرثها أولاده الذين لم يحرمهم من حقهم فى التعليم وتخرج من بينهم 2 من مدارس فنية وحصلا على شهادات متوسطة، و2 آخرين لايزالان فى مراحل التعليم الأساسى، وأنه يتمنى أن يعود الاستقرار لسيناء، ويتجول أكثر فى كل ربوعها الآمنة وكل مايعنيه هو "ستر الحال والعيش فى أمان " .
الراعى "أبوحمدان " مع محرر اليوم السابع فى مرعاه
أغنام تبحث عن الكلأ
الراعى مع أغنامه
مهنة الرعى فى سيناء
الراعى أبو حمدان
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة